سيناريوهات متباينة: دول الخليج توازن موقفها تجاه احتجاجات إيران

الأحد 23 أكتوبر 2022 03:25 م

حولت الاضطرابات الواسعة في إيران بعد قتل "مهسا أميني" الانتباه الدولي بعيدًا عن محادثات إحياء الاتفاق النووي، لينتقل التركيز على سجل إيران المروع فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.

وبالرغم أن القوى الغربية ردت على قمع السلطات الإيرانية بحظر السفر وتجميد الأصول وعقوبات أخرى، اختارت دول مجلس التعاون الخليجي عدم التدخل، ونظرت بشكل عام إلى الاحتجاجات كشأن إيراني داخلي.

ومع ذلك، يمكننا القول أن المعسكر المناهض لإيران في مجلس التعاون الخليجي (السعودية والبحرين والإمارات) يرحب بموجة الاضطرابات باعتبارها فرصة لتبديد جهود إحياء الاتفاق النووي.

ولطالما عارضت الرياض والمنامة وأبوظبي الاتفاق النووي الأصلي وضغطوا باستمرار على إدارة "ترامب" للانسحاب من الاتفاقي وتنفيذ "أقصى ضغط" على طهران من خلال نظام عقوبات واسع النطاق.

وبالرغم أن الإمارات كانت برجماتية للغاية في مقاربتها تجاه إيران، إلا أن المسؤولين في أبوظبي، إلى جانب نظرائهم في الرياض والمنامة، أعربوا عن مخاوف كبيرة بشأن بعض التفاصيل التي يتم التفاوض عليها بين إيران ودول P5+1 لإحياء الاتفاق النووي.

فرصة للعلاقات العامة

يقول "أندرياس كريج"، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الأمنية في "كينجز كوليدج" في لندن، إن وحشية السلطات الإيرانية تساعد السعوديين والبحريين والإماراتيين على إيصال رسالة للمسؤولين في واشنطن، خاصة الديمقراطيين الذين يسعون إلى استعادة الاتفاق النووي، بأن إيران يحكمها نظام من "العصور الوسطى"، وبالتالي يجب ألا تعقد الولايات المتحدة اتفاقًا مع طهران.

ومن المرجح أن تستفيد كل من السعودية والبحرين والإمارات من التدهور الإضافي لصورة إيران في عيون الغرب، كما أن السعودية لديها فرصة لتلميع صورتها وتقديم المملكة على أنها تقدمية في التفكير أكثر من الجمهورية الإسلامية.

وقد أثارت وفاة "أميني" بعد اعتقالها من قبل "شرطة الأخلاق" الإيرانية رد فعل عنيف كبير ليس فقط داخل إيران، ولكن في جميع أنحاء العالم. 

وقد رأى أولئك الذين في الدائرة الداخلية لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في ذلك فرصة يمكن استغلالها لإظهار التباين بين طهران والرياض التي جردت الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من سلطة الاعتقال في أبريل/نيسان 2016. 

وقال "جيمس دورسي" من جامعة "نانيانغ" التقنية: "إن رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارات في المملكة وتعزيز حقوق المرأة والفرص المهنية للنساء هو ما ألهم الاحتجاجات التي تقودها المرأة في إيران".

ومع ذلك، يرفض بعض الخبراء الادعاء بأن النساء الإيرانيات يستلهمن من إصلاحات المملكة، وقالت "أزاده موفيني"، الأستاذة المساعدة في الصحافة بجامعة نيويورك إن "النساء الإيرانيات سعين دائمًا إلى تحقيق إصلاحات من القاعدة إلى القمة، ولهذا السبب كانت مكاسبهن أكثر استدامة".

مخاوف وآمال دول الخليج

من منظور الأمن الإقليمي، فإن الصورة أكثر تعقيدًا. فمن ناحية، تظل الصقور المناهضة لإيران في مجلس التعاون الخليجي متفائلة بحذر بشأن إمكانية أن يؤدي عدم الاستقرار في إيران لتحويل انتباه طهران إلى الداخل، بعيدًا عن تدخلها في العديد من الدول العربية.

وقال المحلل السعودي "علي شهابي" إن القادة السعوديين يأملون أن يأتي نظام أكثر اعتدالًا يركز على تحسين حياة الشعب الإيراني، بدلاً من بسط النفوذ خارج حدود إيران.

من ناحية أخرى، تشعر الممالك الخليجية بالقلق من أن توجه إيران ضربة قوية في الخارج لصرف الانتباه عن الاضطرابات في الداخل.

وتشير ضربات الحرس الثوري بالصواريخ والطائرات المسيرة في شمال العراق الشهر الماضي إلى أن طهران لديها القدرات والرغبة في متابعة هذه الاستراتيجية.

وقال "كريج": "هناك تهديد بافعل بأن يتجه الإيرانيون للتصعيد خارجيًا لتشتيت الانتباه عن القضايا الداخلية".

ومع ذلك، فإن هذه الخطوة يمكن أن تهدد التحسن الدبلوماسي الهش في الخليج، فقد بدأت الإمارات والسعودية جهودًا جادة لإجراء محادثات مع الإيرانيين في عامي 2019 و2021 على التوالي.

وأعادت الإمارات مؤخرًا سفيرها إلى طهران، مما يسلط الضوء على المدى الذي وصلت إليه الإمارات وإيران في جهودهم لتحسين العلاقات الثنائية.

ومع ذلك، فإن الاضطرابات الحالية في إيران قد تؤثر على انخراط دول الخليج الدبلوماسي مع إيران. وحاليا تراقب الرياض تحديدا ما إذا كانت إيران ستميل أكثر للدبلوماسية خلال هذه الفترة من الاضطرابات.

وقال "شهابي": "كل شئ يتوقف على سلوك إيران، إذا ضعفت إيران فقد تكون حكومتها أكثر مرونة أو أكثر خطورة، لذلك من الصعب أن نعرف بعد".

أما الدول المسماة بـ"الحمائم" في مجلس التعاون الخليجي (الكويت، عمان، وقطر) فكلها تريد إحياء الاتفاق النووي، وربما تأسف أن الاضطرابات الحالية يمكن أن تفسد هذا جهود إحياء الاتفاق.

وعلى وجه الخصوص، لا تزال قطر وعمان مترددتان في إدانة قمع طهران، خشية أن يهدد ذلك العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.

ويبدو أن الدوحة ترى أن الوضع في إيران مهيأ لزيادة عدم الاستقرار لكن ذلك لن يرقى لإسقاط الحكومة، وبالنظر إلى مصالح قطر في إعادة إحياء الاتفاق النووي، فمن غير المحتمل أن تسعى السلطات القطرية إلى الانحياز إلى المعارضة الداخلية للنظام.

وقال "كريج": "إن القطريين يقاومون الضغوط عليهم ويقولون في الدوائر الدبلوماسية: إننا إلى جانب الشعب، لكننا في الوقت نفسه نحتاج إلى الحفاظ على وضع محايد، بسبب الوساطة المستمرة فيما يتعلق بالإفراج عن السجناء والاتفاق النووي".

أما عمان، فهي تلتزم بمبدأ عدم التدخل واختارت البقاء بعيدا عن الشؤون الداخلية لإيران، وبعد أن عملت عمان سابقًا كوسيط دبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران حول القضايا النووية وغير النووية، ربما تعطي السلطنة أولوية لإحياء الاتفاق النووي.

ومن وجهة نظر مسقط، يمكن أن يكون الفشل في استعادة الاتفاقية كارثيًا. ومثل قطر، فإن موقف عمان هو أن الاتفاق النووي هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق لحل الأزمة النووية المحفوفة بالمخاطر بين طهران وواشنطن.

وفي ظل تصاعد الضغط المحلي على حكومة إيران، أصبح لديها حافز أقوى للوصول إلى الأموال الأجنبية لإرضاء مواطنيها. لذلك، ربما تتراجع معارضة إيران لمطالب واشنطن المتعلقة بالمفاوضات النووية.

ويعني ذلك أن قطر وعمان والكويت يمكن أن يستفيدوا إذا دفعت هذه الأحداث إيران لإظهار مرونة أكبر تجاه شروط الغرب لإحياء الاتفاقية، ومع ذلك، فإن الاضطرابات الحالية تضعف بشكل كبير من احتمالات موافقة إدارة "بايدن" على إحياء الاتفاق النووي.

الاستقرار هو الأهم

بغض النظر عن كيفية تأثير الاضطرابات المستمرة في إيران على المشهد السياسي والاجتماعي في الجمهورية الإسلامية أو علاقاتها مع الولايات المتحدة، فإن جميع الدول في منطقة الخليج ستراقب كيفية تقدم التطورات.

وستتفاعل دول مجلس التعاون الخليجي مع الاضطرابات بناءً على مصالحها الوطنية، مع إدراك كل من الفوائد المحتملة والمخاطر لحركة الاحتجاج.

وقد يكون هناك بعض التفاؤل بين المسؤولين العرب في الخليج بشأن تأثير الاضطرابات على سياسة إيران الإقليمية بشكل يخدم مصالحهم. ولكن تغيير النظام في إيران من غير المرجح أن يكون سلسًا أو سريعًا، هذا إن حدث.

الحقيقة هي أنه لا توجد دولة في مجلس التعاون الخليجي ولا أي من جيران إيران تريد أن ينهار النظام في إيران، حتى لو كان ذلك سينهي عداوات عمرها عقود مع الحكومة في طهران.

وأوضح "كريج": "إذا تدهورت الأوضاع في إيران إلى حرب أهلية بحيث يتجه قطاع من الأمن لدعم الشعب بدلا من النظام، فإن ذلك سيكون نوعًا من زعزعة الاستقرار يقلق الجميع في الخليج إلى حد كبير، حتى لو كان السعوديون والبحرينيون يرغبون في الضغط على النظام".

المصدر | جورجيو كافييرو/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران مهسا أميني احتجاجات إيران مجلس التعاون الخليجي السعودية الإمارات العلاقات السعودية الإيرانية العلاقات الإماراتية الإيرانية الاتفاقية النووية

رئيس وزراء الكويت يدعو إيران لتخفيف التوتر في الخليج

أمير قطر يدعو لحوار الخليج مع إيران ويعرض الوساطة بين طهران وواشنطن

استراتيجية معقدة.. البعد العسكري لاحتجاجات إيران

الخليج وإيران.. هل تفلح محاولات التقارب ودعوات التصالح؟