عودة الوساطة القطرية

الاثنين 4 أغسطس 2014 10:08 ص

 كريستيان كوتاس اولريكسن، معهد جيمس أ. بيكر للسياسة العامة // ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

لربما باءت المحاولة الأخيرة لوقف إطلاق النار في غزة بالفشل، ولكن السياسة المتبعة فيما وراء الكواليس لإنهاء الصراع قد سلطت الضوء مرة أخرى على دور الوساطة القطرية في حل النزاع.

تحاول الدولة إستعادة سمعتها والتي تضررت بعد الربيع العربي باعتبارها المفاوض المثالي الذي يوجد في مكان فريد يؤهله لرأب الإنقسامات، ولم شمل الخصوم المتنازعين سويا.

يتبع الأمير الجديد ووزير الخارجية نهجا أكثر هدوءا يتجنب الـ"جعجعة" إزاء حلفائهم في الساحة الإقليمية بعد ثلاث عشر شهرا من تغيير القيادة القطرية في الدوحة، ويحاول المسؤولون القطريون "العودة إلى الثوابت" والرجوع إلى أسلوب الوساطة الذي دفع بالبلاد إلى المكانة العالمية في مطلع الألفينيات.

أدت الوساطة القطرية في اليمن ولبنان ودارفور ومنطقة القرن الأفريقي قبل عام 2011 إلى تأسيس دولة تقوم بدور الوسيط في العالم الإسلامي والعربي. بالرغم من أن المبادرات التي تبنتها كان لها سجل غير حافل بالإنجازات، إلا أنها أسست لمكانة إقليمية جلية للأمير الشيخ حمد بن خليفة الثاني، ورئيس وزرائه الشيخ حمد بن جاسم الثاني حينها. وقد قام الرجلان باستثمار الكثير من الوقت والجهد في عدة مفاوضات والتزما بمجموعة كبيرة من القروض الاستثمارية كنموذج قطري متميز "للدبلوماسية التجارية". ومع ذلك، إفتقرت الدولة إلى عمق متابعة إنجاز المبادرات على المدى الطويل ومراقبة تنفيذ الإتفاقيات، تاركين الدوحة محل نقد بخصوص الفجوة المتزايدة بين النوايا السياسية والقدرة المهنية.

أثناء الربيع العربي، أصبحت السياسة القطرية أكثر تدخلا وارتبطت "باختيار المنتصرين" من الدول التي تمر بمرحلة إنتقالية في شمال أفريقيا وبلاد الشام، خاصة مصر وسوريا، وأصبح الدعم القطري للإخوان المسلمين مثيرا للجدل.

وبصرف النظر عن توتر العلاقات مع العضوين الزميلين في مجلس التعاون الخليجي، دولة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والذي سبب ضرراً بسمعة البلد كونها دولة حيادية. كشفت الدوافع القطرية المكشوك فيها بإزدياد عن نفسها في مالي في عام 2013، عندما كانت أنشطة الفريق القطري الإنساني الصغير في الشمال الذي يسيطر عليه الإسلاميون محط تكهنات على نطاق أوسع بأن قطر كانت تدعم حركة التمرد.

تسلم الأمير تميم بن حمد الثاني الحكم من أبيه في يونيو 2013 وعلى الفور قام باستبدال الشيخ حمد بن جاسم الثاني في التعديل الحكومي الذي شهد إنقسامات بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية. بالإضافة إلى وزير خارجيته خالد بن محمد ال عطية.

كان على الأمير تميم أن يحاول إجتياز ردود الفعل الإقليمية ضد الإخوان المسلمين ودعم قطر لذلك التنظيم. والذي بلغ ذروته مع سحب كل من السعودية والإمارات والبحرين لسفرائهم من الدوحة في مارس 2014 وسط إتهامات لقطر بتهديد أمن وإستقرار دول مجلس التعاون الخليجي. خلال نفس الفترة، كانت الصورة الدولية التي تكونت عن قطر من قبل قد تلقت سلسلة من الضربات عن طريق الإتهامات الموجهة إليها بخصوص كأس العالم لكرة القدم 2022، وكذلك سوء معاملة العمال المهاجرين.

تشير اثنان من التطورات الأخيرة إلى محاولة، إحياء الوساطة القطرية بطريقة تلفت الانتباه إلى قدرة الدوحة للقيام بدور المفاوض، بعد شتاء وربيع صعب. التطور الأول هو مشاركة قطر في الترتيب لصفقة تبادل الأسرى التي شهدت إستبدال خمسة من سجناء حركة طالبان الذين تم الإفراج عنهم على عهدة دولة قطر في مقابل الإفراج عن رقيب في الجيش الأمريكي ويدعى بو بيرجدال. الإنفراجة التي حدثت في أواخر مايو ووقعت بعد شهور من التحضير الدؤوب لها، على حد قول وزير الخارجية الأمريكية جون كيري «تجسد مدى أهمية شراكتنا مع قطر والتي سوف تظل كذلك». في تقارب نادر لوجهات النظر، أصدر كل من الرئيس أوباما وزعيم حركة طالبان الملا عمر بيان شكر علني للأمير تميم، يوضحان فيه أهمية الدور القطري في القيام بدور الوسيط في المفاوضات غير المباشرة وقنوات الاتصال الخلفية بين خصوم اليمين. 

هذه القدرة على تحقيق التوازن بين العلاقات مع مجموعة كبيرة من الخصوم المعادية والتي تعطي الوساطة القطرية "الميزة النسبية".

كان هناك نماذج مماثلة تعد دليلا على بحث قطر عن إيجاد حل للعنف المتصاعد في غزة من خلال الوساطة. وكان لقطر دوراً نشطاً ضمن المحاولات الإقليمية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وبين حماس، التي إستقر زعيمها خالد مشعل في الدوحة. وفي أكتوبر 2012، أصبح الأمير – آنذاك - الشيخ حمد أول رئيس دولة يقوم بزيارة غزة منذ تولى حماس السلطة في عام 2007. مثلت الزيارة خرقا رمزيا للعقوبات الإسرائيلية والدولية على غزة وأسفرت عن تعهد دولة قطر بإستثمارات في غزة تتراوح ما بين 250 مليون دولار و400 مليون دولار لتمويل المشاريع الأساسية للإسكان والصحة والبنية الأساسية، بالرغم  مع أنه كان من غير الواضح كيفية تحقيق هذا التعهد وإلى أي مدى.

شارك كل من الأمير تميم ووزير خارجيته العطية في نشاطات دبلوماسية مكوكية خلال إستمرار الصراع الأخير في غزة. وشمل زوار قطر كل من السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يُعتَقَد بأنه قد إجتمع مع زعيم حماس خالد مشعل أثناء تواجده في الدوحة. كما سافر الأمير تميم إلى أنقرة للقاء رئيس الوزارء التركي، رجب طيب أردوغان، في حين أجرى العطية مباحثات ثلاثية مكثفة مع كل من داوود أوغلو وكيري في باريس.

من الصعب تحديد مدى مساهمة هذه المحادثات في وقف إطلاق النار قصير الأجل الذي تم الإعلان عنه في 31 يوليو. وسرعان ما انهار اتفاق وقف إطلاق النار، وقد كشف هذا عن انعدام الثقة الشديد والمتبادل بين طرفي الصراع.

قام كيري بدعوة العطية عندما انتشرت أخبار عن الجندي الإسرائيلي المفقود يطالب فيها قطر باستخدام تأثيرها للتوسط لدى حماس. وهذا يوضح شيئا واحدا وهو أنه يمكن لقطر أن تلعب دورا هاما في الأيام القادمة من خلال نقل الرسائل بين حماس والمجتمع الدولي وتيسير إجراءات بناء الثقة التي يمكن أن تقرب كافة الأطراف إلى قبول منطق وجود هدنة دائمة.

 

* الدكتور كريستيان كوتاس اولريكسن هو زميل معهد جيمس بيكر بالشرق الأوسط. يتناول بحثه الوضع المتغير لدول الخليج في النظام العالمي، فضلا عن ظهور، على المدى الطويل، التحديات غير العسكرية للأمن الإقليمي. وهو أيضا زميل زائر في مركز كلية لندن للاقتصاد بالشرق الأوسط وزميل مساعد في تشاتام هاوس في المملكة المتحدة.

  كلمات مفتاحية

أين تقف سياسة قطر الخارجية بعد 43 عاما من الاستقلال

جهود قطر وراء إفراج «النصرة» عن الجنود الفيجيين

قطر تروض الإمارات بحملة علاقات دولية لدحض حملتها العدائية واتهامها بدعم الإرهاب

هل ما زالت قطر «وسيطا» مقبولا في الساحة الإقليمية

هل تعيد قطر بناء سياستها الخارجية المحايدة؟

استئناف محادثات السلام بين واشنطن وحركة طالبان في الدوحة بوساطة قطرية

قطر من القوة الناعمة إلى القوة الذكية

الدوحة عاصمة حل الأزمات المستعصية