وكالات الائتمان تنظر بسلبية لمستقبل مصر الاقتصادي.. إلى أين تتجه القاهرة؟

الأحد 13 نوفمبر 2022 08:52 ص

انعكست الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر على تصنيفها الائتماني المستقبلي، ما أثر سلبا على الأسواق المحلية، وأثار القلق لدى أصحاب الاستحقاقات والجهات الدائنة، من العقبات التي ستصعب الحصول على قروض أو تسهيلات مالية جديدة.

والأسبوع الماضي، خفضت وكالة "فيتش" نظرتها المستقبلية لاقتصاد مصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، بينما ثبتت التصنيف الائتماني للبلاد عند (+B).

وكالة التصنيف الدولية، عزت مراجعة التوقعات إلى "سلبية" للتدهور الحاصل بوضع السيولة الخارجية لمصر، وتراجع إمكانية الوصول إلى أسواق السندات الدولية، ما يجعل البلاد عرضةً لظروف عالمية معاكسة، في وقتٍ تشهد الميزانية ارتفاعاً بعجز الحساب الجاري، فيما تقترب آجال استحقاق ديون خارجية مرتفعة.

والنظرة المستقبلية السلبية للاقتصاد المصري لم تكن توقعات "فيتش" وحدها، ففي مايو/أيار، عدلت مؤسسة "موديز" أيضاً نظرتها المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، بينما أبقت على تصنيفها الائتماني عند مستوى (B2).

بينما احتفظت "ستاندر آند بورز" بوضع مصر في قائمة (B) مع نظرة "مستقرة"، مع تحذيرها من عدم التزام الحكومة بتقليص حجم الديون ووقف الاقتراض من الخارج، ودفع دور القطاع الخاص في إدارة اقتصاد الدولة والتخلص من هيمنة الجهات السيادية على إدارة الاقتصاد.

وأمام ذلك، يرى المحلل الاقتصادي "شريف سامي"، أن "تغيير النظرة المستقبلية لوكالة (فيتش) تجاه مصر ومن قبلها وكالة (موديز) يعبر عن وضع حالي لا يخفى على أحد بما فيها السطات المصرية".

ويتفق معه نائب رئيس هيئة الرقابة المالية السابق "مدحت نافع"، حين قال إن "النظرة السلبية لفيتش ومن قبله موديز، ليس بالأمر الجيد على الاقتصاد المصري".

وتآكل الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر بقيمة 8 مليارات دولار في 8 أشهر كان إحدى النقاط التي استندت إليها الوكالتان في التقييم، إلى جانب تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار بنحو 55% منذ فبراير/شباط، علاوة على توقعات تشير إلى استمرار البنك المركزي بسياسة التشديد النقدي وتحريك أسعار الفائدة، ما يدفع معدلات التضخم المرتفعة بالفعل إلى مستويات أعلى.

وانخفضت احتياطيات البنك المركزي المصري إلى أقل من 32 مليار دولار بحلول أكتوبر/تشرين الأول، بعد أن كانت 35 مليار دولار في مارس/آذار، و40 مليار دولار في فبراير/شباط، على الرغم من أنها استقرت في الأشهر الأخيرة.

فيما واصل الدولار صعوده التدريجي أمام الجنيه، في رحلة يؤكد الخبراء أن البنك المركزي يستهدف أن يستقر فيها الدولار قبل نهاية العام الحالي، ما بين 24.80 جنيها إلى 24.90 جنيها مقابل الدولار.

أضف إلى ذلك أزمة الديون المتفاقمة التي تعاني منها مصر، في ظل تضاعف الديون، الخارجية والداخلية، منذ 2016، ومنذ أن قرّر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، التوسّع في الاستدانة (وصل الدين الخارجي إلى نحو 156 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران الماضي) بشكل كبير للإنفاق على مشاريع تنموية عملاقة وسريعة للغاية، وهو ما أدّى إلى ارتفاع فاتورة سداد أقساط الديون وفوائدها بالموازنة المصرية، حيث تمتصّ قرابة تريليون جنيه مصري على أقل تقدير.

ويقول "دويتشه بنك" إن مصر تحتاج إلى 28 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون حتى نهاية عام 2023، وتتطلب 20 مليار دولار أخرى لعام 2024، على الرغم من أن لديها 33 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية.

في الوقت الذي غادرت مصر حوالي 45 مليار دولار من الأموال الساخنة، خلال السنوات الأربع الماضية، حسب تصريحات رسمية.

وانخفضت السيولة الخارجية مدفوعة بالتدفقات الخارجة لاستثمارات غير المقيمين في الديون الحكومية الصادرة محلياً، إلى حوالي 13 مليار دولار بحلول سبتمبر/أيلول 2022، من أكثر من 17 مليار دولار في مارس/آذار 2022، وأكثر من 30 مليار دولار في عام 2021.

وتعني ارتفاع مخاطر تراجع قدرة الدولة السيادية على امتصاص الصدمات الخارجية في ظل التراجع الكبير في احتياطي النقد الأجنبي لمواجهة مدفوعات خدمة الدين الخارجي المقبلة.

ورغم أن الموقف الخارجي للاقتصاد لا يزال مدعومًا بالالتزامات المالية الكبيرة التي تعهدت بها الحكومات المصدرة للنفط في مجلس التعاون الخليجي ووجود برنامج جديد لصندوق النقد الدولي، فإن تشديد شروط التمويل العالمي يزيد من خطر حدوث تدفقات أضعف مما تتوقع الوكالتان حاليًا.

وكان قرض صندوق النقد الدولي الذي تم توقيع الاتفاق الخاص به في 27 أكتوبر/تشرين الأول، أكثر تواضعاً مما كان متوقعاً (4 مليارات دولار)، ويبدو السبب أن القاهرة استنزفت أرصدتها لدى صندوق النقد بعد أن اقترضت منه مرتين خلال 6 سنوات، وأصبحت ثاني مدين للصندوق بعد الأرجنتين المشهورة بتخلفها عن سداد ديونها.

ويخشى مراقبون أن تتفاقم تبعات التصنيف ليشمل المخاطر السياسية "لا سيما في سياق الزيادة الحادة في تضخم أسعار المواد الغذائية، التي إذا لم يتم تخفيفها، يمكن أن تزيد التوترات الاجتماعية، لأهمية المخاطر الاجتماعية للائتمان السيادي".

كما أن ارتفاع تكاليف الاقتراض المحلي، في حال استمراره، سيؤدي إلى تفاقم مخاطر السيولة وتحديات القدرة على تحمل الديون، وكلاهما من نقاط الضعف طويلة الأمد في ملف الائتمان في مصر.

يعلق المحلل في أسواق المال "إيهاب سعيد"، عن تداعيات "سلبية" النظرة المسقبلية لمصر بالقول: "التأثير السلبي الأكبر هو ارتفاع كلفة التمويل والاستدانة مع ارتفاع الفائدة على السندات الدولية التي تصدرها مصر في الأسواق الدولية، وارتفاع كلفة التأمين على السندات المصرية وتكلفة الاقتراض بشكل عام، في ظل استمرار ارتفاع مؤشر الدولار وعدم تراجع البنك الفيدرالي الأمريكي عن سياسة التشديد النقدي، وهو يمثل صعوبة كبيرة في تدبير العملات الأجنبية".

وأمام ذلك، تدرس القاهرة استحداث مؤشر جديد للجنيه المصري مقابل سلة من العملات والذهب بعدما أقرت بخطأ الاعتماد على ربط الدولار الأمريكي بالجنيه المصري، على رغم أنه ليس الشريك التجاري الأول لمصر بعد أن هبطت العملة المصرية إلى أقل مستوياتها تاريخياً مقابل العملة الأمريكية.

هذا التخفيض، أدى إلى تأجيج التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية للمستهلكين، وسط توقعات بأن يصل إلى نحو 17% على أساس سنوي بنهاية 2023،، على افتراض ارتفاع متواضع للجنيه ليستقر عند 24 جنيها مقابل الدولار، مع احتمالية زيادة المخاطر خلال الفترة المقبلة.

ويتوقع المراقبون، وجود مخاطر شديدة على الاقتصاد، لفترة ما بين 12 إلى 18 شهرا.

هذه التوقعات السلبية عن الاقتصاد تعكس مرور البلاد بفترة صعبة على مستوى الأفراد الذين يواجهون الغلاء والتضخم، مع ارتفاع معدلات البطالة والركود، وصعوبة تدبير الحكومة للعملة الصعبة لشراء حاجات المواطنين والمصانع من الخارج.

والخميس، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) أن التضخم السنوي في المدن ارتفع إلى 16.2% في أكتوبر/تشرين الأول على أساس سنوي، مقابل 15% في سبتمبر/ أيلول.

يقول المحلل المالي وخبير أسواق المال "وائل النحاس"، إن الحكومة تواجه رياحا معاكسة على كافة الأصعدة الاقتصادية، حيث سيصعب الحصول على قروض أو تمويلات عبر السندات، وتصاعد الأزمات الاقتصادية في الدول الدائنة، متوقعا أن يؤدي ذلك إلى توسيع الفجوة المالية التي تحتاجها الدولة خلال العام المالي الحالي من 33 مليارا إلى 40 مليار دولار.

ويؤكد صعوبة طرح الحكومة للأصول العامة في البورصة، خلال المرحلة المقبلة، مع ارتفاع الفوائد على الدولار، وانخفاض القيمة الحقيقية لتلك الأصول، بما يعرضها لأن تفقد العائد المستهدف من عمليات البيع.

وفي ضوء ما سبق، يظهر أن استغلال أسواق الديون الدولية أمراً غير وارد، والاضطرابات الاقتصادية سوف تجعل المستثمرين الأجانب حذرين في العودة لمصر.

وبالتالي من المحتمل أن تتجه القاهرة إلى طلب مزيد من الدعم من أصدقائها في الخليج، حسب تقرير لمجلة "الإيكومنيست" البريطانية.

فبين أكتوبر/تشرين الأول 2021 ومارس/آذار من هذا العام، أقرضت الكويت والسعودية والإمارات مصر 18 مليار دولار للاحتفاظ باحتياطياتها الأجنبية.

وأفاد صندوق النقد الدولي أنه يجري العمل على صفقة تمويل أخرى من أصدقاء مصر بقيمة 5 مليارات دولار، على الرغم من أنها لم تذكر من أين ستأتي الأموال.

وفي مصر وديعة سعودية بقيمة 5.3 مليارات دولار، يحل موعد سدادها في أكتوبر/تشرين الأول 2026.

فيما تمتلك الإمارات 5 ودائع بإجمالي 5.663 مليارات دولار، مستحقة على فترات متفاوتة بين 2023 و2026.

وتمتلك الكويت وديعتين بقيمة 4 مليارات دولار، وكانتا مستحقتين في أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول الماضيين، لكن الكويت أرجأت سدادهما.

وأودعت قطر 3 مليارات دولار في البنك المركزي المصري في وقت سابق هذا العام، وفق بيان صادر عن القاهرة، في أغسطس/آب.

وقال البنك المركزي المصري، في أبريل/نيسان، إن ديون الخليج تمثل 28% من الدين الخارجي المصري.

ومصر ليست الدولة الوحيدة التي تعتمد على هذا الشكل غير العادي من الكرم الأجنبي، حسب وصف المجلة، حيث تقدم الودائع والمبادلات حلاً سريعاً؛ حيث تكون شروطها مخففة، وتميل أن تفرض أسعار فائدة منخفضة.

وقد ينتهي الوضع في مصر بمشكلة أخرى مع هذا النوع من الإقراض غير الرسمي، خاصة أنه ليس من الواضح تماماً كيف سيتم التعامل مع ودائع المقرضين، إذا تخلفت مصر عن السداد.

ولا يريد صندوق النقد أو دول  الخليج (الداعم الأكبر لمصر) تقديم المزيد من القروض الكبيرة، لكنهم لا يريدون أن يخسروا أموالهم، أو أن تغرق مصر.

ولذلك، جرى خلال الشهور الماضية العديد من الاستحواذات الخليجية على الأسهم المصرية بأسعار متدنية، حيث تعهدت دول الخليج بتقديم أكثر من 20 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات لمصر.

وثمة مخاوف من أن دول الخليج قد تستغل حاليا الأحوال الاقتصادية المتردية في مصر للاستحواذ على الممتلكات العامة، بأسعار أدنى بكثير من قيمتها السوقية، وأن إيرادات البيع ستستخدم لسداد الديون المتراكمة على البلد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر تصنيف ائتماني التضخم الديون صندوق النقد أزمة اقتصادية أزمة سيولة