المغرب على بعد خطوة من صناعة عدو جديد في المنطقة المغاربية

الأحد 4 سبتمبر 2022 09:38 ص

يقال إن الأزمة لا تأتي بمفردها، ويبدو أن هذه المقولة تنطبق على النظام المغربي الذي واجه خلال الأيام الأخيرة عدة أزمات تتعلق بالقضية التي يعتبرها الأخطر على الإطلاق وهي قضية الصحراء الغربية. 

وخلال خطاب عام الأسبوع الماضي، كان الملك "محمد السادس" صريحًا بل ومهددًا: "أود أن أبعث برسالة واضحة للجميع: إن قضية الصحراء الغربية تشكل المنظور الذي يتعامل المغرب من خلاله مع بيئته الدولية. إنه أيضًا معيار واضح وبسيط يقيس مدى صدق التحالفات وفعالية الشراكات التي يقيمها شعبنا مع الآخرين".

باختصار، أوضح العاهل المغربي أنه لا حلول وسط فيما يخص نزاع الصحراء الغربية، وأنه يتعين على الدول الأجنبية اختيار جانب: مع المغرب أو ضده.

ولكن بعد بضعة أيام في مقابلة على التلفزيون العام الإسباني، قال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل" إن "موقف الحكومة الإسبانية كان ولا يزال هو نفسه موقف الاتحاد الأوروبي: أي أنه يجب استشارة الشعب الصحراوي حتى يقرر هو نفسه مستقبله".

وأثار هذا التصريح صدمة وغضبا في الرباط، ودفع ذلك وزير الخارجية "ناصر بوريطة" إلى إلغاء لقاء كان مقررا مع الدبلوماسي الأوروبي في سبتمبر/أيلول.

وبما أن "بوريل" إسباني وينتمي إلى نفس الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الإسباني "بيدرو سانشيز"، فقد تساءل المغاربة عما إذا كان يتحدث نيابة عن الحكومة الإسبانية أو الاتحاد الأوروبي.

وبحسب وسائل الإعلام الإسبانية، تواصل "بوريطة" مع "بوريل" مباشرة ليطالبه بتصحيح أقواله على الفور. وامتثل الدبلوماسي الأوروبي بغض النظر عن بعض التلاعب بالألفاظ. وبحسب ما ورد، فعل "بوريطة" الشيء نفسه مع وزير الخارجية الإسباني خوسيه "مانويل ألباريس" الذي أكد بنفسه على دعم إسبانيا للموقف المغربي.

التوتر مع تونس

ما لم يتوقعه المغرب هو أن يضطر إلى المواجهة مع بلد مغاربي غير الجزائر، ومع ذلك هذا ما حدث في نفس الأسبوع مع تونس.

فمن خلال وضع السجادة الحمراء لزعيم جبهة البوليساريو "إبراهيم غالي" الذي جاء إلى تونس للمشاركة في مؤتمر طوكيو الدولي الثامن حول التنمية الإفريقية (تيكاد) في 27-28 أغسطس/آب، تسببت تونس في غضب واسع داخل المغرب كما حدث مع إسبانيا.

ولم يكتف الرئيس التونسي "قيس سعيد" باستقبال "غالي" في المطار كما يفعل مع الوفود الدبلوماسية الأخرى، بل استقبله كرئيس دولة، الأمر الذي أثار استياء الرباط الشديد.

وسارعت وزارة الخارجية المغربية بالرد من خلال بيان قاسٍ ضد تونس معتبرة أنها "ضاعفت مؤخرًا مواقفها وأفعالها السلبية تجاه المملكة المغربية".

وذكرت وسائل إعلام مغربية الشعب أن تونس امتنعت في أكتوبر/تشرين الأول 2021 عن التصويت على قرار لمجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية. وردا على الخطوة التونسية، ألغى المغرب مشاركته في "تيكاد" واستدعى سفيره لدى تونس.

ويعتقد بعض المراقبين أن معاملة "غالي" كرئيس دولة، وليس دعوته، هي التي أغضبت المغاربة. وعندما عاملت موزمبيق "غالي" كرئيس دولة خلال مؤتمر "تيكاد" 2017، اندلعت التوترات بين المغرب وموزمبيق، لكنهما تمكنا من التغلب على الخلاف.

ولحل نزاعاته الدبلوماسية، يعتمد المغرب غالبًا على الموقف التقليدي: الغضب، وإصدار التهديدات، وقطع بعض الجسور، وانتظار الطرف الآخر حتى يتخذ الخطوة الأولى لحل الأزمة.

وهذا التكتيك يعمل بشكل جيد في أوروبا التي تعتبر المغرب شرطيا مهما في إطار منع الهجرة، كما رأينا مؤخرًا في الأحداث الدامية على حدود مليلية.

أما في تونس التي كان يرأسها سابقًا "الصديق" المنصف المرزوقي الذي دفن والده في المغرب، فقد فشل تكتيك الرباط في إجبار "قيس سعيد" على التراجع، فالنظام الحالي في تونس يشبه الرباط الآن في استبدادها وحساسيتها.

ورفضت الخارجية التونسية في ردها رفضا قاطعا البيان المغربي متهمة إياه بـ"التحيز ضد الجمهورية التونسية".

واستنادا إلى تاريخ اجتماعات "تيكاد" حيث لم يطرح وجود "غالي" مشاكل كبيرة وتأكيدا على موقف تونس "الحيادي" في ملف الصحراء الغربية، أعلن البيان استدعاء سفير تونس بالرباط معتبرا أن ذلك يتماشى مع قاعدة "العين بالعين".

خطر العزلة

كما هو معتاد ومتوقع، تم إطلاق حملة إعلامية مغربية ضد تونس للتعبير عن الغضب. وبالرغم من بعض بوادر حسن النية من كلا الجانبين، فإن المغرب لم يستكمل بعد مصالحته مع إسبانيا. وتشتبه مدريد في أن الرباط ربما تماطل في قرارات معينة للحصول على مزيد من التنازلات.

في غضون ذلك ، فإن العلاقات مع الجزائر مقطوعة تمامًا. ومع أي خطأ بسيط، يمكن أن تجد المنطقة نفسها غارقة في صراع مسلح لا يريده أحد.

بالإضافة إلى ذلك، لم تعد العلاقات مع فرنسا كما في السابق، وتوجه "ماكرون" مؤخرًا في زيارة إلى الجزائر لمدة 3 أيام وسط ترحيب حار من مضيفيه.

ويثبت رفض منح التأشيرات للنخب المغربية، بمن فيهم الوزراء السابقون، أن فرنسا لم تغفر للمغرب بعد تجسسه على رئيسها وأعضاء حكومتها عبر برنامج التجسس الإسرائيلي "بيجاسوس".

ومن خلال التشكيك في وجود موريتانيا، تسبب الشيخ المغربي "أحمد الريسوني" في صدمة دبلوماسية مع نواكشوط، وكلفته تصريحاته منصبه كرئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

ويعلم الجميع في الرباط أن الأزمة المغربية التونسية لا تبشر بالخير، فالمغرب لديه بالفعل "عدو" في المنطقة المغاربية لا يمكن التوافق معه وهو الجزائر.

وإذا تم إضافة تونس إلى هذا المزيج فإن الرباط ستجد نفسها معزولة تمامًا في المنطقة المغاربية.

وبالنسبة للمغرب، فإن أهمية وحيوية المنطقة المغاربية أهم بكثير من أوروبا أو الغرب.

المصدر | علي المرابط/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المغرب ناصر بوريطة البوليساريو العلاقات المغربية التونسية

التأشيرات.. أزمة صامتة بين المغرب وفرنسا ومطالبات المعاملة بالمثل

رغم استقالته.. رئيس جمعية العلماء الجزائريين يهاجم الريسوني: ستندم