لمواجهة النفوذ الروسي.. فرنسا تعكف على ترميم استراتيجيتها بالساحل الأفريقي

الثلاثاء 9 أغسطس 2022 09:16 ص

تتطلع فرنسا إلى إعادة بناء استراتيجية جديدة لها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، بعد طردها من مالي، تهدف بالأساس إلى منع تمدد الجماعات المسلحة بالمنطقة، وكبح جماع نفوذ روسيا داخلها.

وتضع الاستراتيجية الفرنسية، النيجر نقطة ارتكاز لمواجهة التنظيمات الإرهابية والتمدد الروسي في الساحل، باعتبارها الدولة الوحيدة في منطقة الحدود الثلاثة التي تتمتع بنظام ديمقراطي، لم يأت عبر انقلابات، على عكس مالي وبوركينا فاسو.

إلا أنها لا تغفل منطقة ساخنة أخرى حول بحيرة تشاد (نيجيريا والكاميرون والنيجر وتشاد)، وتصاعد هجمات التنظيمات الإرهابية في غرب إفريقيا، خاصة في بنين وتوغو.

فباريس تسعى حاليا إلى "إعادة ابتكار" جهاز عسكري وأمني فرنسي، خصوصا في منطقة الساحل، على حد قول الرئيس "إيمانويل ماكرون"، بعد أن أدت سياستها السابقة إلى انتشار الجماعات إرهابية على نطاق واسع في وسط وغرب أفريقيا، رغم أنها أجهضت مشروع إقامة إمارات للقاعدة وداعش في شمال مالي.

وحدد "ماكرون"، خلال زيارته الأخيرة لغرب أفريقيا، ثلاث مناطق رئيسية لإعادة الانتشار: منطقة الساحل، وبحيرة تشاد، وخليج غينيا.

ووضع ثلاثة مجالات لمكافحة ظاهرة الإرهاب من جذورها في المناطق المذكورة، تتمثل في الدفاع والأمن، والدبلوماسية، والتنمية.

واشترط الرئيس الفرنسي على الدول الأفريقية الراغبة في تلقي دعم بلاده عسكريا ودبلوماسيا وأمنيا، تقديم "طلب جلي وصريح"، ليكون للفرنسيين حضور أكبر في التدريب العسكري، وتوفير المعدات والدعم للجيوش الإفريقية، والبقاء قريبين منها، لمساعدتها في زيادة قدراتها.

وهذا الالتزام القوي بـ"أمن أفريقيا"، يعني أن "ماكرون" لا يريد إخلاء الساحة لموسكو، بل إعادة بعث دور أكبر لفرنسا في أفريقيا، حتى لا يكون طردها من مالي نموذجا لبقية دول القارة التي تواجه تهديدات أمنية للاستعانة بخدمات شركة فاجنر الروسية.

إذ برر قرار الانسحاب من مالي بأن "الإطار السياسي لم يعد متوفرا"، في إشارة إلى الخلافات بين باريس والسلطات الانتقالية في باماكو، بقيادة العقيد "عاصيمي غويتا".

إعادة الانتشار

وتسعى الاستراتيجية الفرنسية إلى إعادة نشر جزئي أو كلي لـ2400 عسكري من جنودها الموجودين في مالي ببلدان الساحل الأربعة وخاصة النيجر وتشاد وبدرجة أقل بوركينافاسو وموريتانيا، لكن أدوارهم ستكون مختلفة، إذ تعتمد على تدريب إضافي للجيوش المحلية وتعاون استخباراتي.

وهذه نفس الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة بعد أكثر من 20 عاما من الحرب على الإرهاب، من خلال الاعتماد على الجيوش المحلية، عبر التدريب المكثف والتعاون الاستخباراتي، وتوفير الدعم الجوي، خاصة عبر الطائرات المسيرة والعمودية، وتقليص التدخل العسكري المباشر لتفادي إثارة غضب المجتمعات المحلية.

وبحسب ما نقلته وسائل إعلام غربية عن مسؤولين فرنسيين، فإنه سيتم إرسال ما بين 300 و400 جندي فرنسي للقيام بعمليات خاصة مع قوات من النيجر في المناطق الحدودية مع بوركينافاسو ومالي.

بينما سيتمركز ما بين 700 و1000 جندي فرنسي في تشاد، مع عدد لم يعلن عنه من أفراد القوات الخاصة العاملة في أماكن أخرى بالمنطقة.

حيث قررت فرنسا في يونيو/حزيران 2021، إنهاء عملية برخان العسكرية في الساحل، وتقليص عدد أفراد قواتها العاملة بالمنطقة من 5100 إلى ما بين 2500 إلى 3 آلاف عنصر.

بيئة معادية

لكن هذا الانتشار الفرنسي لا يلقى ترحيبا من شعوب دول الساحل، حيث شهدت النيجر وتشاد وبوركينافاسو، احتجاجات شعبية للمطالبة برحيل القوات الفرنسية من بلدانهم، ومن شأن ذلك التأثير على خطط باريس للتوسع نحو بحيرة تشاد وخليج غينيا.

وتضغط الاحتجاجات على حكومات البلدان الثلاثة وتضعها في حرج، خاصة النيجر، لأنها تُضعف شعبية الرئيس "محمد بازوم"، المتحالف مع باريس، وقد تؤثر على حظوظه في الانتخابات المقبلة، أو أن تشجع العسكريين لتكرار سيناريو مالي.

ومن شأن تمدد فرنسا في بحيرة تشاد وخليج غينيا أن يكون له مفعول عكسي، لأنه قد يستقطب الجماعات المتشددة إلى هذه المناطق بأكثر كثافة، مثلما حدث في مالي.

إذ لم تكن الجماعات المتشددة تسيطر سوى على نحو 20% من مساحة مالي في 2013، وبعدما دخلها الفرنسيون انتشرت هذه الجماعات في 80% من مساحة البلاد، بل تمددت إلى دول أخرى على غرار النيجر وبوركينا فاسو وتشاد ونيجيريا والكاميرون وبنين وتوجو.

هذا الوضع قد يدفع دول خليج غينيا إلى التفكير مليًا قبل الانخراط بشكل كامل في الاستراتيجية الفرنسية.

"فاجنر" في غرب أفريقيا

بالمقابل، فإن تجربة "فاجنر" في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي تثير اهتمام بعض الدول الأفريقية التي تعاني مشاكل أمنية، على غرار نيجيريا، التي تعد أكبر بلد أفريقي من حيث عدد السكان، والتي تملك أكبر احتياطات للغاز الطبيعي أفريقيًا، فضلا عن أنها أكبر منتج للنفط في القارة.

وفي 2021، تحدثت صحيفة "التايمز" البريطانية، عن توقيع نيجيريا اتفاقا أمنيا مع شركة "فاجنر"، لم تتضح بعد معالمه.

إلا أن وسائل إعلام، تحدثت عن إمكانية استعانة نيجيريا بـ"فاجنر" في مواجهة المسلحين بدلتا النيجر، الذين يستهدفون المنشآت النفطية بالمنطقة الغنية بالبترول والغاز الطبيعي، ما يحول دون زيادة البلاد لإنتاجها من النفط والغاز، واضطرار عدة شركات دولية للتخارج من مشاريع نفطية ببر نيجيريا.

وأمام رغبة نيجيريا في زيادة إنتاجها النفطي وإنشاء أنابيب لنقل الغاز نحو أوروبا سواء عبر الصحراء الكبرى أو المحيط الأطلسي، فإن حاجتها لدعم روسي، ولو عبر "فاجنر"، يصبح أمرا ملحا، مع شعورها بتخلي الدول الغربية عنها.

وتحاول فرنسا تقديم بدائل أمنية ودبلوماسية وتنموية متكاملة لدول غرب أفريقيا، لتفادي اللجوء إلى "فاجنر".

بين فرنسا وروسيا

أحد الأسباب التي تجعل بعض الأفارقة يفضلون التعاون العسكري مع روسيا بدل فرنسا، أن موسكو تزودهم بمعدات عسكرية ثقيلة مثل المروحيات القتالية، دون شروط معقدة، وعلى العكس من ذلك تتحفظ باريس على تزويد حلفائها الأفارقة بأسلحة متطورة بالكميات والنوعيات المطلوبة، مع ربطها بشروط متعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

واستشعار فرنسا لخطر "فاجنر" بالتوازي مع تمدد نشاطات الجماعات الإرهابية والإجرامية المتعاونة معها، يدفعها إلى القتال من أجل الحفاظ على مناطق نفوذها في أفريقيا، لكنها تحتاج إلى دعم حلفائها الأوروبيين وإلى الولايات المتحدة أيضا.

بيد أن الدعم الأوروبي والأمريكي سبق أن جربته باريس في منطقة الساحل ولم يكن بالقدر الكافي، فالجميع يعتبر أن هذه المعركة فرنسية بالأساس، ولا يمكنهم خوضها بالنيابة عنها.

وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها فرنسا بسبب وباء كورونا ثم الحرب الروسية في أوكرانيا، فإنه من الصعب على باريس الذهاب بعيدا في مواجهة دول أقوى منها عسكريا مثل روسيا، واقتصاديا بحجم الصين.

فضلا عن أن شعوب المنطقة ما زالت لم تشف ذاكرتها من جراح الاستعمار الفرنسي لبلدانها وما خلفه من مآسٍ وأزمات لا تزال تعاني إلى اليوم آثار التبعية السياسية والاقتصادية لباريس.

فليس من المستبعد أن يُنظر إلى الاستراتيجية الفرنسية في وسط وغرب أفريقيا، على أنها وجه آخر من أوجه الاستعمار الجديد.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

فرنسا الساحل الأفريقي النفوذ الروسي مجموعة فاغنر

فرنسا تطالب أمريكا بمواصلة قتال القاعدة وتنظيم الدولة في الساحل الأفريقي

قبل القمة المشتركة.. أوراسيا ريفيو: على أفريقيا إعادة النظر في العلاقة مع روسيا

أفريقيا.. هزائم متوالية تتجرعها فرنسا لصالح روسيا (إطار زمني)