هبوط أسعار النفط: ماذا خسرت مصر؟

الثلاثاء 12 يناير 2016 07:01 ص

تسبح أسعار النفط في أدنى مستوى لها منذ 12 عاماً، وهي مستويات سعرية لم يكن أكثر المحللين تشاؤما يتوقعها في السابق، إذ صمدت أسعار النفط فوق المئة دولار مدة طويلة، قبل أن تبدأ مشوار الانهيار في نهاية عام 2014، لكن السؤال المهم الذي يشغل أذهان الكثيرين وينشغل به أغلب المحللين يتعلق بالرابحين والخاسرين من التغيرات الحادة في سوق النفط العالمي.

نعلم ويعلم الجميع أن الدول النفطية تعاني من تراجع الايرادات عندما تهبط الأسعار، وتراجع الايرادات ينعكس سلباً على موازناتها العامة، وهذه حقيقة لا جدال فيها، رغم أن التأثير يتباين من دولة لأخرى ويتغير بحسب الاقتصاد، فدولة مثل السعودية تنام على أحد أكبر الاحتياطيات النقدية في العالم لا يمكن أن تتأثر بهبوط الأسعار مثل روسيا التي تواجه واحدة من أسوأ الأزمات المالية في تاريخها، كما أن دولة مثل قطر تنام على ثالث أكبر احتياطي غاز في العالم، لا يمكن أن تتأثر كما هو الحال بالنسبة للعراق، الذي يعاني وضعاً اقتصادياً بائساً وبالغ السوء بسبب انهيار أسعار النفط.

ومع اتضاح الصورة نسبياً بالنسبة للدول المنتجة للنفط، فإن السؤال الذي يبدو مهماً وملحاً يتعلق بالدول غير النفطية التي يظن البعض أنها تستفيد من هبوط أسعار النفط على اعتبار أنها ستشتري الوقود والمحروقات والطاقة بأسعار أقل مما كانت تشتري في السابق، وفكرة الاستفادة من هبوط الأسعار بالنسبة للمستهلكين واردة وصحيحة نسبياً، لكنها ليست مطلقة ودائمة الحدوث في كل الأماكن والأزمنة، وعدم انطباقها ينسحب اليوم تماماً على مصر التي تخسر بهبوط النفط ولا تستفيد.

فرغم أن مصر ليست دولة نفطية، ولا تنام على بحيرات من البترول، كما هو حال دول الخليج، فإن الفائدة التي تجنيها اليوم من هبوط الأسعار تظل بالغة المحدودية، بل المؤكد لدينا أن الاقتصاد المصري يتضرر من الانهيار في أسواق النفط أكثر من تضرر الدول المنتجة ذاتها، وإليكم الأسباب: 

أولاً: منذ الانقلاب العسكري في مصر، وتحديداً منذ مطلع عام 2014 حصلت مصر على منح نفطية مجانية متوالية من السعودية والإمارات والكويت، تغطي نسبة كبيرة من استهلاكها من الوقود (خلال العام الأول من الانقلاب قدمت السعودية وحدها نفطاً مجانياً لمصر بقيمة 3.2 مليار دولار)، في الوقت الذي قامت فيه الحكومة بتخفيف دعمها عن المحروقات، في محاولة لتخفيف النفقات الحكومية العامة. وهو ما يعني أن هبوط وارتفاع أسعار النفط لم يكن ذا تأثير كبير على الاقتصاد في مصر خلال العامين الأخيرين، بسبب أن نسبة كبيرة من النفط الوارد كان منحاً مجانية أصلاً، وهو ما ينفي احتمالات أن يستفيد الاقتصاد المصري من تراجع الأسعار، كما هو حال غيره من المستهلكين في العالم.

ثانياً: هبوط أسعار النفط الى المستويات المتدنية التاريخية الراهنة وغير المتوقعة أدى الى تبدد الآمال بأن تواصل دول الخليج إمداد النظام في مصــر بالمساعـــــدات المالية التي تدفقت خلال عــــامي 2013 و2014 على شكل هبات وودائع بالعملات الأجنبـــــية وقروض بشــــروط ميسرة، وهي المساعدات التي قال الرئيــــس المصــــري عبد الفــــتاح السيسي عشية انتخــــابه رئيساً إنها تجـــــاوزت العشرين مليار دولار، وهذه المساعدات هي التي أنقذت الاقتصاد من الانهيار في حينها، وعندما تراجــــع حجمها عــــام 2015 وصل الجنيه الى أدنى مستوياته أمام العملات الأجنـــبية، وأصبح الدولار الأمريكي ـ ولأول مرة – بثمانية جنيهات، الأمر الذي يدفع الى الاعتــقاد بأن عام 2016 سوف يكون أصعب على الاقتصاد المصري في ظل غياب الدعم النقدي الخارجي.

ثالثاً: هبوط أسعار النفط دفع دول الخليج إلى تبني موازنات متحفظة ومتقشفة، وهو ما يؤدي الى تراجع واردات الدول النفطية عموماً، الأمر الذي يعني تراجع صادرات مصر الى الخارج، حيث تقول الأرقام الرسمية إن أكثر من نصف الصادرات المصرية تذهب إلى دول الخليج، وأغلبها إلى السعودية، وهو ما يعني أن مصر تعتمد في تجارتها الخارجية على الدول النفطية، التي قررت خفض إنفاقها العام وتشديد موازناتها اعتباراً من عام 2016 بسبب انهيار أسعار النفط.

رابعاً: تمثل قناة السويس مصدراً مهماً للعملة الأجنبية التي ترد إلى الاقتصاد المصري، ولا مناص من أن تتأثر الحركة في القناة سلباً بسبب التحولات في أسواق النفط، فقناة السويس تعمل حالياً بنصف طاقتها الاستيعابية، ومع ذلك فإن أعداد السفن التي تمر عبرها سيتراجع بسبب هبوط متوقع في واردات دول الخليج، وبسبب أن شحنات النفط أصبحت تتجه من الخليج شرقاً نحو آسيا بعد أن غيرت الولايات المتحدة من سياساتها النفطية مؤخراً.

خامساً: هبوط أسعار النفط وخفض الإنفاق العام في دول الخليج سيعني بالضرورة تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج، إذ أنه يوجد 8 ملايين مصري يعملون في الخارج، نصفهم في السعودية، و20٪ منهم موزعون على دول الخليج الأخرى، فيما يتوزع 30٪ منهم فقط على مختلف أنحاء العالم، وهو ما يعني أن أغلبهم سيتأثر بخفض الانفاق، وتتأثر تبعاً لذلك تحويلاته المالية إلى وطنه الأم.

خلاصة القول، إن الاقتصاد المصري يواجه مرحلة جديدة من الأزمة التي يعاني منها، والعملة المحلية (الجنيه) قد تسجل مزيداً من الهبوط خلال العام الحالي، خاصة مع استمرار التراجع في احتياطي النقدي الأجنبي الذي يدور حالياً حول مستوى الـ16 مليار دولار فقط، مقارنة مع 38 مليار دولار كانت في خزائن البنك المركزي نهاية عام 2010.

  كلمات مفتاحية

مصر الاقتصاد المصري أسعار النفط أسواق النفط العالمية الدول النفطية السعودية الاحتياطي النقدي السعودي روسيا الأزمة المالية الروسية قطر العراق