اتفاقية وقف الأعمال العدائية في تيجراي.. لحظة فارقة أم سلام هش؟

الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 10:12 م

توفر اتفاقية وقف الأعمال العدائية بين حكومة إثيوبيا ومتمردي تيجراي أفضل فرصة للسلام بعد حرب استمرت عامين، لكن المظالم التاريخية وتحديات التنفيذ وعدم الثقة والمفسدين من الجهات الخارجية سيهددون استمرارية الاتفاقية.

ووافقت الحكومة الإثيوبية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" على وقف الأعمال العدائية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد 10 أيام من المفاوضات في بريتوريا بجنوب إفريقيا.

وبالإضافة للوقف الفوري والدائم للقتال، تشمل الاتفاقية أيضًا أحكامًا تتعلق بتسريح ونزع سلاح وإعادة دمج مقاتلي "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" في الجيش الإثيوبي؛ واستعادة الخدمات العامة في تيجراي؛ وزيادة المساعدة الإنسانية فيها؛ وتنفيذ التدابير الانتقالية لاستعادة النظام الدستوري هناك.

وبعد الإعلان عن الاتفاقية، تم تسريب وثيقة أطول إضافية، لكن لا يبدو أنه جرى الاتفاق عليها، حيث تتضمن تنازلات أكبر بكثير من "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" (بما في ذلك استعادة السلطة الفيدرالية في ميكيلي ونزع سلاح الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في غضون 30 يومًا).

الاتفاقية تغفل الدوافع التاريخية

لا يحاول الاتفاق الأولي حل الدوافع التاريخية للنزاع الطويل بين الجماعات العرقية المتنافسة. وقد بدأت الموجة الأخيرة من القتال بين الحكومة المركزية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما رفضت الحكومة المركزية الاعتراف بحكومة محلية منتخبة حديثًا في تيجراي.

ومع ذلك، فإن دوافع الصراع تعود إلى عقود، وهي متجذرة في سعي تيجراي الطويل نحو الحكم الذاتي. وحاول الحكام الإثيوبيون المتعاقبون توحيد البلاد من خلال إدخال الإقليم تحت السيطرة المركزية، في حين نظم متمردوه انتفاضات متكررة لحماية أو تعزيز الحق في الحكم الذاتي.

وغيّر "ملس زيناوي"، الذي كان عضوًا في "الجبهة الشعبية" هذه الديناميكية عندما أصبح رئيسًا لإثيوبيا في عام 1991، حيث قام بتحويل التوازن الإثني للسلطة لصالح تيجراي بدلاً من شعب أمهرة وأورومو؛ من خلال تنظيم نموذج حوكمة فيدرالي عرقي.

وفي حين أن هذا النموذج جلب قوة واستقلالية أكبر لتيجراي، فإن سياسات الحكومة فاقمت العداء الإثني والمقاومة لسلطة تيجراي، وهي المقاومة التي بلغت ذروتها في نهاية المطاف بصعود "آبي أحمد" (وهو من عرق الأورومو والأمهرة) كرئيس للبلاد في عام 2018.

ولم يتم تناول القضية الجوهرية المتعلقة بالحكم الذاتي لتيجراي في اتفاقية وقف إطلاق النار الأولية الموقعة في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، فيما لا ينذر بخير بشأن قدرة الاتفاقية الجديدة على تثبيت السلام الدائم بين الأطراف المتحاربة.

وفي الواقع، تتضمن الوثيقة التي تم تسريبها، والتي تحدد إطارًا أطول للسلام (والتي لم يتم توقيعها بعد)، بنودًا تعد مضادة بشكل مباشر لمهمة "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"؛ أي استعادة السلطة الفيدرالية في ميكيلي العاصمة الإقليمية لتيجراي، بالإضافة إلى نشر القوات العسكرية الأثيوبية على طول حدود الإقليم الدولية مع السودان وإريتريا.

وبالإضافة إلى ذلك، لا تذكر اتفاقية وقف إطلاق النار الجديدة ولا إطار السلام الذي تم تسريبه، غرب تيجراي، وهي أراضي تطالب بها أمهرة وتحتلها حاليًا القوات العسكرية الإثيوبية ومسلحي أمهرة.

وفي الأسابيع المقبلة، ستهدد جذور الصراع التاريخية وتحديات التنفيذ وعدم الثقة المتبادلة والمفسدين الخارجيين بانهيار المفاوضات واستئناف العنف. وإذا لم تحدث مفاوضات أكثر شمولاً تتناول الدوافع التاريخية للنزاع، ففقد تؤدي صعوبة تنفيذ أجزاء من الاتفاقية إلى انهيار وقف إطلاق النار والقضاء على آمال السلام.

تهديدات خطيرة أخرى

إن تسريح مئات الآلاف من المقاتلين من "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" ونزع سلاحهم بعد عامين من الحرب سيكون معقدًا ومن المحتمل أن يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف؛ مما قد يعيد المنطقة إلى الصراع.

كما إن عدم الثقة العميق بين "الجبهة الشعبية" والحكومة الإثيوبية - خاصةً في الوقت الذي تحاول فيه الأخيرة بسط السيطرة على ميكيلي - سيزيد خطر تجدد العنف الذي يحفزه سوء التقدير وسوء الفهم بين الجانبين.

وتشكل الجهات الخارجية في النزاع - وهي ميليشيات أمهرة (المعروفة باسم فانو) والقوات العسكرية من إريتريا المجاورة - تهديدًا لاستدامة السلام. وفي حين أن الحكومة الإثيوبية وافقت في مراحل مختلفة على التورط العميق لكل من "فانو" وإريتريا في الحرب، فليس من الواضح إن كان "آبي أحمد" لديه القدرة على كبحهم.

ويعني ذلك تزايد خطر تصعيد عسكري أوسع، بما أن كلًا من "فانو" وإريتريا لن يتنازلا عن مصالحهما الخاصة من أجل الالتزام بالوقف الرسمي للأعمال العدائية.

وبصرف النظر عن التكلفة الإنسانية، فإن استمرار العنف وعدم الاستقرار في إثيوبيا سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد ويطيل الوقت اللازم لتعافيها، حيث أن الدائنين والمستثمرين لن يرغبوا في دعم إثيوبيا طالما ظلت منخرطة في الحرب.

ماذا لو استمرت الاتفاقية؟

أما إذا استمر وقف الأعمال العدائية، فمن المحتمل أن يعاد فتح الممرات الإنسانية مع تفاوض الحكومة الإثيوبية و"الجبهة الشعبية" على اتفاق سلام أكثر رسمية؛ مما سيخفف من المعاناة الإنسانية في تيجراي ويضع الأساس لإعادة الإعمار بعد الصراع.

وإذا التزم كلا الجانبين بوقف الأعمال العدائية، فستتوقف الضربات الجوية العسكرية الإثيوبية والهجمات البرية في تيجراي؛ مما سيوفر الهدوء لشعبها المحاصر الذي يعاني من المجاعة والجفاف والمرض فضلا عن العنف واسع النطاق.

وسيسمح ذلك بإعادة فتح الممرات الإنسانية مما يسهل تقديم المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في مناطق عفر وأمهرة وتيجراي. وإذا استمرت مفاوضات السلام، فمن المحتمل أن يجتمع كبار القادة من الجيش الإثيوبي و"الجبهة الشعبية" في الأسابيع المقبلة للعمل على تفاصيل تسريح مقاتلي "الجبهة الشعبية" ونزع سلاحهم وإعادة دمجهم.

ويتوقع أيضًا أن تدعو الحكومة المنظمات الدولية - مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي - لتسهيل آليات العدالة الانتقالية؛ بما في ذلك مبادرات المصالحة المجتمعية وبرامج العفو.

ومن المحتمل أيضًا أن ترفع الحكومة تصنيف "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" كجماعة إرهابية. 

وعلى المدى المتوسط​​، فإن اتفاق السلام المستدام سيساعد إثيوبيا على إعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية، كما سيساهم في جذب استثمارات أجنبية أكبر والعودة إلى صفقات التجارة الدولية التي خسرتها بسبب الحرب.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أثيوبيا الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تيغراي آبي أحمد الأمم المتحدة الاتحاد الأفريقي اتفاق سلام وقف إطلاق النار

وسط نفي المتمردين.. إثيوبيا تعلن سيطرتها على 70% من تيجراي

أنباء عن انسحاب قوات إريتريا من إقليم تيجراي الإثيوبي

قوات تيجراي تبدأ بتسليم أسلحة ثقيلة لإثيوبيا