كيف تنظر الدوحة إلى الأزمة بين الرياض وطهران؟

الاثنين 11 يناير 2016 08:01 ص

تفاوتت ردود الأفعال الدولية حول الأزمة التي نشبت بين السعودية وإيران الأسبوع الماضي إثر قيام الرياض بإعدام الرياض حوالي 47 شخصا كان من بينهم رجل الدين الشيعي «نمر النمر» والذي أدى قرار إعدامه إلى اندلاع تظاهرات في طهران ومشهد أسفرت عن اعتداءات على السفارة والقنصلية السعودية.

وقد ردت السعودية على هذه الأحداث بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، فيما تبعتها بقرار مماثل كل من البحرين والسودان وجيبوتي، وفيما عرضت بعض الدول كتركيا والعراق الوساطة، فقد اتخذت قطر والكويت خطوة أقرب إلى الرياض عبر استدعاء سفرائهما من طهران.

استنكرت قطر الهجوم على السفارة والقنصلية السعودية منذ اللحظة الأولى. ووصفت الأمر بأنه انتهاك واضح ومرفوض، وينافي المواثيق والأعراف الدولية.

وبالرغم من التنديد القطري الذي تبعه سحب السفير من طهران، إلا أنه لا تزال هناك جهات في السعودية ترى أن كلا من عمان وقطر يقفان موقفا أقل مما تريده السعودية. ولكن ما يبدو أن جمع الموقفين القطري والعماني إلى بعضهما البعض تبدو غير دقيقة، حيث أن هناك تفاوتا واضحا بينهما؛ فبينما اتخذت عمان مواقف أكثر استقلالية عن الإجماع الخليجي بدءا من الحرب في اليمن إلى رفضها الانخراط ضمن التحالف الإسلامي الذي أعلنت عنه السعودية مؤخرا، فقد وقف قطر في كثير من الملفات موقفا متسقا ومتحالفا مع الموقف السعودي، خاصة في اليمن وسوريا والعراق.

قطر وسياسة تقليل الاشتباك

منذ وصول الشيخ «تميم بن حمد» إلى السلطة في قطر منتصف العام الماضي خلفا لوالده، فقد اعتمد سياسة خارجية توصف بكونها «أقل تدخلا»، مع العودة من جديد إلى مربع الوساطات الذي تجيد قطر اللعب من خلاله. حسنت قطر من علاقاتها مع المملكة العربية السعودية في أواخر عهد الملك الراحل «عبد الله» وقدمت عددا من التنازلات كان على رأسها تقليص دعمها السياسي والإعلامي "المعلن" لمعارضي النظام العسكري في مصر. ازداد التقارب القطري السعودي مع صعود الملك «سلمان» إلى السلطة، وشاركت قطر في العملية عاصفة الحزم في اليمن، كما كثفت عملها مع السعودية وتركيا في دعم المعارضة السورية. وفي المقابل فإن السعودية قد دعمت الجهود الدبلوماسية القطرية في ليبيا والسودان وغيرهما.

كانت قطر من أسبق الدول الخليجية في صناعة علاقات مع إيران. وجه الشيخ «حمد آل ثاني» أمير قطر الأسبق دعوة غير مسبوقة إلى الرئيس الإيراني الأسبق «محمود أحمدي نجاد» لحضور قمة أمنية خليجية في الدوحة خلال عام 2007.

تفرض ظروف الجغرافية السياسية على كل من قطر وإيران الحفاظ على حد أدنى من التعاون أيا كان حجم الخلاف السياسي. يتشارك البلدان، (قطر وإيران)، استغلال حقل الشمال للغاز في المياه الإقليمية المشتركة، وهو أكبر حقل غاز في العالم، ويحوي أكثر من 50  في المائة من احتياطي إيران الغازي. وقد ساهمت عدد من المواضع في تعزيز التقارب السياسي بين البلدين في العقد الماضي وأهمها الموقف المشترك للبلدين في دعم حركة حماس، وكذا موقفهما من الحرب الإسرائيلية على لبنان. وقد حافظت قطر على مدار تاريخها السياسي على موقف وسط بين ما يعرف بـ«محور الاعتدال» والذي يشمل السعودية ومصر والأردن، و«محور المقاومة» والذي شمل سوريا وإيران مع حزب الله محركة حماس.

ساهم الربيع العربي واختلاف مواقف البلدين في سوريا والعراق ثم اليمن في قدر من التباعد في الرؤية السياسية، بينما ظلت المصالح الاقتصادية على حالها. ورغم ذلك، فقد رحبت قطر بالاتفاق النووي مع طهران، ولم تبد مخاوف خاصة بشأنه سوى ضمن الإطار الخليجي. بعد توقيع اتفاق جنيف والاتفاق النووي عرضت شركة قطر للبترول مساعدة طهران على تطوير حصتها في حقل الشمال، حيث تمتلك قطر تقنيات متطورة في مجال التنقيب عن الغاز ونقله مقارنة بإيران المقيدة بالعقوبات.

تستند العلاقات بين البلدين إلى معطيات اقتصادية في المقام الأول مع بعض التنسيق السياسي اللازم. ويكفل نمط العلاقة لكلا البلدين ممارسة سياسات مستقلة بل وربما متعارضة في بعض الأحيان. وهذا يفسر الصمت الإيراني على مشاركة قطر في العملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين، وكذا النشاط القطري في دعم المعارضين للأسد في سوريا. وقد البلدان قد احتفظا بحدود فاصلة لم يتجاوزها أي منهما مهما بلغت الخلافات، وهي تجنب كل منهما التصعيد الدبلوماسي المباشر ضد بعضهما البعض مهما كانت الظروف.

من الوساطة إلى المواجهة

وفيما يرجح أن السعودية لن تستطيع التأثير على قرار مسقط بخصوص العلاقة مع إيران، فإنه لا يزال من غير المعروف إذا ما كانت الرياض سوف تستطيع أن تقنع كل من قطر والكويت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الرياض أم أنها ستكتفي منهما بعملية سحب السفراء. خاصة مع رغبة قطر في الحفاظ علىى علاقات مقبولة مع الإيرانيين. وقد وقعت قطر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي اتفاقا مع البحرية الإيرانية لمكافحة التهريب في الخليج وقد أثار هذا الاتفاق استياء بعض السعوديين.

ولكن يبدو أن هذا الدور القطري والموقف في العلاقة مع إيران سوف يواجه إشكالات بسبب تنامي التحالف القطري السعودي في الآونة الأخيرة، والدور القطري في اليمن وانتقالها من كونها وسيطا بين الحكومة اليمنية والحوثيين إلى طرف في الحرب على الحوثيين. كذلك ليس من المتوقع أن يكون دور الدوحة مرحبا به لدى طهران لأن قطر وإيران - بصورة ما - في حالة حرب بالوكالة في سوريا.

إذا انتقلنا من السياسة إلى الرياضة، فإن قطر التي تستعد لتنظيم أكبر تظاهرة كروية في العالم، وهي كأس العالم لكرة القدم في 2022، تحتاج إلى الابتعاد عن الدخول في مشاكل حادة في المنطقة. رفضت إيران عبر الاتحاد الإيراني لكرة القدم، وفق بعض المصادر الصحفية، طلبات سعودية بنقل المباريات بين فرق سعودية وإيرانية في دوري أبطال آسيا من طهران إلى الدوحة وطلب الإيرانيون أن تقام هذه المباريات في لبنان.

ويبدو أن السعودية، التي تمضي بقوة نحو تكريس موقعها في قيادة العالم العربي، تريد الكثير من الدول العربية والخليجية تحديدا. وتريد بوضوح من كل جميع الدول الصديقة لها أن تقف بصفها لا أن تسعى للقيام بوساطة بينها وبين إيران. وقد ظهر هذا في بعض الكتابات الصحفية في الصحف السعودية ومن أمثلة ذلك ما أورده «طارق الحميد» في مقاله في صحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان «السعودية وإيران لحظة الحقيقة»، حيث قال إن اللعب مع إيران أصبح على المكشوف وعلى الجميع اتخاذ مواقف واضحة وأن المنطقة انتهت من لعبة الوساطات والمبادرات الدعائية وما داموا يكذبون على بعض الدول، وهذه الدول تكذب عليهم فإن قطع السعودية للعلاقات مع إيران يؤمن الوصول إلى ما سماه لحظة الحقيقة التي لن يكون ما بعدها مثل ما قبلها داعيا إلى اشتراك الجميع في إيقاف إيران عند حدها.

وقريبا منه ذهب الصحفي السعودي «جمال خاشقجي» في مقاله الأخير الذي طالب فيه برفع شعار إما أن تكونوا معنا أو ضدنا، ما وصفه مراقبون أنه دعوة إلى تدشين حقبة جديدة من السياسة الخارجية السعودية تجاه حلفائها قبل أعدائها.

وفق المعطيات الحالية، تبدو الدوحة منحازة سياسيا بشكل رسمي ضمن التحالف السعودي. ولكنها ستسعى إلى منع تفاقم الأزمة والعمل على حلها عبر الطرق السلمية في ظل الحاجة للاستقرار في منطقة تعد من أهم موارد وممرات الطاقة في العالم. كما ستحافظ الدوحة على خطها الاستراتيجي في تجنب أي تصعيد مباشر ضد طهران واتخاذ المواقف، حال لزم الأمر، ضمن الإطار الخليجي.

الدوحة في المقابل قد لا تكون في مرمى القصف الإيراني بشكل مباشر مقارنة بالسعودية. ولكن يبقى من المؤكد أن الدوحة أمام موازنة صعبة، وبخاصة أن التصعيد السعودي الإيراني لم يصل إلى سقفه بعد. وأن المزيد من الانحيازات والمواقف قد تدفع إليها الدوحة، على غير رغبتها، خلال الفترة المقبلة.

  كلمات مفتاحية

السعودية قطر إيران إعدام نمر النمر العلاقات السعودية القطرية العلاقات القطرية الإيرانية

العلاقات العمانية الإيرانية: هل تغرد السلطنة خارج السرب؟

المعضلة الإماراتية في موازنة العلاقات بين السعودية وإيران

التداعيات المحتملة للقطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران

قطر ومصر تؤكدان التضامن مع السعودية وتدينان الهجوم على سفارتها في طهران

إتفاقية بين قطر وإيران لإنشاء منطقة إقتصادية حرة مشتركة

موقف الدوحة «الحذر» بين الرياض وطهران