تزايد السخط ضد قيس سعيد ومحاولات تفكيك مؤسسات الدولة باستفتاء

الأربعاء 29 يونيو 2022 02:11 م

تزايد السخط ضد قيس سعيد وسط محاولاته تفكيك مؤسسات الدولة باستفتاء

حاول قادة الاتحاد التونسي للشغل تصوير إضرابهم كرد على الظروف الاقتصادية بدلاً من كونه معارضة للرئيس.

الاتحاد التونسي للشغل قوة مهمة في البلد، هو القوة الوحيدة المعارضة للرئيس سعيد، وهو القادر على تعبئة الشارع للرفض.

بالنسبة لمعظم التونسيين فإن اللامبالاة هي المظهر الواضح، وباستثناء الإضراب العام للاتحاد، فلم تنظم سوى تظاهرات قليلة ضد حكومة سعيد.

الاقتصاد الذي كان محرك الانتفاضة الرئيس لم يتحسن، فمعدلات البطالة مرتفعة وشعر كثير من التونسيين أن الطبقة السياسية أو الديمقراطية بشكل عام لم تحسن حياتهم.

* * *

قالت صحيفة “واشنطن بوست”، في تقرير أعدته كلير باركر، إن الرئيس التونسي “الشعبوي” قيس سعيد بات يواجه معارضة متزايدة وسط محاولاته تعزيز سلطاته.

وأضافت أنه بعد عام من استيلائه على السلطة وقلبه الديمقراطية الناشئة فيها، تتزايد المعارضة لسعيد وسط خططه لتنظيم استفتاء على دستور يقوّي حكم الرجل الواحد.

وقام سعيد في 25 تموز/يوليو العام الماضي بالتحكّم بالسلطة، في بلد كان نموذجاً عن نجاح التحول الديمقراطي من دول الربيع العربي، وسيقوم بعقد استفتاء يضفي شرعية على تفكيكه المؤسسات السياسية.

ومن المتوقع أن يتم الكشف عن مسودة الدستور الجديد يوم الأربعاء، وستقترح نظاما سياسيا يدور حول رئيس قوي يعين رئيسا للوزراء. وتبنى سعيد شكلاً من “الديمقراطية من الأسفل”، وتعطي سلطة للرئيس والحكومات المحلية وتضعف سلطة البرلمان والأحزاب السياسية. ويرى النقاد أن نظاما كهذا سيفتح المجال أمام عودة النظام الشمولي.

وتشير الصحيفة أن إعلان سعيد، العام الماضي، عن تعليقه للبرلمان، وعزله رئيس الوزراء، حظي بالدعم الشعبي والتظاهرات الحافلة في الشوارع ودعم من الذين أصيبوا بالخيبة من الديمقراطية الناشئة في البلد.

وقالت إن الكثيرين اتهموا النواب بالفشل في الوفاء بتعهداتهم الاقتصادية وتحسين الظروف الاجتماعية التي طالب بها الناس عندما خرجوا إلى الشارع عام 2010 وأطاحوا بزين العابدين بن علي.

وفي الأشهر الأخيرة، بات سعيد، الذي ينتهج نهجا ديكتاتوريا، يواجه معارضة متزايدة. وفي 16 حزيران/يونيو أعلن الاتحاد التونسي العام للشغل عن إضراب عام رداً على مفاوضات مقترحة بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي بغرض الحصول على قرض 4 مليارات دولار مقابل تطبيق إجراءات تقشف، في وقت يبحث فيه فقراء تونس عن القرش لوضع الطعام على طاولاتهم.

وشارك في الإضراب مئات الآلاف من عمال القطاع العام. وتم إلغاء الرحلات الجوية وتوقفت وسائل النقل عن العمل وأغلقت مكاتب الحكومة. وحاول قادة الاتحاد تصوير إضرابهم على أنه رد على الظروف الاقتصادية بدلاً من كونه معارضة للرئيس.

إلا أن المحللين فسروا تحرك قادة الاتحاد على أنه رسالة للرئيس بأن الاتحاد “لايزال قوة مهمة في البلد”، حسب يوسف الشريف، المحلل السياسي الذي يركز على شمال أفريقيا. وأضاف بأنهم “القوة الوحيدة المعارضة للرئيس سعيد، وهم القادرون على تعبئة الشارع للرفض”.

وفي الوقت الذي واصل فيه الرئيس إجراءاته لعكس الإنجازات الديمقراطية، تحول الاتحاد التونسي العام للشغل، وهو واحد من أربع جماعات عمل مدني حازت على نوبل للسلام عام 2015، إلى حاجز ضد العودة إلى الديكتاتورية.

وبعد انتفاضة الربيع العربي، تجاوزت تونس فترة مضطربة سياسيا وهجمات إرهابية وأقرت في عام 2014 دستورا أنشأ سلطة تشاركية بين الرئيس والنظام البرلماني وأكد على الحريات المدنية. وفي منطقة قمع فيها القادة المعارضين، تحولت تونس بـ 12 مليون نسمة إلى ساحة للنقاش الحر والتجمع السياسي.

إلا أن الاقتصاد الذي كان المحرك الرئيسي للانتفاضة لم يتحسن، فقد ظلت معدلات البطالة مرتفعة وشعر الكثير من التونسيين أن الطبقة السياسية أو الديمقراطية بشكل عام لم تحسن حياتهم. وقادت حركة احتجاج شابة في العام الماضي شجبت نخبة ما بعد الثورة وفسادها وعجزها وطالبت بحل البرلمان.

وتم استهداف حركة النهضة الإسلامية، التي فازت وبشكل مستمر في انتخابات البلاد، وشاركت في تحالفات مع بقية الأحزاب، واتهمت بالفشل في حل مشاكل البلاد.

واعترفت الحركة بأن التونسيين لديهم تظلمات حقيقية في مسألة الحكم، وأنها تتحمل جزءاً من المسؤولية، لكنهم دافعوا عن تمسكهم بالديمقراطية ودعوا للعودة إلى مؤسساتها. ولكن سعيد الذي انتخب عام 2019 كثف من حربه على النظام السياسي عندما أعلن في أيلول/سبتمبر الماضي أنه سيحكم عبر المراسيم.

وقال رمضان بن عمور، المتحدث باسم المنبر التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية: “بالنسبة لنا، كانت لحظة قطيعة كاملة بين سعيد والمجتمع”، وأضاف أن “المراسيم خلقت نظاما ديكتاتوريا يحتكر فيه الرئيس كل السلطات”.

وفكك سعيد مؤسسات الدولة وحل البرلمان وهدد بمنع المنظمات من تلقي الدعم الأجنبي، وهو منع قد “يمحو منظمات المجتمع المدني، أو حتى منظمات الرقابة المجتمعية” كما يقول لامين بنغازي، منسق البرامج في منظمة “محامون بلا حدود”. وشجبت منظمات حقوق الإنسان الاعتقال والحجز التعسفي لمعارضي سعيد والمحاكم العسكرية التي تحاكم المدنيين.

وقبل فترة اعتقل الأمن رئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي بتهمة غسل الأموال، قبل أن يأمر قاض يوم الإثنين بالإفراج عنه. وتراجعت تونس هذا العام 24 مرتبة في مؤشر “مراسلون بلا حدود” لحرية الإعلام، حيث حذرت المنظمة من أن “إرهاب الصحافيين بات أمرا طبيعيا”.

وأثارت التحركات مخاوف الولايات المتحدة التي طالما مدحت التجربة التونسية، وفي أيار/مايو قالت سامنثا باور، مديرة وكالة التنمية الأمريكية أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إن ميزانية العام المقبل للإدارة اقترحت تخفيض المساعدة لتونس بسبب “التحولات المخيبة للحكومة الحالية، قمع منظمات المجتمع المدني، التحرك بعيدا عن حكم القانون وعن المؤسسات الديمقراطية”.

ولاحق سعيد المؤسسة القضائية وحل بقرار أحادي مؤسسة تؤكد على استقلاليته في شباط/فبراير وعزل 57 قاضيا في حزيران/يونيو. وقاد عزل هؤلاء إلى إضرابات أسبوعية.

وقال ياسين عزازة، محامي ومستشار وزارة الاقتصاد والشؤون الاجتماعية، في مقابلة مع “واشنطن بوست” هذا الشهر، إن تونس هي ديمقراطية بسبب حكم سعيد وليس العكس. وزعم أن الحكومات السابقة كانت فاسدة وغير ديمقراطية، متهماً “حركة النهضة” بدون تقديم أدلة بأنها كانت “تحاول تقويض الدولة”.

ومن الصعب تحديد مواقف الرأي العام من سعيد، لكن آلافاً من المحتجين شاركوا بتظاهرة نهاية الأسبوع في العاصمة وبعد الإضراب، علامة سخط من سعيد وتفكك المعارضة في نفس الوقت. إلا أن استطلاعات الرأي تشير لدعم التونسيين للرئيس.

وبالنسبة لمعظم السكان فإن اللامبالاة هي المظهر الواضح، وباستثناء الإضراب العام للاتحاد، فلم تنظم سوى تظاهرات قليلة ضد حكومة سعيد.

وقال بنغازي، من “محامون بدون حدود” إن الاتحاد التونسي العام للشغل يمكن أن يساعد في تشكيل “جبهة مدنية لمنع التحول نحو الديكتاتورية التي نشاهدها حاليا” وهناك “آمال كثيرة تعول على الاتحاد التونسي العام للشغل حاليا”.

وقال رئيس الاتحاد نور الدين الطبوبي، في الأسبوع الماضي، إن الحكومة لا يحق لها فرض إجراءات تقشف وترك الباب مفتوحا أمام مقاطعة استفتاء الشهر المقبل. وأعلن الاتحاد يوم الإثنين عن إضراب جديد.

المصدر | واشنطن بوست - ترجمة القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، قيس سعيّد، الاتحاد العام التونسي للشغل، القضاء التونسي، حركة النهضة، نور الدين الطبوبي،

رويترز: قيس سعيد يفكك أسس ديمقراطية الربيع العربي الوليدة

ديفيد هيرست: النقابات ستكون هدف قيس سعيد القادم بعد الدستور