لماذا ينبغي لليسار الإسرائيلي أن يخجل؟

الثلاثاء 29 ديسمبر 2015 10:12 ص

كان والدي يعرفان شخصا ناجيا من الكارثة. قبل سنوات كثيرة جدا، عندما وصلت الى البلاد سيارات فولسفاجن الأولى، سارع الرجل إلى أن يقتني لنفسه «صرصورا». توجهت إليه بوقاحة وإدعاء طفل. وسألته كيف أنك، أنت بالذات، لا تخجل من أن تشتري سيارة من إنتاج الماني. فسكت، ولكن النظرة التي تلقيتها منه بقيت تحرق جسدي حتى اليوم.

أحد الدروس التي تعلمتها هي أن الخجل في عيني كل واحد يمكن أن يكون الفعل السليم في عيني الاخر. فنحن نتوقع من عامل فلسطيني يبني بيتا في مستوطنة أن يخجل، ولكنه لا يفعل ذلك: هو فخور بقراره بأن يجلب الخبز إلى بيته؛ نتوقع من الإسرائيلي الذي هاجر إلى برلين أن يعتذر، ولكنه لا يفعل ذلك: فهو يتباهى بفعله؛ نتوقع من السياسي الذي أمسك متلبسا بفساده أن يعرب عن الندم، ولكنه لا يفعل ذلك: فهو يسارع إلى اتهام الآخرين؛ نتوقع من عارضة الأزياء التي نسيت أن تدفع الضريبة المستحقة عليها أن تأخذ مهلة زمنية ولكنها لا تفعل ذلك؛ فهي تواصل لعب دور النجم على لوحات الإعلانات.

ضد من تقال الأمور؟ ضد القانون السخيف الذي أقر أمس في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع. فمشروع القانون يلزم مندوبي الجمعيات التي تتلقى أكثر من 50% من ميزانيتها من حكومات أجنبية أن يضعوا على صدورهم لدى مجيئهم إلى الكنيست شارة خاصة تشير إلى مصدر دخلها. وفرضية آييلت شكيد، التي اقترحت القانون، هي أن الشارة ستخجل حاملها؛ هذه أيضا هي فرضية الجمعيات التي تكافح ضد مشروع القانون بكل قوتها. يخيل لي أن شكيد والجمعيات مخطئة على حد سواء: فالشارة ستصبح موضوع فخار، مثل التاج لملكة الجمال. لقد كان لابن رئيس الوزراء شركة وهمية من النرويج، كما سيقول مندوب الجمعية؛ أما انا فعندي في النرويج شركة حقيقية. والدليل هو أنها تبعث لي برزمة من المال.

في الأسبوع الماضي التقيت بيهودا شاؤول، مؤسس وقائد «نحطم الصمت»، الهدف المركزي لحملة نزع الشرعية التي يخوضها اليمين. «أتعرف ما هي المفارقة»، سأل وأجاب: «نحن لن نحتاج على ما يبدو لأن نضع الشارات. في 2016 هبط معدل مشاركة الحكومات الأجنبية في ميزانياتنا إلى دون 50%».

القانون، إذا ما أقر في الكنيست سيوفر سلاحا آخر للانتقاد على (إسرائيل) في الغرب: هذه ستكون نتيجته الوحيدة. وستكون الحجة بسيطة: (إسرائيل) لا يمكنها الاحتجاج على وسم البضائع من المناطق عندما تسم نشطاء حقوق الانسان في الكنيست. وسم مقابل وسم، شارة مقابل شارة. حكومة (إسرائيل) لا تخوزق إلا دولتها هي.

رغم ذلك، ثمة لليسار الاسرائيلي سبب وجيه للخجل، سبب هائل. لماذا، كما ينبغي لرجال اليسار أن يسألوا أنفسهم، لماذا تحتاج كل هذه الجمعيات للمال الاجنبي. فأين هم، أين كل الإسرائيليين الأخيار المقتنعين بأن استمرار الاحتلال يدمر الدولة، أين مالهم، أين رأسهم، أين أرجلهم؛ أين مصوتو المعسكر الصهيوني، مصوتو ميرتس، مصوتو لبيد، مصوتو القائمة المشتركة. فبينهم اناس اغنياء جدا واناس أثرياء، أناس شاغرون جدا وأناس أذكياء. لماذا يتوقعون من حكومة السويد أن تقاتل حربهم ضد اليمين.

الجواب مركب على ما يبدو. قسم منه يرتبط بامتناع بعض الاسرائيليين عن تقديم التبرعات. الاصوليون يكثرون من التبرع؛ وكذا المتدينون الوطنيون. العلمانيون يتبرعون اقل؛ قسم آخر ينبع من السمعة السيئة التي الصقها اليمين باليسار. فمن ينشر اسمه كمن يتبرع بالمال لـ«نحطم الصمت»، «بتسيلم» أو «جمعية حقوق المواطن» سيعتبر في دوائر معينة خائنا وفي دوائر اخرى يسرويا متطرفا. والناس يخافون من أن ينكشفوا.

لعل هذه هي الطبيعة الحقيقية لاغلبية مصوتي اليسار: هم ليسوا مبنيين للحروب. فالحروب يتركونها لمؤسسات الدولة، للنواب، للبرامج الساخرة، لبعض الصحفيين ممن لم يفسدوا بعد، ولشدة الاسف للحكومات الاجنبية. «دعونا نكبر بهدوء»، غنى غيدي جوب. «دعونا نكبر بهدوء، في حوض الزراعة في القرية/هناك تشرق الشمس حتى الغد/دعونا نكبر بهدوء، دون أن نتجمد من البرد/ بعض القمامة فقط، بعض القمامة فقط، الماء والنور أيضا».

لشدة الأسف هذا لم يعد كافيا. ليس تحت الحكومة الحالية. التوازن بين اهداف مختلفة، بين قطاعات مختلفة، اختل. قواعد اللعب تغيرت وتواصل التغير امام ناظرينا. المستقبل يعود لاولئك الذين يكافحون في سبيل فكرهم، ليس لاولئك الذين يجلسون لا مبالين في بيوتهم الجيدة ويتوقعون من الاخرين ان يقوموا بدلا عنهم بالعمل.

  كلمات مفتاحية

(إسرائيل) الاحتلال الاستيطان اليهود فلسطين القدس

عن الديموقراطية وفلسطين

في تدقيق عبارة رائجة عن فلسطين

فلسطين لم تعد محايدة بين المحاور..!

فلسطين .. مفارقة دعم الخارج وخذلان الداخل

المقاومة الشعبية الفلسطينية

السنة القادمة ستكون أسوأ

صناعة «البطولة» بدون مخاطر