هل تعيد قطر بناء سياستها الخارجية المحايدة؟

الأحد 16 نوفمبر 2014 08:11 ص

قطر دولة فريدة من نوعها؛ نظرًا لثروتها الهائلة من الموارد الطبيعية، ونتيجة لموقعها على الساحة العالمية كأكبر منتج ومصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال، ورغم كل هذا فإن عدد سكانها الأصليين يبلغ حوالي 300 ألف نسمة فقط. هذه النسبة الفريدة للموارد بالمقارنة مع نسبة السكان تقلل بشكل كبير من احتمال حدوث ثورة ضد النظام الملكي الحاكم. يُضاف ذلك إلى سببٍ آخر يتمثل في الفراغ السياسي في الشرق الأوسط - الناتج عن تراجع نفوذ الولايات المتحدة، وضعف الثقل التقليدي في العالم العربي بعد أن غرق في آتون الصراعات الداخلية الخاصة – والذي أعطى الفرصة لقطر لتوسيع نفوذها الاستراتيجي إلى ما وراء الخليج العربي.

التوسع الهائل للخطوط الجوية القطرية جعل من الدوحة مركزًا رئيسيًا للسفر الدولي. قناة الجزيرة تقف - بلا شك – كأكثر وسائل الإعلام العربي تأثيرًا بميزانية سنوية تتجاوز 600 مليون دولار أمريكي. وعلاوة على ذلك؛ فإنها كأول دولة في الشرق الأوسط ستستضيف كأس العالم، فإنها تقوم بضخ موارد مالية ضخمة في التجهيز والإعداد لنهائيات كأس العالم لكرة القدم المقرر لها عام 2022م.

على الرغم من هذه الإنجازات الجديرة بالملاحظة، إلا إن علاقة قطر بعدد من الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط قد تراجعت في السنوات الأخيرة. هناك مزاعم بدعم الدوحة لأطراف إقليمية فاعلة أثارت غضب المسئولين في كلٍ من البحرين ومصر وليبيا والعراق وإسرائيل والسعودية وسوريا والإمارات العربية المتحدة، ما دفعهم لتوجيه انتقادات شديدة اللهجة لسياسة الأمير القطري الخارجية، واصفين إياها بالسياسة الرامية إلى تقويض الاستقرار.

ومن مُنطلق أن قطر أصبحت معزولة إلى حدٍ ما؛ هناك توقعٌ يتمثل في أن الأمير الجديد - الذي ورث الحكم عن أبيه عام 2013م - سيتبنى من الإجراءات ما يُعيد تحسين صورة قطر كقوة محايدة تركز جهودها على حلول الوساطة في الصراعات، أكثر من دعمها أطراف على حساب أخرى. ومع ذلك؛ يبقى انتظار وتوقع ما إذا كانت قطر ستنجح بالفعل في تغيير الصورة التي رسمتها عن نفسها منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011م.

تاريخ حافل من الوساطة

وبالنظر إلى أسلوب الدبلوماسية القطرية تجد أنهلا مثيل له في الشرق الأوسط؛ فعلى مدار السنوات العشر الأخيرة أسست الدوحة سمعتها كــ«وسيط دبلوماسيٍ هام».

لقد ساعدت قطر في مفاوضات الولايات المتحدة مع حركة طالبان الأفغانية، بل وصل الأمر أنها فتحت مقرًا للحركة في الدوحة في وقتٍ من الأوقات. «الصليب الأحمر القطري» كان هو المنظمة الوحيدة التي سمح متمردو مالي لها بالدخول إلى مدينة «جاو» على نهر النيجر. وخلال عام 2008م وما تلاه قام وزير الخارجية القطري بالتوسط بين الحكومة السودانية والجماعات المسلحة في الصومال. وكان لقطر دور في رعاية المفاوضات بين الفصائل المتناحرة في لبنان عام 2008م في وقت ظن الجميع فيه أن الدولة الواقعة على البحر المتوسط على شفا حرب أهلية جديدة. وفي عام 2006م؛ وبعد انتخابات قطاع غزة التي فازت بها حركة حماس، توسطت قطر بين حماس وخصومها الفلسطينيين.

ومن الممكن تلخيص ملامح السياسة الخارجية القطرية - من حين لآخر - بأنها مصادقة عدوين لدودين في هذا العالم الدبلوماسي. على سبيل المثال لا الحصر؛ تتمتع قطر بعلاقة متوازنة مع المملكة العربية السعودية وإيران على الرغم من توتر علاقتها مع كلا الدولتين. ورغم أن قطر تستضيف قيادة مركزية أمريكية على أراضيها، وتُعدّ أحد أكبر الدول التي تعقد صفقات تسليح مع واشنطن، إلا أنه لم يثبت أن قطر اتخذت موقفًا معاديًا لدول ليست صديقة لواشنطن.

لقد زار الشيخ «حمد بن خليفة» – الأمير السابق والد الأمير الحالي – قطاع غزة في 2012م. وفي يوليو/تموز 2014م استضافت الدوحة لقاء الفرقاء الفلسطينيين – خالد مشعل ومحمود عباس – بهدف نظر موضوع تشكيل حكومة وحدة جديدة. علاقة قطر بحركة حماس جلبت الكثير من النقد للدوحة وقيادتها وسياستها الخارجية على الرغم من أن هذه العلاقة ظهرت ثمرتها عندما اختفى جندي إسرائيلي واتصل وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» بوزير خارجية قطر – خالد العطية – لممارسة ضغوط قطرية على حماس لتأمين إطلاق سراح الجندي المُختطف.

تفاعل قطر مع الثورات العربية

على النقيض تمامًا للموقف السعودي والإماراتي؛ وجدت قطر ثورات الربيع العربي كفرصة أكثر من كونها تهديد. في عام 2011م؛ كانت قطر أكثر الدول العربية مساهمة مع القوى الغربية في الإطاحة بمعمر القذافي ونظامه في ليبيا. ومنذ اندلاع الثورة السورية وتقف قطر موقف المؤيد الصريح للمتمردين ضد «بشار الأسد». وترددت ادعاءات تونسية بشأن ضخ الأموال القطرية لحزب النهضة التونس لمساعدته في الوصول إلى السلطة في انتخابات أكتوبر 2011م.

وخلال فترة حكم الرئيس المصري «محمد مرسي» التي لم تزد على عام قامت قطر بمساعدة مصر بحوالي ثمانية مليارات دولار أمريكي. وفي مارس 2014م سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفرائهم لدى قطر بحجة أن قطرتدعم جماعة الإخوان المسلمين. وصل الأمر إلى حد تهديد السعودية لقطر بغلق الحدود القطرية-السعودية، كما هددت بتعليق عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي. وبعد سبعة أشهر استجابت قطر للضغوط، وطلبت من سبعة قيادات إخوانية بمغادرة أراضيها بحسب محللين.

ورغم هذه التوترات فإن قطر لم تألُ جهدًا في مساعدة الولايات المتحدة؛ فقد ساعدت في إطلاق سراح الجندي «باو بيرجدال» في يونيو/حزيران 2014م الذي احتجزته طالبان لخمس سنوات. وفي أكتوبر 2014م؛ لعبت قطر دورًا في تأمين إطلاق سراح بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام بعد أن وقعوا في أسر «جبهة النصرة» التابعة للقاعدة. علاوة على ذلك؛ فقد كانت قطر من أوائل الدول التي أعلنت مشاركتها في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ما جعل واشنطن تعلن أن قطر «شريكًا مهمًا للولايات المتحدة». وفي النهاية يمكن القول بأن المناطق الخلافية بين قطر وحلفائها الغربيين والعرب ما تزال على الأرجح على الطاولة. ومن دون شك؛ فقد زاد النفوذ القطري بدرجة بالغة خلال السنوات العشر الأخيرة.

ونظرًا لأن سمعة قطر السابقة كــ«وسيط محايد» تم استبدالها بأخرى اعتُبرت كـ«قوة تدخل»، فيجب على الدوحة إعادة النظر في طريقتها الجريئة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وللمضي قدمًا في تحقيق المصالح القطرية، فقد يكون في مصلحة الدوحة على المدى الطويل ألا تضع نفسها في طليعة كل قضية إقليمية. بدلاً من ذلك؛ عليها أن تقود من وراء الستار، وتعمل بالتنسيق مع دول إقليمية، الأمر الذي قد يكون أكثر فائدة لقطر وعلاقاتها مع الحكومات العربية الأخرى.

لقد كتب وزير خارجية قطر «خالد العطية» مؤخرًا: «التاريخ سيحكم أعمالنا». وبالفعل، فقد حان الوقت لقطر لمعالجة النقاط الخلافية في علاقتها مع الحلفاء التقليديين. وهذه القرارات تحدد في نهاية المطاف مكانة الدوحة وسمعتها في العالم لسنوات قادمة.

المصدر | عبدالله خورام - انترناشيونال بوليسي دايجست

  كلمات مفتاحية

قطر قناة الجزيرة تميم بن حمد حمد بن خليفة الجزيرة مونديال قطر

«الوليد بن طلال» يشيد بالنمو الاقتصادي لقطر في عهد الأمير «حمد بن خليفة»

سياسي كويتي: الإماراتيون كالعصافير مع إيران فمن الحياء ألا يكونوا صقورا على قطر!

أمير قطر يؤكد أن اقتصاد بلاده لم ولن يتأثر بهبوط أسعار النفط

وسائل إعلام عالمية تتخذ قطر ”كبش فداء“ لتغطية فشل التحالف في هزيمة «الدولة الإسلامية»

الإمارات تمول حملة في صحف بريطانية بملايين الدولارات لتشويه قطر

ذي إنترسيبت: تحالف عجيب بين المحافظين الجدد وإسرائيل والإمارات لتشويه قطر!

«ثورات الربيع العربي» كلمة السر في الخلافات القطرية الإماراتية

وزير خارجية قطر يكتب: أبواب قطر مفتوحة للسلام في غزة

عودة الوساطة القطرية