هل يكون الاتفاق البحري بين إسرائيل ولبنان نموذجا لصفقات أخرى في المنطقة؟

الجمعة 4 نوفمبر 2022 12:56 م

بعد عقد من المفاوضات الصعبة والإحباطات والمآزق، نجح الوسطاء الأمريكيون في مهمة صعبة وهي إقناع إسرائيل ولبنان بأهمية إبرام اتفاق بحري والتغلب على العديد من الألغام السياسية في هذه العملية. وتم اختيار توقيت هذا الاتفاق قبل مغادرة الرئيس اللبناني "ميشال عون" قصر بعبدا الرئاسي.

وبالرغم أن الاتفاقية الحالية لا تبشر بإنقاذ فوري للبنان على المدى القصير، بالنظر إلى أن تطوير حقل قانا وإقامة البنية التحتية والحفر وإنتاج الغاز هي عملية طويلة الأمد، لكنها تظل مكسبًا واضحًا للبلد بعد أن تراجع خطر الحرب التي كانت تلوح في الأفق منذ أشهر.

وكانت الحرب تهديدا كبيرا للبنان خاصة مع الأزمة الاقتصادية المستمرة والوضع الأمني ​​المتزعزع والمأزق السياسي الذي تعيشه البلاد. ويبدو أن "حزب الله" كان يدرك هذه الحقيقة، خاصة أن أي حرب مدمرة أخرى كان سيتحمل مسؤولية تبعاتها أمام الشعب اللبناني.

وتوفر اتفاقية الحدود البحرية بعض الاستقرار للأوضاع في لبنان، وتزيل احتمالات الحرب (على المدى القصير على الأقل)، وتقدم فرصة للاستفادة من مبيعات الغاز، وبالتالي تقدم ضوءًا في نهاية نفق مظلم للغاية.

وبالمثل، فإن الاتفاقية تزيح القلق بخصوص التصعيد على الحدود الشمالية لإسرائيل التي تعاني من عدم استقرار سياسي مزمن وتراقب بقلق موجة العمليات المتصاعدة في الضفة الغربية وتراجع قبضة السلطة الفلسطينية.

وبالرغم أن الاتفاقية مع لبنان لا تضمن استقرارًا طويل الأمد ولا تقلل بالضرورة احتمالات اندلاع حرب بين إسرائيل و"حزب الله" في المستقبل، يمكن لإسرائيل الآن تطوير حقل غاز كاريش دون دون قلق وأن تركز على استقرار الوضع في الضفة الغربية.

ومن غير المرجح أن تتراجع إسرائيل عن الصفقة، بالرغم من وعود "بنيامين نتنياهو" خلال الانتخابات، لأن ذلك سيكون له تداعيات أمنية خطيرة وسيدمر العلاقات مع الولايات المتحدة.

الدور المحوري لأمريكا

إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فإن تدفق الغاز اللبناني والإسرائيلي إلى أوروبا سيقلل من اعتماد القارة على الغاز الروسي. علاوة على ذلك، فإن صفقة الوساطة الأمريكية الناجحة سوف تُترجم إلى مزيد من الثقة الإقليمية في دور الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة.

وبعد زيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى المنطقة في يوليو/تموز الماضي، تصاعدت الأصوات الفلسطينية التي تعتبر الإدارة الأمريكية الحالية غير جادة في تحقيق اختراق في عملية السلام.

ومن المفهوم أن الجانب الفلسطيني ينتظر خطوات أكثر تصميما من الإدارة الأمريكية، لكن مع ضعف السلطة الفلسطينية وصعود الصهيونية الدينية في إسرائيل، سيكون من الصعب إبرام صفقة كبرى، لكنه لا يزال من الممكن تحقيق بعض الاختراقات على نطاق أصغر في مجال الأمن والاقتصاد.

ويعد الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل دليلا إضافيا على أن الولايات المتحدة تمتلك نفوذا تستطيع من خلاله تحقيق اختراقات دبلوماسية إذا توفرت الإرادة لذلك.

هل هو نموذج لحل النزاعات الإقليمية؟

قد تعطي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل زخماً لتطورات إيجابية أخرى، مثل تطوير حقول الغاز قبالة سواحل قطاع غزة. وأعلنت مصر بالفعل عن استعدادها للعمل من أجل تحقيق هذا الهدف، ومن المناسب جدًا أن تشارك الولايات المتحدة في العملية برمتها لمنحها ثقلًا إضافيًا.

ويوجه الاتفاق البحري بين إسرائيل ولبنان رسالة مهمة إلى المنطقة: "حتى في الحالات المستحيلة، يمكن أن يؤدي التهديد العسكري المتزايد والوساطة المتفانية والمركزة إلى تحقيق النتائج المرجوة".

وقد يكون هذا الاتفاق النموذج الأكثر واقعية لحل المشكلات وسط الواقع الفوضوي للشرق الأوسط المتقلب والذي تتنافس فيه العديد من الجهات الفاعلة على تشكيل السياسة وفقا لمصالحها.

لذلك، من الأهمية الحفاظ على نموذج الصفقة الإسرائيلية اللبنانية، وعدم السماح لأي طرف بالتراجع عنها، لأن ذلك سيحمل تداعيات تتجاوز الاتفاق نفسه.

يجب أن يستمر العمل الجاد

بالرغم من الشعور الواضح بالارتياح لدى جميع الذين أيدوا الاتفاق في إسرائيل والولايات المتحدة ولبنان، فإن نجاح الاتفاقية سيقاس فقط من خلال الواقع العملي في المستقبل.

وإذا استمرت موجة العمليات في الضفة الغربية وتوسعت، فقد يتسبب ذلك في انضمام الحركات الفلسطينية التقليدية التي تعمل عن كثب مع "حزب الله" إلى موجة التصعيد ضد إسرائيل.

وبالرغم أن اتفاقية الحدود البحرية لا تمنع حدوث صراع جديد بين الأطراف أو ظهور مظاهر عنف، لكن مصداقيتها ستتضرر بشدة وكذلك ستتراجع احتمالات إبرام اتفاقيات أخرى.

لذلك يجب أن تستمر الوساطة والمراقبة الأمريكية حتى بعد توقيع الاتفاقية، وهذا مهم للطرفين الموقعين والولايات المتحدة، لأن فشل الاتفاق قد يضر بمصالح أخرى في المنطقة.

ويجب عدم رفع القدم عن دواسة الوقود، لقد حان الوقت للتعامل بحزم مع المفسدين للصفقات الدبلوماسية، والتفكير في تنفيذ هذه التجربة في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط.

المصدر | كسينيا سفيتلوفا | أتلانتك كاونسل - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

لبنان كاريش عون الغاز العلاقات اللبنانية الإسرائيلية الضفة الغربية

إسرائيل تبدأ إنتاج الغاز من كاريش قبيل توقيع اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان