كارنيجي: الاتفاق الحدودي يعلّق لبنان وإسرائيل بين اللا حرب واللا سلم

السبت 15 أكتوبر 2022 05:17 م

توصلت إسرائيل ولبنان مؤخرا إلى اتفاق تاريخي ينهي رسميًا نزاعًا طويلا على حدودهما البحرية. ودارت المفاوضات بشكل غير مباشر على مدار العقد الماضي، وتوسطت في البداية الأمم المتحدة ثم الولايات المتحدة، وتعد الاتفاقية هي الأولى بين البلدين منذ وقف إطلاق النار بينهما بعد حرب يوليو/تموز 2006.

وتسمح الاتفاقية باستكشاف احتياطيات الغاز على طول سواحل البلدين في منطقة بحرية محددة بوضوح للبنان وأخرى لإسرائيل. ولا يحدّد الاتفاق صيغة نهائية لوضع المناطق الحدودية البريّة المتنازع عليها، ويؤكد التعديل الذي تم في اللحظات الأخيرة أن العوامات البحرية (المعروفة بخط الطفافات) التي وضعتها إسرائيل لترسيم حدودها البحرية  ليست رسمية، حتى لو ذكرتها الاتفاقية.

وكجزء من الاتفاقية، وافقت الولايات المتحدة على توفير ضمانات أمنية لإسرائيل في حال أقدم "حزب الله" على تنفيذ هجوم ضد المصالح الإسرائيلية وتعهدت بحرمان "حزب الله" من أي حصة من عائدات الغاز.

ولم تكن هذه الاتفاقية لتحدث دون إجماع نادر بين الأحزاب السياسية في لبنان ودعم الكتلتين السياسيتين الرئيسيتين؛ أي "التيار الوطني الحر" و"حزب الله". ويمنح الاتفاق "ميشال عون" رئيس "التيار الوطني الحر"، الذي ستنتهي فترة ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نصرا مهمًا في وقت الذي تواجه فيه البلاد الانهيار الاقتصادي والمؤسسي الأكثر كارثية في تاريخها الحديث.

وأطلق البنك الدولي على هذا الانهيار "الكساد المتعمد" بسبب عزوف القيادة السياسية في البلاد عن تطبيق الإصلاحات الهيكلية المطلوبة التي سترخي قبضتها عن مؤسسات الدولة وتُضعف شبكات المحسوبية التابعة لها.

وحتى الآن، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها، ويقدر التضخم بحوالي 180%، ويعيش 60% من السكان  في فقر مدقع.

يمكن أيضًا فهم دعم "حزب الله" للاتفاق في هذا السياق، حيث أدى الانهيار الاجتماعي والاقتصادي على مستوى البلاد إلى استياء كبير في أوساط القاعدة الانتخابية للحزب، فيما تفتح الاتفاقية الباب للنمو الاقتصادي المستقبلي وتوفر الأمل في أن يخرج لبنان من المستنقع الحالي.

وبالرغم من تصاعد حدة خطاب "حزب الله" تجاه إسرائيل، فإن الصراع العسكري سيؤدي إلى سينشر الفوضى في عقر دار الحزب ويقوّض دوره التوسعي في المنطقة.. ونتيجة لذلك، فإن "حزب الله" ليس متحمسًا للذهاب إلى الحرب. وقد ساهمت الديناميات الجيوسياسية، وانشغال العالم بحرب أوكرانيا، والخطوات الرامية إلى خفض وتيرة التصعيد في معظم الانقسامات ومناطق الصراعات الإقليمية، في تشكيل بيئة سياسية مؤاتية لإبرام الاتفاق.

أما بالنسبة لإسرائيل، فمن المحتمل أن تجلب الاتفاقية أرباحًا اقتصادية كبيرة؛ حيث يحتوي حقل كاريش على 1.75 تريليون قدم مكعب من الغاز بقيمة 3 مليارات دولار، وفقًا للتقديرات الإسرائيلية. ويمكن اعتبار الاتفاق أيضًا فوزًا سياسيًا لرئيس الوزراء "يائير لابيد" في الفترة التي تسبق انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني التي سيحارب فيها بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على الأكثرية التي يتمتع بها حاليا في الكنيست.

بين اللا سلم واللا حرب

لا يشكّل هذا الاتفاق بتاتًا معاهدة سلام بين لبنان وإسرائيل، لكنه يعني أن البلدَين وجدا مصالح اقتصادية راسخة لهما في الحفاظ على الهدوء في مناطقهما الحدودية المشتركة.. ومن شأن ذلك أن يجلب شعورًا مهمًا بالاستقرار في منطقة يشوبها الاضطراب المستمر وكذلك في لبنان الذي تغلب عليه آفاق قاتمة وضبابية.

ومن المرجح أن يؤدي الاتفاق إلى تقليل التهديد الطويل الأمد المتمثل في اندلاع حرب بين البلدين، وفي الوقت المناسب، قد يفتح الباب أمام مزيد من المفاوضات السياسية حول الحدود البرية.

وعلى المدى القريب، سيؤدّي الاتفاق إلى تنفيذ اتفاقَين آخرَين جرى التفاوض عليهما سابقًا لتزويد لبنان بالغاز من مصر وبالكهرباء من الأردن، عبر سوريا في كلتا الحالتين. ويبدو أن هذه الاتفاقات قد تم تعليقها جزئيًا من خلال امتناع واشنطن عن تقديم التزامات تحمي مصر والأردن من تداعيات قانون قيصر، وهو قانون أمريكي يعاقب الدول التي لديها تعاملات كبيرة مع سوريا.

أما على المدى المتوسط ​​إلى الطويل، فتوفر الاتفاقية شريان حياة اقتصادي للبنان في وقت يحتاج فيه بشدة إلى ذلك، وبالرغم أن المكسب الفعلي قد يستغرق تحقيقه سنوات، لكن المكاسب المأمولة من حقول الغاز المحتملة يمكن أن تساعد في تخفيف الأزمة الاقتصادية وتمهد الطريق للتعافي الاقتصادي.

ولن تظل الأرباح مقصورة على عائدات حقول الغاز الفعلية بل ستشمل أيضًا القطاعات ذات الصلة وتساهم في زيادة فرص العمل بصورة عامة.

لكن أحد الهواجس الرئيسية لدى اللبنانيين هو أن قيادتهم السياسية قد تستخدم هذه الاتفاقية كذريعة لرفض توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي ينص على تنفيذ 10 بنود إصلاحية مقابل مساعدة بقيمة 3 مليارات دولار من شأنها أن تساعد في وضع البلاد على طريق الانتعاش الاقتصادي.

قد يعني ذلك أنّ الطبقة السياسية الحاكمة ستبدّد العائدات المتوقّعة من حقول الغاز للحفاظ على شبكات المحسوبية التابعة لها والاستمرار في تأجيل تنفيذ التغييرات البنيوية الضرورية. وسوف يتصاعد الضغط الآن على البرلمان لإنشاء صندوق سيادي للثروة يمكنه حماية الإيرادات من أجل الأجيال القادمة.

أما على الجانب الإسرائيلي، فقد أثار تصديق الحكومة على الاتفاق قبل الانتخابات اعتراضات على شرعيته. وتشهد إسرائيل بالفعل مطالب بإجراء استفتاء حول الاتفاق، وتتصاعد أيضًا أصواتٌ تتحدث عن ضرورة أن يوافق الكنيست عليه، لا أن يكتفي فقط بمراجعته كما ترغب الحكومة.

ومع ذلك، فقد أدت المخاوف الأمنية والانتخابات الوشيكة واقتراب فترة "عون" من نهايتها كانت أسبابًا ضاغطة دفعت إسرائيل للموافقة على الاتفاق، وبالإضافة إلى ذلك، فإن توقيع إسرائيل على اتفاقية حدودية بحرية مماثلة مع قبرص دون استفتاء رسخ سابقة مهمة.

ومن المستبعد حدوث عرقلة داخلية للاتفاق في فترة ما بعد الانتخابات، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، خاصة بالنظر إلى الدعم الكبير من إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن".

وبالرغم أن هذا الاتفاق تاريخي من نواحي عديدة لكنه لا يعني انتهاء العداوات، وهو الأمر الذي يتعلق بمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أما في الوقت الحالي، فإن الاتفاقية تعني أن العلاقة بين لبنان وإسرائيل معلقة بين اللا حرب واللا سلم.

المصدر | مها يحيى | كارنيجي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اتفاق حدودي حدود بحرية العلاقات اللبنانية الإسرائيلية انتخابات إسرائيل حزب الله

لبنان وإسرائيل: المصالح واضحة في ترسيم الحدود البحرية

لبنان يطلب من توتال الفرنسية بدء إجراءات التنقيب عن الطاقة

لبنان يتهم إسرائيل بخرق مياهه 4 مرات.. ويعلن متابعة الأمر مع الأمم المتحدة

لبنان يعلن موعد إنجاز اتفاقية ترسيم الحدود مع إسرائيل

ستراتفور: حزب الله استسلم لإسرائيل والاتفاق البحري يغلق الباب أمام الحرب