تدخل أزمة الوقود في تونس منعطفًا جديدًا، مع تراجع المعروض في المحطات وتزايد الطلب، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار لعدّة أشهر متتالية، بشكل أثار المخاوف بشأن إقبال البلاد على مشكلة حادّة، في ظل التأكيد أن الاحتياطي يكفي أسبوعا واحدا فقط.
الأمر لا يقتصر على البنزين فقط، بل تصاعدت الأزمة الاقتصادية، حتى بات الحصول على المواد الغذائية الأساسية أمرا مرهقا للمواطنين، نتيجة فقدانها من جهة، وارتفاع أسعارها من جهة أخرى.
وتجلّت أزمة الوقود في تونس مع تزايد الطوابير أمام المحطات وعلى الطرق التي تراصّت عليها السيارات في انتظار ملء خزّاناتها، حول العاصمة وبعض المدن المجاورة خلال الأيام الأخيرة، وهو ما عدّه بعضهم علامة على أزمة مالية حادة ستكشف عن نفسها قريبًا.
وتسبّبت أزمة الوقود في تونس، في إرباك حركة النقل بالبلاد، وأظهرت مقاطع فيديو، يتم تداولها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، تحرّك مجموعة من المواطنين في طوابير من محطة باب الخضراء للنقل العام وسط العاصمة تونس إلى عملهم مشيا على الأقدام، بعد تعذّر حصولهم على وسيلة نقل عامة.
#تونس 🇹🇳
— Saif_CH (@CH19845854) October 12, 2022
طوابير و معركة بين المواطنين في محطة وقود بالعاصمة للحصول على لتر واحد من البنزين ⛽ pic.twitter.com/905Fd5k8r2
فيما يستمر انعدام الوقود في محطات البنزين رغم إعلان وزارة الطاقة، الأربعاء، عودة عمليات التزود بمعدلاتها الطبيعية، ورغم التطمينات الرسمية بتوفر المحروقات بكميّات كافية.
وتنكر وزيرة الطاقة التونسية "نايلة نويرة"، أن يكون هذا النقص في الوقود ناتجا عن عدم قدرة الحكومة على دفع مستحقات الواردات.
وتصرّ "نويرة" في المقابل على أن السبب في هذا النقص هو "أن كثيرين من المستهلكين وأصحاب المركبات يحصلون على أكثر من احتياجاتهم من الوقود".
لكنها استدركت قائلة إن "هناك ضغوطا مالية بسبب الوتيرة الفورية للدفع التي يطلبها البائعون".
وخلال سبتمبر/أيلول الماضي، رفعت تونس أسعار الوقود للمرة الخامسة خلال العام الجاري بنسبة 3%، إذ ارتفع سعر لتر البنزين من 2.330 دينار إلى 2.400 دينار.
ونوهت الوزيرة إلى أن ناقلة جديدة مليئة بالوقود يتم تفريغ حمولتها الآن على نحو كفيل بتزويد البلاد بالوقود لبضعة أيام إضافية.
كوس بنزين يرحم لميمة
— عبد الستار فرح (@errabii) October 11, 2022
ولا يزال العرض مستمر
هذا تقتاقو و مازلال فلاقو #يسقط_الانقلاب_في_تونس pic.twitter.com/YhSTSK6HK8
من جانبه، كشف الكاتب العام للجامعة العامة للنفط التابعة لنقابة الشغل "العمال" التونسية "سلوان سميري"، إن البلاد لا تملك مخزونًا من البنزين سوى لأسبوع واحد فقط.
وقال "سميري"، إن ناقلة البنزين التي يتم تفريغها الآن في بنزرت، ستمنح تونس إمدادات تكفي لما بين 10 أيام وأسبوعين.
وعادة ما تؤمّن البلاد كفايتها من الوقود مدة 60 يوما كاحتياطي استراتيجي.
وأضاف "سميري"، لوسائل إعلام محلية: "قد يُستأنف نقص إمدادات الوقود إذا لم تجد الدولة سيولة كافية لدفع ثمن الشحنات القادمة".
ويتخوّف مراقبون مما يراه البعض علامة على أزمة في المالية العامة تلوح في الأفق التونسي.
ولم يقتصر الأمر على الوقود، فحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، فإن مواد أساسية كالسكر والزيت النباتي والأرز، تختفي من أرفف الأسواق الكبرى ومحال البقالة من وقت لآخر، فيما يقف التونسيون في صفوف لساعات من أجل الحصول على هذه الضروريات الغذائية التي تدعمها الحكومة منذ فترة طويلة.
طوابير في تونس
— جريدة المساء (@jaridate_elmass) October 13, 2022
رئيس #قيس_سعيد البلاد بخير و على خير pic.twitter.com/74SdkjF3Sl
ويشير التقرير إلى حدوث مشاجرات بين المواطنين في طوابير أسواق المواد الغذائية، كما وقعت اشتباكات متفرقة مع قوات الشرطة بسبب ارتفاع الأسعار ونقص السلع بجميع أنحاء البلاد.
وتقول الحكومة إن سبب الأزمة الحالية هم المضاربون في السوق السوداء والحرب في أوكرانيا، لكن خبراء اقتصاديين يقولون إن أزمة موازنة الحكومة 2022 وعدم قدرتها على التفاوض على قرض طال انتظاره من صندوق النقد الدولي زاد من مشاكل البلاد.
ووصلت معدلات التضخم إلى معدل قياسي بلغ 9.1%، وهو أعلى معدل منذ 3 عقود، حسب المعهد الوطني للإحصاء.
والأسبوع الماضي، قالت وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية، إن تونس واجهت اختلالات ضخمة مالية وخارجية، فضلا عن مخاطر تمويل متصاعدة، بما يمثل ضعفا ائتمانيا كبيرا.
يأتي ذلك في توقيت تأمل فيه الحكومة التونسية أن تنهي اتفاقية مع صندوق النقد الدولي لبرنامج إنقاذ يتضمن إصلاحات قد لا تحظى بشعبية.
وتشير بيانات أعلنها البنك المركزي في تونس إلى أن احتياطي النقد الأجنبي تراجع لِما يعادل 106 أيام من الواردات، وهو أدنى مستوى منذ 3 سنوات، ما يهدد بانخفاض جديد في قيمة العملة، لا سيما مع بلوغ ميزان العجز التجاري نحو 3.6 مليار دولار، مع تراجع بنسبة 56%.
بسبب نقص الوقود..
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) October 11, 2022
طوابير طويلة أمام محطات البنزين في #تونس امتدت لمسافة كيلومترات أدت إلى تعطل حركة المرور، والاتحاد العام التونسي للشغل يقول إن السبب “هو شح السيولة والأزمة المالية التي تسببت في نقص واردات العديد من السلع الحيوية” pic.twitter.com/HOzO31kceL
وتتفاوض الحكومة حالياً للحصول على قرض تقدر قيمته بنحو 4 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي لمواجهة عجز الموازنة، والذي تفاقم بسبب جائحة فيروس "كورونا" وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتوجه وفد تونسي رفيع إلى واشنطن، السبت الماضي، على أمل الوصول لاتفاق مع الصندوق.
وقبلها عملت رئيسة الحكومة "نجلاء بودن"، على حشد الدعم الخارجي في لقاءات جمعتها مع سفراء الدول المؤثرة في قرار مجلس إدارة الصندوق.
في المقابل، سيتعين على تونس الالتزام بإصلاحات مؤلمة، ومن بينها تقليص قطاع الإدارة العامة، وهو أحد أكبر القطاعات في العالم، والذي يلتهم نحو ثلث ميزانية الدولة.
كما يطالب صندوق النقد أيضاً برفع تدريجي للدعم، يشمل الغذاء والطاقة وخصخصة الشركات المملوكة للدولة إلى جانب تجميد التوظيف في القطاع الحكومي لسنوات مقبلة.
فضلا عن ذلك، تمر البلاد بأزمة سياسية منذ أن أعلن الرئيس "قيس سعيّد" احتكار السلطات في البلاد في 25 يوليو/تموز 2021 وعدّل الدستور وأقر اجراء انتخابات تشريعية نهاية العام الجاري لانتخاب برلمان جديد محدود الصلاحيات خلفا للبرلمان السابق الذي حلّه.