أين تقف سياسة قطر الخارجية بعد 43 عاما من الاستقلال

الخميس 4 سبتمبر 2014 07:09 ص

نجحت الدوحة في إطلاق سراح الصحفي الأمريكي «بيترثيو كرتيس» الذي كان محتجزاً في سوريا، وهو أحدث انجاز للدبلوماسية القطرية على الصعيد الانساني، عقب نجاح صفقة الإفراج عن الجندي الأمريكي الأسير لدى طالبان، وإطلاق 12 راهبة لبنانية تم اختطافهن من ديرمارتقلا في مدينة معلولا بسوريا.

نشطت الدبلوماسية القطرية في السنوات الأخيرة بشكل واضح وظلت دولة قطر مقصدا للأطراف المتنازعة للتوسط بينها وتوفير منابر، وفي هذا الجانب أمثلة ونماذج واضحة.

 فقد ساعدت الدوحة ولا تزال  في العمل مع الأطراف ذات الصلة لوقف العدوان على غزة، كما كان لها دور في رأب الصدع بين الفرقاء اللبنانيين، وفي توحيد الصف الفلسطيني، وفي التوسط في قضية دارفور وجيبوتي وارتريا وغيرها من النزاعات الشائكة؛ وكذلك ساهمت بشكل بارز في اطلاق سراح رهائن ومخطوفين، الأمر الذي جعلها دولة نشطة في المنطقة، وجعل الكثيرين يسلطون الضوء على الدوحة ليفهموا أهدافها ومرتكزات تحركاتها في إقليم المشرق العربي.

في الثالث من سبتمبر/أيلول 1971 نالت دولة قطر استقلالها كدولة تتمتع بسيادة كغيرها من الدول وتعاقب على حكمها عدد من الأمراء  إلا أن العام 1995 كان على موعد مع الأمير السابق «حمد بن خليفة» الذي أسس لتحول نوعي في السياسة الخارجية القطرية وفي عهده عرفت قطر نهضة شاملة على صعيد الإعلام والاقتصاد والدبلوماسية بشكل خاص.

عند النظر إلى طبيعة قطر الجغرافية وتركيبتها السكانية وبنيتها العسكرية فإن تقييما نظريا يقر بأن هذه الدولة محدودة الإمكانيات والفاعلية على المستوى الدولي، إلا أن قطر في العشر سنوات الأخيرة أثبتت قدرة عالية على الانخراط في الشئون الدولية بشكل فاعل جدا.

يمكن لمتابع السياسات الخارجية العربية - في ظل غياب كبير للدول الكبرى وخاصة مصر عن التأثير في مجريات الأحداث - أن يلحظ بوضوح الدور المتزايد والمؤثر الذي لعبته وما زالت تؤديه دولة قطر علي المستويين الإقليمي والدولي تجاه الثورات العربية والطريقة التي رسمت بها قطر سياستها الخارجية في ضوء رغبتها في تحقيق المكانة الإقليمية والدولية وانتهاجها لسياسة خارجية جمعت بين عدد من المتناقضات بصورة واضحة، وحفاظها على شبكة تحالفات معقدة جعلها بين دائرتي الإعجاب والاتهام  خاصة فيما يتعلق بالربيع العربي والإسلاميين. ولقد تضاعف حضور قطر في الشأن العربي، وأصبحت موجودة في كل مناسبة تقريبا.

كانت سنة 2011 سنة استثنائية للسياسة الخارجية القطرية حيث لعبت قطر أدوارا مميزة تجاه الثورات التي وقع بعضها في أوقات متزامنة في أكثر من بلد عربي مثل تونس ومصر وليبيا، وتحركت السياسة الخارجية بأدوات متعددة موظفة المال والعلاقات الدبلوماسية والإعلام المتمثل في قناة الجزيرة من أجل تحقيق مصالحها.

كانت قطر أكثر دولة عربية مثيرة للجدل على المستوى السياسي، ولا يختلف حولها المعلقون والمحللون السياسيون فحسب، بل وجزء غير قليل من الرأي العام العربي. الأسئلة حول دور قطر على الساحة العربية كثيرة جدا، إلا أن الأعوام الثلاثة الأخيرة أظهرت مزيد من الوضوح حول مواقف الدوحة وبينت انحياز مواقفها إلى نبض الشعوب في المنطقة وهذا لا يتنافى مع سعيها لتحقيق مصالحها الخاصة.

بعد الانقلاب على الثوارت العربية سادت التوجهات أن صعود السياسة الخارجية القطرية قد وصل لنهايته وبدأت تتفجر المشكلات في مصر وليبيا وسوريا ومصر واليمن وخلافات مع دول خليجية مما جعل أقل المتشائمين يعتقد بهذا التوجه.

بحسب (معهد جيمس أ. بيكر للسياسة العامة) تشير اثنان من التطورات الأخيرة إلى استمرار دور قطر كوسيط في صراعات دولية بطريقة تلفت الانتباه إلى قدرة الدوحة للقيام بدور المفاوض، بعد شتاء وربيع صعب. التطور الأول هو مشاركة قطر في الترتيب لصفقة تبادل الأسرى التي شهدت إستبدال خمسة من سجناء حركة طالبان الذين تم الإفراج عنهم على عهدة دولة قطر في مقابل الإفراج عن رقيب في الجيش الأمريكي «بو بيرجدال». الإنفراجة التي حدثت في أواخر مايو ووقعت بعد شهور من التحضير الدؤوب لها، على حد قول وزير الخارجية الأمريكية جون كيري «تجسد مدى أهمية شراكتنا مع قطر والتي سوف تظل كذلك». وفي تقارب نادر لوجهات النظر، أصدر كل من الرئيس «أوباما» وزعيم حركة طالبان «الملا عمر» بيان شكر علني للأمير «تميم»، يوضحان فيه أهمية الدور القطري في القيام بدور الوسيط في المفاوضات غير المباشرة وقنوات الاتصال الخلفية بين خصوم اليمين.

أما الإشارة الثانية، فهي الجهود المكوكية للدبلوماسية القطرية أثناء الحرب على غزة؛ والتي توضح – بحسب المعهد - شيئا واحدا وهو أنه يمكن لقطر أن تلعب دورا هاما في الأيام القادمة من خلال نقل الرسائل بين حماس والمجتمع الدولي وتيسير إجراءات بناء الثقة التي يمكن أن تقرب كافة الأطراف إلى قبول منطق وجود هدنة دائمة.

بعض الاشارات والتحركات التي تحدث في الإقليم تجعل الحديث مبكرا عن نهاية الدور القطري الذي يصمم على مواصلة دوره في دعم إرادة الشعوب بالرغم من التحديات.

ومن الإشارات على ماسبق وقوع معظم الدول في هذه الأزمات والاشكاليات وليس قطر لوحدها، حتى خصوم قطر يعانون من أزمات ومشاكل أيديولوجية واقتصادية وسياسية، كما أن تحالفات قطر وعلاقاتها تساعدها بشكل أو بآخر على تجاوز أي معيقات، إضافة أن التقلب السريع للأحداث لا يُمكّن من التنبؤ الصحيح بالمآلات القريبة، إلا أن المآلات البعيدة تحتم وصول الشعوب ومن يناصرها من دول أو أنظمة أو جماعات إلى مرادها.

ولا يمكن إغفال إدارة قطر لملف الأزمة الخليجية، حيث استطاعت تهدئة هواجس خليجية خاصة لدى المملكة العربية السعودية، ومن ثم فتحت الباب لتجاوز الأزمة أو على الأقل تهدئتها بصورة كبيرة وهو ما ظهر في نتائج إجتماع جدة السبت الماضي.

استقلت قطر في 1971 استقلالا نمطيا كغيرها من الدول العربية التي تبين فيما بعد أنها أبعد ما يكون عن الاستقلال لكن قطر حققت على الأقل استقلالا إقليميا ولم تعد مجرد انعكاس لمواقف السعودية، واستطاعت أن تدير علاقاتها معها ومع إيران بما يجنبها استحواذ أي منهما عليها – لعوامل جيوسياسية واضحة - بل وأصبحت لاعبا إقليميا مهما.

تعيش قطرفي هذه الأيام أوقاتا ليست سهلة بالمطلق في ظل شعور بعض الأنظمة أن الدور القطري يهدد وجودها أو يخصم من نفوذها،  لذا فإن قطر تحاول ألا تدخل في مواجهة مباشرة مع أحد إدراكا منها لحقائق الجغرافيا، فهي ضمن الدول الأصغر مساحة وسكانا وجيشا.

مراجعة تاريخ قطر في العشر سنوات الماضية تجعل المتابع لا يستغرب من انتهاجها لسلوك براجماتي غير متوقع على الصعيد الدولي إلا أن مواقفها تجاه مصالح المنطقة تبقى أكثر طمأنة للشعوب من غيرها من الدول العربية التي فقدت الثقة والمصداقية.

المصدر | أنس محمد، الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قطر تميم حمد

عودة الوساطة القطرية

«نيويورك تايمز»: قطر تغير سياستها الخارجية

هل من تغير في السياسة الخـارجـيــة القطــريـــة؟

قطر من القوة الناعمة إلى القوة الذكية