مصالح مشتركة ومبدأ مقدس.. 5 دلالات رئيسية لزيارة الرئيس الصيني إلى السعودية

الأحد 11 ديسمبر 2022 09:55 ص

سلطت شبكة CNN الضوء على الدلالات الرئيسية لزيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى السعودية، الأسبوع الماضي، مشيرة إلى سنوات من التقدم في العلاقات بين البلدين أثمرت عددا من الاتفاقيات تؤشر إلى "حقبة جديدة" للشراكة الصينية العربية.

وذكرت الشبكة الأمريكية، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن "شي"، الذي بدأ زيارته الأربعاء وغادر الرياض الجمعة، حرص على إظهار قيمة الصين لنظرائه العرب كأكبر مستهلك للنفط في العالم، وكيف يمكن أن تسهم في نمو المنطقة، بما في ذلك في مجالات الطاقة والأمن والدفاع، مشيرة إلى أن مراقبين ينظرون إلى الزيارة على نطاق واسع باعتبارها "ازدراء آخر لواشنطن"، من جانب بكين والرياض.

وأضافت أن الولايات المتحدة، التي طالما احتفت بتحالفها الاستراتيجي مع السعودية لأكثر من 8 عقود، تجد اليوم شريكها القديم باحثا عن أصدقاء جدد، من بينهم الصين، التي تخشى واشنطن من توسيع نطاق نفوذها في جميع أنحاء العالم.

وفيما يلي الدلالات الخمس الرئيسية من زيارة "شي" إلى السعودية، حسبما أوردت الشبكة الأمريكية:

1 - توافق السعودية والصين في معظم السياسات:

فخلال زيارة "شي"، أصدرت السعودية والصين بيانًا مشتركًا من 4 آلاف كلمة تقريبًا يحدد موقفهما في مجموعة كبيرة من القضايا السياسية، ويعد بتعاون أعمق في عشرات الملفات الأخرى، ومنها أبحاث الفضاء والاقتصاد الرقمي والبنية التحتية.

كانت الرياض وبكين حريصتان على إظهار اتفاقهما على معظم السياسات الرئيسية بشأن قضايا مثل البرنامج النووي الإيراني وحرب اليمن والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما نوه إليه الكاتب والمحلل السعودي "علي الشهابي"، قائلا: "هناك توافق كبير للغاية بشأن القضايا الرئيسية (..)هذه العلاقة كانت تتطور بشكل كبير خلال السنوات الست الماضية، لذا كانت هذه الزيارة تتويجًا لتلك الرحلة."

كما اتفقت الدولتان على التعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والعمل معًا على تطوير التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وابتكار قطاع الطاقة.

وفي هذ الإطار قال "جوناثان فولتون"، الزميل غير مقيم في المجلس الأطلسي: "هل تتفق الدولتان في كل قضية؟ على الأرجح لا ، لكن كلا منهما أقرب ما يكون من أي وقت مضى.

2 - خطط كبيرة للأم ن والنفط:

كان الاتفاق غير المكتوب بين السعودية والولايات المتحدة تقليديًا بمثابة تفاهم على أن المملكة توفر النفط بينما توفر الولايات المتحدة الأمن وتدعم المملكة في حربها ضد الأعداء الإقليميين، أي إيران ووكلائها المسلحين.

غير أن المملكة حرصت مؤخرًا على الابتعاد عن هذه الاتفاق، قائلة إن تنويع العلاقات ضروري لرؤية الرياض الحالية.

وخلال قمة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، قال "شي" إن الصين تريد البناء على التعاون الحالي في مجال الطاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين.

كما أكد الزعيم الصيني أن بلاده ستواصل "استيراد النفط الخام بطريقة متسقة وبكميات كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي من دول المجلس.

وهنا تشير الشبكة الأمريكية إلى أن الصين هي أكبر مشتر للنفط في العالم، وأن السعودية هي أكبر مورد لها، وأن شركة النفط الوطنية السعودية العملاقة "أرامكو" ومجموعة "شاندونج" الصينية للطاقة أعلنتا، الجمعة، أنهما تستكشفان التعاون في مجال التكرير المتكامل وفرص البتروكيماويات في الصين.

 وجاء  هذا الإعلان وسط نقص عالمي في الطاقة، فضلا عن مناشدات متكررة من الغرب لمنتجي النفط لزيادة الإنتاج.

ونفذت المملكة هذا العام بالفعل أحد أكبر استثماراتها في الصين باستثمار أرامكو لـ  10 مليارات دولار في مصفاة ومجمع للبتروكيماويات في شمال شرق الصين.

كما تحرص الصين على التعاون مع السعودية في مجال الأمن والدفاع، وهو مجال مهم كان محجوزًا في السابق لحليف المملكة الأمريكي.

لكن الرياض باتت منزعجة مما تعتبرها تهديدات متزايدة من إيران وتراجع للوجود الأمني الأمريكي في المنطقة، ولذا وجهت نظرها في شراء الأسلحة مؤخرا إلى الشرق، وهكذا فعل جيرانها الخليجيون أيضا.

 

3 - عدم التدخل في الشؤون الداخلية مبدأ مشترك ومقدس:

 أحد أكثر المفاهيم قداسة التي تعتز بها الصين هو مبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، والذي كان منذ الخمسينيات من القرن الماضي أحد المثل العليا للدولة.

وما بدأ باعتباره المبادئ الخمسة للتعايش السلمي بين الصين والهند وميانمار في عام 1954، تم تبنيه لاحقًا من قبل عدد من الدول التي لم ترغب في الاختيار بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.

واليوم، تحرص السعودية على تبني هذا المفهوم في خطابها السياسي، وهي تمشي على حبل مشدود بين حلفائها الغربيين التقليديين والكتلة الشرقية وروسيا، حسبما تشير CNN، لافتة إلى أن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية يعني عدم التعليق على السياسة المحلية أو انتقاد سجلات حقوق الإنسان.

وذكر تقرير الشبكة الأمريكية أن إحدى العقبات الرئيسية التي تعقد علاقة السعودية بالولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، هي الانتقاد المتكرر للسياسة الداخلية والخارجية، وكان أبرز ما يتعلق بتلك السياسيات مقتل كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست "جمال خاشقجي"، وحرب اليمن والسياسة النفطية للمملكة.

وأشارت إلى أن الصين لديها استياء مماثل تجاه الغرب وسط مخاوف دولية بشأن تايوان، وهي جزيرة محكومة ديمقراطيًا يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة وتزعم بكين أنها ضمن أراضيها، فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد الأويجور والمجموعات العرقية الأخرى في منطقة شينجيانج بغرب الصين.

وفي هذا الإطار، يعلق "الشهابي" على التوافق السعودي الصيني حول هذا مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بقوله:  إن"هذا المبدأ المتفق عليه يعني أيضًا أنه يمكن مناقشة الشؤون الداخلية على انفراد عند الحاجة، ولكن لا يمكن طرحها علنًا مثل السياسيين الغربيين، الذين عادة ما يفعلون ذلك لأغراض سياسية محلية". 

4 – لا تخلي عن البترودولار:

خلال زيارته ، حث "شي" نظراءه في دول مجلس التعاون الخليجي على "الاستفادة الكاملة من بورصة شنغهاي للبترول والغاز كمنصة لإجراء مبيعات النفط والغاز باستخدام العملة الصينية (اليوان)، وهي خطوة من شأنها أن تجعل الصين أقرب إلى هدفها المتمثل في تعزيز عملتها دوليًا، وإضعاف الدولار الأمريكي بشكل كبير.

وفي حين، انتظر كثيرون قرارات بشأن التحول المزعوم من الدولار الأمريكي إلى اليوان الصيني فيما يتعلق بتداول النفط، لم تصدر أي إعلانات على هذا الصعيد في زيارة "شي"، ولم تؤكد بكين والرياض شائعات بأن الجانبين يناقشان التخلي عن البترودولار.

ويرى المحللون أن القرار تطور منطقي في علاقة الطاقة بين الصين والسعودية، لكنهم يقولون إنه ربما يستغرق المزيد من الوقت.

وفي السياق، قال "الشهابي": "إن التخلي عن البترودولار أمر حتمي في نهاية المطاف لأن الصين كأكبر عميل للمملكة لديها نفوذ كبير، على الرغم من أنني لا أتوقع أن يحدث ذلك في المستقبل القريب".

5-  واشنطن ليست سعيدة:

   كانت الولايات المتحدة هادئة إلى حد ما في ردها على زيارة "شي". وفي حين أن التعليقات الأمريكية عليها كانت قليلة، يتوقع بعض المراقبين أن هناك قلقًا متزايدًا خلف الأبواب المغلقة.

وقال "جون كيربي"، منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، في بداية الزيارة إنها "لم تكن مفاجئة" أن يسافر "شي" إلى الشرق الأوسط، والولايات المتحدة "تدرك التأثير الذي تحاول الصين تنميته حول العالم ".

وقال "شاوجين تشاي"، الأستاذ المساعد في جامعة الشارقة: "هذه الزيارة قد لا توسع نفوذ الصين بشكل جوهري، لكنها تشير إلى استمرار تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة".

ومع ذلك ، كانت السعودية حريصة على رفض مفاهيم الاستقطاب الإقليمي والدولي، معتبرة ذلك غير مفيد لها وللمنطقة، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية، الأمير "فيصل بن فرحان آل سعود"، في مؤتمر صحفي يوم الجمعة، قال فيه إن المملكة "تركز على التعاون مع جميع الأطراف"، مضيفا: "المنافسة شيء جيد ، وأعتقد أننا في سوق تنافسية، وجزء من هذا الدافع للتنافسية يأتي مع التعاون مع أكبر عدد ممكن من الأطراف".

وأضاف أن السعودية تشعر أنه من المهم أن تشارك بشكل كامل مع شريكتها التقليدية، الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاقتصادات الصاعدة الأخرى، مثل الصين.

ويرى "فولتون"، في هذا الصدد، أن الأمريكيين ربما يرون أن رسائلهم كانت غير فعالة للغاية بشأن هذه القضية، إذ عادة ما تلقي "المحاضرات" على الشركاء حول العمل مع الصين "بدلاً من وضع استراتيجية متماسكة تعمل مع حلفائها".

وأضاف: "يبدو أن هناك انفصالًا كبيرًا بين رؤية الكثير من الدول للصين وبين رؤية الولايات المتحدة. ويرجع الفضل في ذلك إلى المسؤولين في واشنطن، أعتقد أنهم بدأوا  يدركون ذلك".

المصدر | سي إن إن - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية الصين بكين تايوان الولايات المتحدة شي جين بينغ

السعودية: فشل مفاوضات النووي الإيراني سيدخل المنطقة في خطر كبير

السعودية: مصالحنا مع واشنطن ستظل قوية رغم الاختلافات

بومبيو عن التقارب السعودي الصيني: إهانة الحلفاء تدفعهم نحو خصومنا

اتفاقية شي وبن سلمان الاستراتيجية.. ترقية رمزية للعلاقات السعودية الصينية

إيران في قلب الديناميكيات المتغيرة بين الصين ودول الخليج

لحظة الشرق الأوسط.. هكذا تقيم بكين نتائج زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية