الديموقراطية ووأد الميدان والبرلمان

الخميس 22 أكتوبر 2015 04:10 ص

لا يمكن بأي حال الفصل بين المشهد البائس للجان الاقتراع الخاوية في انتخابات البرلمان المصري ومجمل الإجراءات والترتيبات التي جــرت لإعداد مشهد سياسي كهذا يلج بمصر إلى مسار مجهول بديلاً عن تحول ديموقراطي مأمول عقب ثورة عظيمة كثورة يناير.

فتآكل الظهير الشعبي لسلطة ما بعد 30 يونيو/حزيران 2013 الذي عكَسه عزوف الناخبين عن انتخابات البرلمان يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك مدى فشل نموذج ديموقراطية «الصوبة» الزجاجية الذي جرى خلقه وابتداعه في مصر.

فالديموقراطية كقيمة وممارسة كانت وما زالت ابنة الحراك الشعبي في الشارع سواء تمثل في فورة شعبية كثورة يناير أو في استحقاق تنافسي مفتوح بين قوى متعددة أمام صندوق انتخابات تحتضنه دولة محايدة أيديولوجياً تقف على المسافة ذاتها بين جميع المتنافسين.

إلا أنه بعد 30 يونيو/حزيران سادت في خطابنا السياسي والإعلامي قناعة مفادُها أن ثلة من الشخصيات المدنية والحزبية والأكاديميين بإمكانها إذا ما تماهت مع السلطة تكوين نظام ديموقراطي أياً كان حجم ما يجري في الشارع من عصف بالحريات وقمع للتعددية وشيطنة للمعارضين ولفكرة المعارضة ذاتها، انطلاقاً من وجود إجماع شعبي دائم على مجمل تلك الإجراءات.

وبذلك عزلت تلك النخب الديموقراطية في «صوبة» زجاجية بعدما عزلت نفسها عن حراك الجماهير التي كان ردها قاسياً بمقاطعة صندوق انتخابات يعلم الجميع سلفاً منتجه النهائي، ممثلاً ببقايا نظام «مبارك»، سواء رجاله أو أشلاء معارضته المدنية التقليدية، إضافة إلى الدولتيين الراديكاليين الذين طغوا على المشهد السياسي بعد 30 يونيو/حزيران.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل بإمكان نخبة مصر السياسية والثقافية استيعاب رسالة الجماهير العازفة عن الانتخابات ومراجعة مواقفها وقناعتها التي قادتنا إلى هذا المشهد البائس؟

فعلى رغم شكوكي العميقة بقدرة نخبتنا السياسية والفكرية على التحلي بالعقلانية التي تُمكنها من تغليب ما هو مستقر ومعروف من الديموقراطية بالضرورة على وعيها الأيديولوجي الزائف الذي صوَّر لها أن إجهاض الحراك الثوري الشبابي وإقصاء الخصوم من المشهد كفيلان وحدهما بتدشين نظام ديموقراطي مدني، أعتقد أنها باتت مجبرة على التمرد على قانونها العقلي والسياسي والتاريخي وإعادة صياغة مواقفها وقناعاتها من جديد بفعل هذا الإحجام الجماهيري الذي يمثل شرخاً في شرعية ما جرى بعد 30 يونيو/حزيران.

فمصر كانت قبل 30 يونيو/حزيران ممزقة بين مجالس نيابية سيطر عليها الإخوان عبر انتخابات تعددية وديموقراطية جاءت قبل أوانها وشوهتها ممارسات الإخوان الاستئثارية وميدان يرفع فيه الشباب مطالبهم بالحرية والعدالة الإجتماعية.

وعلى رغم الاستقطاب السياسي وشرخ الشرعية اللذين خلَّفهما هذا الصراع بين الميدان والبرلمان، كنا بصدد رافدين أساسيين تصب عبرهما رغبات ومطالب الجماهير في شكل ديموقراطي سواء عبر شرعية دستورية وقانونية يمثلها الصندوق الانتخابي أو شرعية ثورية يمثلها الميدان، وهذا يعد شرخاً صورياً في الشرعية مقارنة بالشرخ الجديد والبنيوي الذي أصابها بفعل إحجام الجماهير عن المشاركة في انتخابات البرلمان وانسحابها الكامل من المشهد السياسي.

كل ذلك يجعل مراجعة القناعات والمواقف ضرورة ملحة لأن البديل بعد وأد الميدان والبرلمان هو ديموقراطية فارغة المضمون وسياسة بلا جماهير.

* طارق أبوالعينين كاتب مصري. 

  كلمات مفتاحية

مصر العسكر الانتخابات البرلمان الفساد التزوير السيسي الانقلاب مجلس النواب الديموقراطية

أين اختفى الشعب؟

مستشار ولي عهد أبوظبي: انتخابات مصر «فضيحة» وتشكك في شرعية النظام

لماذا يحتاج العسكر الانتخابات؟

فيديو.. رئيس نادي القضاة المصري: «لا يوجد مخالفات ولا حتى ناخبين»

الانتخابات المصرية .. «محدش راح» و«الحضيف» يدعو لإعادتها في الإمارات

مصر .. أسباب مقاطعة انتخابات البرلمان

الحراك العربي والإطاحة بالديموقراطية