تركيا وإيران.. هل يتحول انعدام الثقة إلى صدام مباشر؟

الجمعة 29 يوليو 2022 01:00 ص

تتمتع تركيا وإيران بتاريخ طويل وصاخب ومثير للجدل في بعض الأحيان. ولم تتغير الحدود بين البلدين منذ معاهدة قصر شيرين عام 1639. وبالطبع، حدث الاتصال بين الأتراك والفرس قبل ذلك بكثير في القرن العاشر عندما غزت الشعوب التركية المهاجرة غربًا إيران الحالية وسيطرت عليها لقرون. ومع ذلك، لم يكن الأتراك قادرين على مقاومة تأثير الثقافة الفارسية التي دخلت المجتمع التركي وأثرت في اللغة وطريقة الحكم والأعمال الفنية. واليوم، يعيش ما يقدر بنحو 18 إلى 30 مليون تركي في إيران.

وتعد كلتا الدولتين قوتين إقليميتين مهمتين لهما سياسات خارجية واضحة تسعى إلى تعزيز مواقعهما في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومن ناحية، تقدم إيران نفسها كزعيم للمجتمع الشيعي وتعمل على نشر فلسفتها السياسية والدينية وتدافع عن الشيعة في جميع أنحاء العالم. في المقابل، فإن تركيا دولة سنية لكنها لا تسعى إلى توسيع سلطتها كقائد للسنة بالرغم من أنها تفضل التحالف مع الدول السنية عندما يكون ذلك ممكنًا.

لن يكون من الخطأ القول بأن الدولتين تنظران إلى بعضهما البعض على أنهما تهديد أمني ومنافس إقليمي للطرف الآخر. وفي الواقع، تضمن سياساتهما الخارجية وجود علاقة عدائية إلى حد ما بين أنقرة وطهران. ومع ذلك، فإن حدوث صراع شامل بين تركيا وإيران، سواء الآن أو في المستقبل، هو احتمال ضعيف للغاية.

ويكشف التاريخ أن الجارتين تجنبتا الصراع المباشر عبر القرون، حتى في ظل أصعب الظروف الدولية والمحلية. وتعايشت تركيا وإيران في زمن الإمبراطوريات وكدولتين، حتى مع تغير النظام أو القيادة. وقال الباحث التركي "حقي أويجور" إن العلاقات التركية الإيرانية تتجاوز السياسة الحالية، وبالتالي ستبقى كما هي بالرغم من التوترات الحالية.

وتعد العلاقات التركية الإيرانية مثيرة في بعض جوانبها، وبالرغم أن تركيا لا تعارض بشكل كامل فرض عقوبات على إيران، إلا أنها مترددة في الانضمام إليها. وبينما تتفق أنقرة مع الولايات المتحدة على أنه لا ينبغي لإيران أن تمتلك أسلحة نووية، فإنها تضغط على واشنطن لاستبعادها من بعض العقوبات، لا سيما تلك المتعلقة بشراء النفط.

ويعد عدم استقرار إيران (كما حدث في العراق وسوريا) تهديدا لتركيا حيث سيؤدي ذلك إلى موجات من الهجرة وتصاعد خطر الإرهاب وسيمثل ذلك تحديا أمنيا واقتصاديا لأنقرة، لذلك فإن إيران المعاد تأهيلها (أو على الأقل مستقرة) أفضل من تلك التي تتأرجح على شفا الانهيار.

علاوة على ذلك، بالنسبة لتركيا، فإن التهديد الذي تشكله إيران ثانوي وغير مباشر مقارنة بالدول الأخرى. وبالرغم أن إيران تُظهر عداوتها لتركيا بشكل غير مباشر من خلال دعم الوكلاء في العراق وسوريا، ترى أنقرة أن الجماعات المسلحة الأخرى المتحالفة مع الولايات المتحدة، مثل وحدات حماية الشعب، أكثر تهديدًا لأمنها القومي من الهجمات المتفرقة التي يشنها وكلاء إيران.

لهذا السبب، من المرجح أن يستمر الاستقرار العام للعلاقات التركية الإيرانية والحفاظ على التوازن الدقيق في السنوات القادمة، بالرغم من التوترات الطفيفة بين الدولتين.

بالرغم من أن القوتين لم تدخلا في صراع مباشر، إلا أنهما يظهران عدم ثقة كبير تجاه بعضهما البعض ويتنافسان من خلال وكلاء في دول أخرى.

ويرى البعض أن سياسة إيران المناهضة لتركيا أكثر حقدًا، بالنظر إلى أن طهران لديها دائمًا أهداف سياسية في المنطقة انطلاقا من رؤية توسعية قائمة على الأيديولوجية.

على سبيل المثال، هناك اعتقاد شائع في تركيا بأن طهران يمكن أن تدفع المهاجرين الأفغان إلى عبور الحدود مع تركيا من أجل الضغط على أنقرة. ومن الواضح أن إيران تحمل "بطاقة الهجرة" ضد تركيا وعلى الأرجح لن تمتنع عن استخدامها.

أصبح التهديد الذي تشكله الميليشيات المدعومة من إيران على تركيا أكثر مباشرة في السنوات الأخيرة. وتشتبك تركيا في شمالي العراق مع حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل. وبالرغم أن تركيا ليس لديها مشكلة كبيرة مع الميليشيات المدعومة من إيران هناك، إلا أن وكلاء طهران يعملون مع الجماعة الكردية الانفصالية لمحاربة الجيش التركي.

ولا تزال أنقرة مصرة على أن الحكومة الإيرانية توجه الميليشيات الشيعية لتنفيذ هجماتها. في المقابل، لا يتردد المسؤولون الإيرانيون في إدانة العمليات التركية في العراق، بالرغم أن العمليات التركية تستهدف الجماعات الكردية وليس وكلاء إيران. وقد ظهرت القصة نفسها في سوريا أيضًا، فعندما تنفذ القوات المسلحة التركية عمليات عسكرية في شمالي سوريا، تشتبك القوات التركية مع وكلاء إيران، وكذلك وحدات حماية الشعب وقوات النظام السوري.

وتسعى إيران إلى ضمان استمرار وكلائها في العمل بحرية في كل من العراق وسوريا، بينما تهدف أنقرة إلى القضاء على التهديدات المتصورة على حدودها. وتثير الاشتباكات المتكررة على نحو متزايد بين القوات التركية ووكلاء إيران إمكانية المواجهة العسكرية المباشرة بين تركيا وهذه الميليشيات، ما قد يؤدي إلى تمزق العلاقات الثنائية.

وبالرغم من هذه النقاط العالقة، يبدو أن البلدين على استعداد لاستخدام الوسائل الدبلوماسية لمعالجة خلافاتهما.

وفي 22 يونيو/حزيران الماضي، زار وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبداللهيان" أنقرة لمناقشة التوترات المتزايدة بين البلدين بعد أن أحبطت قوات الأمن التركية عملية استخبارية إيرانية في إسطنبول استهدفت سياحا إسرائيليين. واتضح التوتر بين الدولتين إذ لم يستجب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لعدة دعوات لزيارة طهران، حتى يوليو/تموز 2022، عندما زار طهران لعقد قمة ثلاثية مع الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".

وعلى المدى الطويل، قد تؤدي السياسة الخارجية الإيرانية المزعزعة للاستقرار إلى نتائج عكسية بالنسبة لطهران بطريقة غير متوقعة إلى حد ما. وقد يدفع السلوك الإيراني العدواني تركيا للتقارب أكثر مع إسرائيل ودول الخليج التي تخشى بشكل متزايد الطموحات الإيرانية.

ومن نواحٍ عديدة، يمكن مقارنة العلاقات التركية الإيرانية بعلاقات تركيا مع روسيا. وبالرغم من وجود مجموعة من المصالح المتباينة، تتعاون روسيا وتركيا كلما أمكن ذلك، بدلاً من الانخراط في صراع. وينطبق الشيء نفسه على العلاقات التركية الإيرانية.

ويمكن القول إن إيران وتركيا ستظلان غير واثقتين من بعضهما البعض في المستقبل، لكن من غير المرجح أن تتحول شكوكهما المتبادلة إلى صراع مباشر. وستحافظ الدولتان اليوم على نفَس الحوار الصريح الذي وجه علاقاتهما لقرون. باختصار، لا نتوقع أن يتغير المسار الطويل للعلاقات التركية الإيرانية بشكل كبير في أي وقت قريب.

المصدر | إبراهيم كاراتاش | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران تركيا أردوغان عبداللهيان العلاقات الإيرانية التركية المليشيات الإيرانية وكلاء إيران

تظاهرات بالعراق تنديدا بقصف دهوك.. ومصر وإيران تدينان دون إشارة لتركيا

أردوغان يلتقي عبد اللهيان عقب اتهامات لإيران باستهداف إسرائيليين في تركيا