استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحراك العربي والإطاحة بالديموقراطية

الثلاثاء 5 يناير 2016 12:01 ص

البحث عن الحرية كان سببا قويا لاندلاع الحراك العربي ضد عدد من الأنظمة العربية السياسية، وحيث إن الناس قد طوروا قناعات بأن النظام الديمقراطي يمكن أن يوفر لهم حريات، ويرفع عنهم نير الاستبداد، أخذوا يتطلعون إلى إحداث تغيير سياسي نحو إقامة أنظمة سياسية ديمقراطية تضمن للإنسان العربي حريته وأمنه واستقراره. ولهذا وجدنا الشباب العرب يتبنون فكرة الديمقراطية عسى أن يتم تطبيقها نتيجة الحراك العربي والتضحيات الجسام التي رافقته وترافقه.

لكن لا يبدو أن الرياح تهب كما يشتهي المواطن العربي، بل يبدو أنها عصفت بالديمقراطية في عدد من المواقع العربية، وضربت آمال وتطلعات الشباب العرب. ويبدو أيضا أن شعوبا عربية أو فئات منها أخذت تترحم على أيام المستبدين الذين تمت الإطاحة بهم لأنهم، حسب التبرير، كانوا أكثر رحمة بالناس من المتنفذين الجدد.

النتائج التي تمخض عنها الحراك العربي ليست مُرضية حتى الآن، ولا هي مشجعة للشباب في الدول العربية التي لم تشهد حراكا عربيا.

الـردة الاسـتـبداديـة

هناك مظاهر ملموسة على أرض الواقع وفي الممارسات اليومية، إلا أن هامش الحريات أمام المواطنين العرب قد تقلص، وأن العربي قد هرب من الاستبداد إلى الطغيان، وربما تشير أيضا إلى أن العربي بات الآن أقل أمنا مما كان عليه الوضع في عهد الذين أطيح بهم. من هذه المظاهر أسجل التالي:

أولا: تطور في تونس شقاق اجتماعي وظهرت فئات ليبرالية (تحررية) تريد أن تفرض نفسها على المجتمع، وفئات دينية تنفي الآخر وتريد أن تستبد بالأوضاع وتقود الناس وفق رؤيتها هي وليس وفق خيارات الناس.

ومنذ البدء، لم يرتح كثير من الناس في تونس لنتائج الانتخابات الديمقراطية والتي أعطت حركة النهضة الأولوية السياسية. ولم يختلف التونسيون في هذه المسألة عن دول عربية أخرى أجرت انتخابات ديمقراطية ولم يسمح للفائزين باستلام الحكم. وما زال الشقاق الاجتماعي قائما حتى الآن، وما زال الجيش التونسي منتشرا في أنحاء تونس باحثا عن الذين يهددون الأمن التونسي.

أما في مصر فحدث ولا حرج. لم يقبل عدد من المتنفذين في مصر نتائج الانتخابات التي أتت بمحمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية. حتى أن أولئك الكتاب والمفكرين الذين كانوا يدافعون بقوة عن مبادئ الديمقراطية وجدوا أنفسهم ضد إفرازات الديمقراطية، وساهموا مساهمة مباشرة بالانقلاب على مرسي وتشكيل حكم جديد خارج الإطار الديمقراطي.

هنا لا أدافع عن مرسي الذي ارتكب أخطاء، لكن أرى أنه تم تجاوز المبدأ في العراك السياسي في مصر لصالح المواقف الشخصية والحزبية. ولم يتوقف انهيار الديمقراطية في مصر عند حد الإطاحة بأول رئيس مصري منتخب، وإنما تجاوزها إلى حد القتل بالجملة والمحاكمات بالجملة، وحظر حركة الإخوان المسلمين التي تعتبر من أعرق الأحزاب أو الجماعات على الساحة العربية. فكيف يمكن أن نتحدث عن الديمقراطية ونحن نحظر نشاط من فازوا في الانتخابات الحرة؟ لم يكن حسني مبارك يمارس هذه الممارسات.

واليمن يشهد على تراجع الديمقراطية ومن ثم انهيارها أمام قصف الطائرات وتهديم البيوت وقتل الناس. ولا تشذ سوريا وليبيا عن هذا التدهور الذي شرد الناس وخرب الأوطان.

ثانيا: اشتد انحياز وسائل الإعلام، واشتد تصنيفها للكتاب والمثقفين المرغوب بآرائهم أو غير المرغوب بأقوالهم. شهدت الصحف العربية والقنوات والإذاعات المسموعة نوعا من الانفتاح على مختلف الآراء والمواقف قبل الحراك العربي، لكن التراجع أخذ يظهر بعد الحراك العربي، وأصبحت وسائل الإعلام أكثر دقة في تصنيف الآراء والمواقف، وأخذت تفتح أبوابها أمام من يتوافق معها، وتغلقها أمام من لا يتوافق معها.

وهذا توجه ينطبق على مواقع التواصل الاجتماعي بخاصة تلك التي تفتح صفحاتها للكتاب والمثقفين. هناك مواقع اجتماعية يديرها مثقفون كانوا يدافعون عن الديمقراطية بدأت تمتنع عن تقبل الآراء الأخرى وتحصر موادها المنشورة على تلك التي تعبر عن مواقفها هي. أي أن هامش قدرة الكاتب العربي على النشر أو التعبير عن رأيه بحرية قد أخذ يتقلص ويخضع لمزيد من التعليمات التقييدية.

ثالثا: تراجع القضايا العربية في الوعي العربي. بسبب حالة عدم الاستقرار وغياب الأمن التي تطورت في عدد من البلدان العربية، وانصرف اهتمام العربي عن القضايا العربية والتحديات التي يواجهها العرب، وأخذ يهتم بأحواله اليومية الصعبة. لم يعد العربي يعرف فيما إذا كان سيعود حيا إلى بيته أم لا، ولم يعد مطمئنا إلى أنه سيستطيع تدبير لقمة خبز أطفاله فيما إذا خرج للعمل. أصبح العربي مهددا في كل لحظة حتى لو بقي في بيته ولم يخرج، ولا أظن أن شخصا يعيش ظروفا صعبة من هذا القبيل يتمكن من الاهتمام بقضايا أمته.

تراجعت القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين. تفاءل الفلسطينيون بأن تطور الديمقراطية سيأتي بمشاركة الشعوب في اتخاذ القرار، وأن الشعوب في النهاية أكثر وفاء للقضية الفلسطينية من الحكام. لكن حساباتهم لم تكن دقيقة، وفقدت القضية الفلسطينية جزءا كبيرا من بريقها واهتمام الشعوب العربية بها. ووصل الحد إلى أن دولا عربية كثفت جهودها في حصار غزة ومنع السلاح والمال عنها. العديد من الحكام العرب يتحالفون مع الصهاينة الآن، ولا نشهد حراكا عربيا يقف في وجه هذه التطورات الاستسلامية.

حـدة الاسـتـقطـاب

رفع الحراك العربي من مستوى الاستقطاب السياسي والاجتماعي في الساحة العربية، وأيضا رفع من حدة التعصب الديني والطائفي. اختلف الناس في تقييمهم للأمور والتطورات الداخلية، وارتفع منسوب التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لدول الحراك العربي، وتطورت عداوات شديدة بين مختلف بؤر الاستقطاب.

تمترس المؤيدون للأنظمة المهددة حول النظام القائم، وتمترس المعارضون في ركن مقابل، وأيدي الجميع على الزناد. انقسم المتطلعون إلى التغيير تبعا لما رآه كل فريق بأنه الترتيب الأفضل للنظام السياسي الذي يمكن أن يتمخض بعد سقوط النظام.

تطور في الساحة العربية وعي فئوي وحزبي وديني وعرقي وطائفي تغذى بسرعة مذهلة على الوعي القومي العربي أو الوعي الإسلامي، كل فئة عملت على رفع مستوى الوعي بالهوية الفئوية، وحرضت أبناءها على حمل السلاح والاستعداد للدفاع عن الذات. فإذا كانت هناك مشاعر طائفية ومذهبية ودينية تشوبها الأحقاد والضغائن، تحولت في عهد الحراك العربي إلى مشاعر تفيض بالأحقاد والضغائن وحب القتل والانتقام وتصفية الحسابات.

حدة الاستقطاب تتضمن رفض الآخر واعتباره عدوا يجب التخلص منه، وهي تعني إقصاء الآخر وعدم تقبل رأيه ووجهة نظره، وهذا يعني أن الانقسامات في الساحة العربية أخذت تتسع وتؤذِن بمزيد من الصدام وسفك الدماء. مزق الوعي الفئوي والاستقطاب الهوية العربية، ولم يعد العربي يعرف فيما إذا كان عربيا أم سنيا أم شيعيا أم إيزيديا أم جنوبيا أم شماليا، اإخ. وإذا تمزقت الهوية تمزق الانتماء، ومع تمزق الانتماء يصبح الإنسان والدولة على حد سواء أكثر ضعفا وعجزا وأقل رغبة في مراعاة المصالح القومية والوطنية.

وفي ظل هذه الوضع، هناك شك كبير الآن فيما إذا كان العرب قادرين على تطوير نظام سياسي ديمقراطي ينجو من الانقلابات والمثالب والتآمر الداخلي.

التدخل الخارجي

الدول تتدخل في دول أخرى بدافع الحفاظ على مصالحها، أو تطوير مصالح خاصة بها. وهي لا تتدخل حبا في الدولة الأخرى أو شعبها. لا يوجد دولة لديها الاستعداد أن تنفق أموالها وتوظف جنودها من أجل شعب آخر، بل من أجل جني المنافع. ولهذا من المفروض أن تكون الدول حذرة جدا في التعامل مع قوى خارجية حتى لا تتورط بما هو أسوأ.

مشكلة الحراك العربي أنه استنجد بالخارج ودعاه للتدخل في الشؤون الداخلية. هكذا حصل في ليبيا واليمن وسوريا. دعوة الخارج للتدخل لم تقتصر على طرف بعينه، بل قامت عدة أطراف عربية وعلى رأسها جامعة الدول العربية بدعوة الآخرين ليحشروا أنوفهم في شؤوننا.

صحيح أن هناك خلافات داخلية في كل الساحات العربية، لكن التدخل الخارجي أتى إلينا بمزيد من الخلافات، وأتى بالفتن والقتل وسفك الدماء, تدخل حلف الأطلسي في ليبيا فانتهت ليبيا إلى مستنقع الصراعات الداخلية، وهكذا حصل في اليمن وسوريا. والشعوب هي التي تدفع الثمن وليس القيادات السياسية أو الإعلامية التي تستدعي الخارج.

أصاب الهلاك شعوب اليمن وليبيا وسوريا، والقيادات السياسية تتفرج من بعيد على الراحلين المشردين الذين طفقوا يبحثون عن الأمن ولقمة الخبز.

استدعاء التدخل الخارجي أمر خطير جدا لأنه يحمل في طياته تسليم المستقبل العربي لمن يبحث عن مصالحه هو وليس مصالح الأمة العربية، والمؤسف أن وسائل الإعلام تصنع عادة زفة من الأفراح والابتهاجات للتدخل الخارجي، وهذا ما يؤثر على وعي العربي فيبدأ بالظن بأن مستقبله بيد الآخرين وليس بيده هو، وهذا أشد ما نواجهه من أخطار.

  كلمات مفتاحية

الحراك العربي الديمقراطية التدخل الخارجي الاستقطاب الثورة المضادة الأنظمة العربية الاستبداد

«السبسي»: الربيع العربي «اختراع أوروبي» والتحالف الإسلامي «مبادرة موفقة»

العالم العربي في 2016 .. عودة الربيع

لأن الديموقراطية ممتنعة .. الحرب من حظ العرب

الديموقراطية ووأد الميدان والبرلمان

متى يفهم الغرب: الاستبداد بيت الداء؟

أين أمتنا من ثقافة الاستبداد؟

سحر شعارات الديمقراطية الزائف