هل ما زالت قطر «وسيطا» مقبولا في الساحة الإقليمية

الثلاثاء 28 أكتوبر 2014 12:10 ص

رسمت قطر سياستها الخارجية علي ضوء استراتيجيي هو البقاء والرغبة في تحقيق المكانة الإقليمية معتمدة على  دبلوماسية الوساطة بين الأطراف المتنازعة، وقد هدفت قطر من خلال ذلك إلى تدعيم مركزها في الإقليم عبر رسم صورة الوسيط المحايد الذي يمكن الاعتماد عليه، والمهتم بالسلام والاستقرار في المنطقة.

وقد استخدمت قطر القوة الناعمة في نزع فتيل الأزمات في مناطق التوتر العربية، فقد حالت الدبلوماسية القطرية دون اندلاع حرب بين إريتريا وجيبوتي، كما نجحت بتخفيف التوتر في دارفور ولبنان مما جعلها تبرز بشكل واضح في دور الوسيط، وتبنت قطر دبلوماسية نشطة حيث فتحت آفاقا جديدة للعلاقات في كافة المجالات مع عدد من الدول كان أبرزها إيران.

كما استفادت من مقدراتها الاقتصادية في إنجاح جهودها في عدد من ملفات الوساطة في أكثر من نزاع منذ عام 2005 استحوذت قطر على أدوار الوساطة الإقليمية في بلدان عربية بها مشاكل داخلية مثل اليمن ولبنان والعراق وغيرها مما حذا المحللين بوصف قطر بالوسيط غير المتوقف، وبعد ذلك مضت قطر قدما في مشروع وساطة بين الفصائل الفلسطينية «فتح» و«حماس»، كما بدأت محادثات تاريخية بين الولايات المتحدة و«طالبان» إضافة لسعيها من خلال العمل السياسي والدبلوماسي إلى فض المنازعات بين السودان وتشاد، وبين فرنسا وسوريا، فضلا عن استضافتها للمنتديات ومؤتمرات القمة.

وقد حضر في عام 2011 فقط إلى قطر ممثلون من دارفور ونيجيريا وجيبوتي وليبيا من أجل مفاوضات سلام، وتوسط القطريون في اتفاق لتوزيع السلطات بين «حماس» و«فتح» في فبراير/شباط 2011، حتى «حركة طالبان» خططت لفتح مكتب لها في الدوحة لتمهيد الطريق لمباحثات مع الحكومتين الأميركية والأفغانية

عوامل نجاح دبلوماسية الوساطة

ويتلخص نجاح الدور القطري في حل كثير من الأزمات الإقليمية من خلال العوامل التالية:

  1. توافق الإرادات الإقليمية والدولية وخاصة الأمريكية على القضية التي تقوم قطر بدور الوساطة فيها، ولعل التميز القطري يتمثل في اختيار القضايا التي تتوافق - أو تتطابق أحيانا - الإرادات والخرائط الإقليمية والدولية بشأنها.
  2.  وقوف قطر على مسافة واحدة من مختلف الفرقاء السياسيين والمذهبيين واحتفاظها بعلاقات جيدة مع كل اللاعبين الفاعلين داخل الدولة محل الوساطة.
  3. انحصار مصلحة قطر في إنجاح عملية الوساطة ذاتها؛ ولعل ما ساهم في نجاحها هو دخولها بعد محاولات دول لها مصلحة مع هذا الطرف أو ذاك ومن ثم تنحاز ولا يمكن أن يكون تدخلها مشروعا للحل رغم قدراتها الهائلة ووزنها الكبير.
  4. تولد قناعة كافية لدى قطر بأن الوساطات الفردية أفضل من الجماعية التي تتجاذبها محاور ومواقف متناقضة.
  5. امتلاك قطر لسلة مالية تساهم في إطفاء نار النزاعات، تعد وتتكفل بأعباء معينة مثل إعادة الإعمار أو غيرها من الأعباء المالية.
  6.  فعالية الدبلوماسية القطرية ونشاطها، ومتانة علاقاتها بالدول الإقليمية، وعدم جمودها وتمسكها بقواعد بروتوكولية جامدة.

وينظر البعض بتحفظ لدور الوساطة الذي تلعبه قطر نظرا لشكل وطبيعة العلاقات القائمة بين قطر والولايات المتحدة والسابقة مع «إسرائيل»، إلا أن الكاتب «فهمي هويدي» يرى أنه لا نستطيع أن نبخس قطر حقها في موقفها المقدر من المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، وفي الوساطة بين حكومة اليمن و«الحوثيين»، وفي الدفاع عن عروبة الصومال.

ومع انطلاق الثورات العربية يرى البعض أن قطر تراجعت قليلا عن أدوار الوساطة ليحل محلها أدوارا أخرى أكثر تحيزا لطرف دون الآخر، وفيما سبق اتخذت قطر دورا نشطا في السياسة الخارجية باستعمال تأثيرها وموقفها السلمي وكفاءتها كوسيط لحل الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، ولكن ما اتخذته قطر من إجراءات في ليبيا فاجأ العديد من المحللين عندما قامت في شهر مارس/آذار 2011 بإرسال ست طائرات من طراز ميراج للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي «ناتو» في العمليات الجوية، ومثلت هذه الخطوة نقلة نوعية في السياسة الخارجية القطرية.

وبعد تراجع الربيع العربي لم تقم قطر بأدوار وساطة بين فرقاء على الساحة الإقليمية إذ أنها أصبحت في نظر الجميع طرفا بل ووجهت بخطوات تصعيدية مثل سحب سفراء منها وتحريض إعلامي، لذا فان قطر التي وصفت يوما من كتاب غربيين أنها وسيط غير متوقف أصبحت هي نفسها محلا للوساطة إذ توسطت كل من عمان والكويت لحل الأزمة الخليجية، كما أن قطر لم تعد وسيطا مقبولا اللهم إلا في ساحات وقضايا محدودة وربما هذا ليس مشكلة في قطر بقدر ما هو تغيرات دراماتيكية أصابت المنطقة.

ومع ذلك لم تفقد قطر بعد أوراق قوتها، فاستطاعت مؤخرا لعب أدوار مؤثرة في الوساطة بين الولايات المتحدة وطالبان، وبين جبهة النصرة والمجموعات المسلحة في سوريا من ناحية وبين المجتمع الدولي من ناحية أخرى. كما أن تمتع قطر بعلاقات واتصالا وثيقة مع حركة حماس جعل دورها محوريا في مفاوضات التهدئة عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

الدوحة قد برعت في الوساطة قبل الربيع العربي وتعاونت مع القوى التي قدمها الربيع العربي وربما لم تكن هناك قراءة أو توقع للارتدادات العكسية مما جعلها هي وتركيا تتقدمان بقوة في دعم هذه الجهات وتحرقان الجسور مع الجهات الأخرى.

لكن الدوحة قامت خلال الفترة السابقة بجهود كبيرة في الوساطة أوصلتها لمكانة كبيرة، وكما يشير عدد من أساتذة العلوم السياسية أن أدوات القوة تتغير من وقت لآخر لذا فان الدوحة تجد نفسها مضطرة إلى التركيز على دبلوماسية الوساطة والانتقال للون آخر من ألوان القوة حتى تحافظ على ما أنجزته أو تدعم حلفاءها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قطر الربيع العربي ثورات الربيع العربي تميم بن حمد

عودة الوساطة القطرية

الوساطة القطرية تنشط لإبرام التهدئة وجدل حول المبادرة المصرية

إسرائيل تسعى لاتفاق تهدئة طويل الأمد وتميل لقبول الوساطة القطرية

قطر تعزز نفوذها بوساطة ناجحة بين طالبان والولايات المتحدة