ماذا بعد إعلان بوتين التعبئة الجزئية واستفتاءات الضم الروسي لمناطق أوكرانية؟

الأحد 25 سبتمبر 2022 02:46 م

ستعزز تدابير التعبئة التي أعلنتها روسيا واستفتاءات الضم الوشيكة في أوكرانيا قدرة موسكو على مواصلة الحرب في العام المقبل، لكن من غير المحتمل أن تقلل بشكل كبير من الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، كما ستكلّف روسيا عزلة دولية أكبر وعدم استقرار على الصعيد الداخلي.

في 20 سبتمبر/أيلول، أعلن قادة المناطق الانفصالية الأربعة المحتلة والمؤيدة لروسيا في لوهانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون، عن نيتهم إجراء "استفتاءات" في مناطقهم بشأن الانضمام لروسيا الفيدرالية من 23 إلى 27 سبتمبر/أيلول.

وفي نفس اليوم، وافق المشرعون في مجلس الدوما الروسي على تعديلات على القانون الجنائي تنص على عقوبات أقسى في حال الفرار من الخدمة العسكرية أو الاستسلام أو رفض القتال.

ولاحقا في 21 سبتمبر/أيلول، قال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إن روسيا تدعم الاستفتاءات وأعلن أنه وقع مرسومًا يأمر بالتعبئة الجزئية للقوات المسلحة الروسية، وهو إجراء قال إنه ضروري "للدفاع عن الشعب الروسي وسيادة البلاد".

وقال وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويغو" منذ ذلك الحين إن التعبئة الأولية تتضمن 300 ألفًا من جنود الاحتياط ذوي الخبرة العسكرية السابقة.

دوافع تسريع التعبئة

ربما يُعزى قرار موسكو بالتعبئة الجزئية إلى الانتكاسات الأخيرة في ساحة المعركة في أوكرانيا. وبدت حاجة روسيا لهذا القرار في وقت مبكر من مايو/أيار، ومع ذلك فقد أجل الكرملين القرار على أمل أن يتمكن من "تحرير" منطقة دونباس بنجاح (وهو الهدف الرئيسي لما تسميه روسيا بالعملية العسكرية الخاصة) دون اللجوء إلى مثل هذا الإجراء.

وبينما أشارت التقارير الروسية التي استشهدت بمصادر في الكرملين في يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/آب إلى أن الكرملين يستهدف إجراء استفتاءات الضم في منتصف سبتمبر/أيلول، أشارت تقارير أخرى في أوائل سبتمبر/أيلول إلى أن الكرملين قرر تأجيل الاستفتاءات حتى نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الاول على أمل النجاح في احتلال المزيد من أراضي الدونباس.

لكن خطة الكرملين تغيرت فجأة بعد أن تبين للقادة في موسكو أنه من المستبعد أن تسيطر القوات الروسية على الكثير من مناطق دونباس بحلول نهاية العام. علاوة على ذلك، فإنها مهددة بخسارة المزيد من الأراضي التي استحوذت عليها هناك.

كما أشارت التقارير إلى أنه خلال قمة منظمة تعاون شنغهاي في 15-16 سبتمبر/أيلول في أوزبكستان، أشار العديد من القادة إلى "بوتين" إلى أنهم يريدون أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن بسبب تأثيرها الضار على اقتصاداتهم والأسواق العالمية.

وبعد أن تلقى مثل هذا الردود السلبية من الشركاء الأكثر أهمية لصمود روسيا اقتصاديا، من المحتمل أن يكون "بوتين" قد شعر بضغط إضافي لمحاولة تسريع إنهاء الحرب من خلال "التصعيد الذي يؤدي إلى تهدئة"، وذلك عبر الاستفتاءات والتعبئة والتهديدات النووية.

ويبدو أن موسكو ترى أن ذلك سيساعدها على تأطير الحرب باعتبارها دفاعية وإلقاء اللوم على الغرب فيما يتعلق باستمرار الحرب.

الرد الأوروبي المحتمل

في حين يتزايد التردد في الغرب (خاصة في أوروبا) بشأن دعم أوكرانيا بعد استفتاءات الضم، فمن غير المرجح أن تغير هذه الخطوة الدعم الغربي لأوكرانيا بشكل حاسم أو تقلل الضغط على روسيا. ومن المحتمل أن تستخدم موسكو الضم لتبرير كل من التعبئة الروسية والتهديدات اللاحقة بالانتقام النووي لوقف الهجمات على المناطق التي تسيطر عليها، على أمل أن تردع الغرب عن دعم أوكرانيا بإمدادات أخرى من الأسلحة أو عن سماحه لأوكرانيا بضرب الأراضي المضمومة.

لكن كبار القادة الأوروبيين أشاروا بحزم إلى أنهم لن يعترفوا بالاستفتاءات وسيحافظون على دعم أوكرانيا، ومن المحتمل أن تضغط الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من أجل الحفاظ على استراتيجيتها الحالية المتمثلة في دعم القوات الأوكرانية والضغط على روسيا اقتصاديًا.

ويعني ذلك أن أوروبا ستحافظ على بعض المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا مع فرض عقوبات إضافية على روسيا بسبب الضم، وهي العقوبات الي يرجح أن تكون رمزية إلى حد كبير، وستؤطر هذه الإجراءات على أنها مجرد استمرار لنهجهم إزاء الصراع المستمر، وليس تصعيدًا.

بالإضافة إلى الدعم العسكري والعقوبات الإضافية، من المحتمل أن يجبر إعلان "بوتين" بشأن الاستفتاءات والتعبئة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات إضافية بشأن إما تسهيل لجوء الشباب الروس إلى الاتحاد الأوروبي أو تشديد القيود المفروضة على دخول الروس لبعض بلدان الاتحاد الأوروبي (على سبيل المثال، الحد من التأشيرات السياحية كما فعلت بعض دول أوروبا الشرقية)، والذي من شأنه أن يدفع فعليًا الرجال الروس إلى جيش "بوتين"، وإن كان ذلك بمعنويات منخفضة.

طرق التصعيد المرجحة

بالرغم من خطاب روسيا التهديدي، من غير المرجح أن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع الناتو أو تستخدم أسلحة نووية تكتيكية في أوكرانيا، لأن موسكو تحافظ على طرق أخرى للانتقام وتصعيد الحرب.

وستستمر روسيا في الاعتماد على إطالة الوقت لتقليص قدرة أوكرانيا والغرب على مواصلة الحرب نتيجة الإرهاق والألم الاقتصادي.

لكن في حالة اعتقاد موسكو أن نفوذها ينحدر أو أن تهديدات التصعيد الإضافية لا تؤخذ على محمل الجد، فمن المحتمل أن تزيد روسيا من الهجمات على البنية التحتية المدنية الأوكرانية - بما في ذلك في كييف وغيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية - لجعل البلاد غير قابلة للسكن بشكل متزايد وزيادة تدفقات اللاجئين الأوكرانيين إلى دول الاتحاد الأوروبي القريبة.

ولا يمكن استبعاد استخدام الأسلحة الكيماوية أو النووية، أو تنفيذ ضربة انتقامية ضد بلد في الناتو. لكن في الوقت الحالي، من غير المرجح أن تلجأ روسيا إلى مثل هذه التدابير المتطرفة، حيث من غير المرجح أن يكون لها فائدة عسكرية حقيقية، فضلا عن أنها ستؤدي إلى تداعيات اقتصادية وسياسية إضافية بالنسبة لموسكو.

لا استيلاء على أراضٍ جديدة

وبخصوص تحركات روسيا لمعالجة نقص القوات، فمن غير المرجح أن تغير بشكل كبير من الوضع على الخطوط الأمامية في الأسابيع المقبلة، ولكنها ستعزز قدرة روسيا على تأمين المناطق التي تسيطر عليها في أوكرانيا على المدى المتوسط إلى الطويل. وستحتاج روسيا إلى عدة أسابيع لتنظيم وحدات جديدة وتدريبها ونقلها إلى خط المواجهة في أوكرانيا، وقد يستغرق ذلك بين 3 إلى 6 أشهر.

ولا يعتبر عدد 300 ألف زيادة غير كافية لتغيير ساحة المعركة بشكل كبير لأن أوكرانيا حشدت ما يقرب من 600 ألف فرد، مع إمكانية نقل عدة آلاف إضافيين إلى الخدمة العسكرية. وسيرفع أحدث إعلان لروسيا عدد قواتها من حوالي 200 ألفًا إلى 500 ألف، وهو ما لا يضمن حتى التكافؤ مع القوات الأوكرانية.

ويشير ذلك إلى أن تدابير روسيا تهدف إلى الاحتفاظ بالأراضي التي تحتلها حاليًا وليس الاستيلاء على أراض جديدة، وبالتالي، فإن التعبئة الإضافية لن تمنح روسيا أفضلية في القوات، ولكن من المحتمل أن تكون كافية لحرمان أوكرانيا من الأفضلية التي تحتاجها لإجراء هجمات مضادة سريعة وكبيرة مماثلة لتلك التي حدثت في خاركيف.

وفي حين أن روسيا يمكنها توسيع تعبئتها إلى ما يتجاوز 300 ألفًا من جنود الاحتياط، فمن غير المرجح أن يتم ذلك على المدى القريب لأنه لن يحظى بقبول محلي وسيضر أكثر باقتصاد البلاد. ونظرًا لأن روسيا تفتقر إلى المعدات اللازمة لتسليح وتزويد قوات أكثر بفعالية، فإن تعبئة المزيد من جنود الاحتياط لن يضمن أيضًا الاستيلاء على أراضٍ أوكرانية جديدة.

ويشير قرار "بوتين" إلى أنه لن يتخلى عن الأراضي التي سيطر عليها في أوكرانيا، مما يجعل استمرار الصراع أكثر ترجيحا.

التعبئة والاضطراب الاجتماعي

تشير البيانات الاجتماعية إلى أن غالبية الروس لا يدعمون التعبئة. وللمرة الأولى تمس الحرب مباشرة حياة الكثيرين من الروس الذين كانوا في السابق غير مبالين بشأن غزو أوكرانيا.

وفي المقابل، تنتقد العناصر القومية المتطرفة التدابير الحالية باعتبارها غير كافية لضمان انتصار حاسم، والذي يزعمون أنه يمكن تحقيقه من خلال إعلان الحرب وإجراء تعبئة كاملة.

وتشير التقارير إلى أن الكثير من الروس يحاولون الفرار من البلاد، حيث تتشكل طوابير طويلة في المطارات وفي نقاط التفتيش الحدودية مع كل الدول المجاورة لروسيا.

ويؤكد ذلك على عدم شعبية التعبئة التي ستتزايد طالما استمرت الأعمال العدائية، مما سيدفع موسكو على الأرجح للنظر في فرض المزيد من القيود على مغادرة البلاد أو حتى إغلاق حدودها أمام الذكور في سن التجنيد.

ونظرا لهذه التكلفة السياسية الهائلة لقرار التعبئة، فمن غير المرجح أن يقبل "بوتين" لاحقا بالتنازل عن المناطق الأوكرانية التي احتلها، بعد دفع هذه التكلفة.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا حرب أوكرانيا بوتين التعبئة الجزئية استفتاءات الضم دونباس الاتحاد الأوروبي الناتو عقوبات

البيت الأبيض: نأخذ تهديدات بوتين النووية بجدية ولا حاجة لزيادة قوات الردع

دول أوروبية ترفض الروس الهاربين من قرار بوتين التعئبة.. لماذا؟

مفترق طرق.. هل سيغير بوتين وجه الحرب؟

غدا الجمعة.. بوتين يوقع قرارا بضم 4 مناطق أوكرانية للاتحاد الروسي

رسميا.. بوتين يعلن ضم 4 مناطق أوكرانية للاتحاد الروسي