خطط محتملة لمشاركة أجانب بصندوق قناة السويس.. هل تتحول إدعاءات 2013 لحقيقة؟

الخميس 22 ديسمبر 2022 05:21 م

زادت تصريحات رئيس هيئة قناة السويس في مصر، الفريق "أسامة ربيع"، الخميس، حول مسألة إنشاء صندوق مستقل للقناة، من التكهنات حول احتمال لجوء القاهرة لتقليل سيادتها وسيطرتها على القناة كأحد أهم المرافق المصرية المرتبطة بالاقتصاد والأمن القومي.

وأعادت هذه التصريحات التذكير بادعاءات تم الترويج لها خلال عهد الرئيس الراحل "محمد مرسي" أول رئيس مصري منتخب، حينما قدمت حكومته مشروعا لتنمية محور القناة.

ووفقا لما صرح به "ربيع"، الخميس، عن ترحيب الصندوق المزمع إنشاؤه لقناة السويس بمشاركة مستثمرين أجانب، فإن الادعاءات التي قيلت خلال "مشروع مرسي" قد تتحول إلى حقيقة فعلية خلال الفترة المقبلة.

ماذا قال "أسامة ربيع"؟

خلال مؤتمر صحفي له بمقر هيئة قناة السويس، الخميس، حاول رئيس الهيئة الفريق "أسامة ربيع"، والذي شغل سابقا منصب قائد القوات البحرية بالجيش المصري، تهدئة المخاوف التي اشتعلت بعد موافقة البرلمان على مشروع قانون إنشاء صندوق لقناة السويس، وهو القانون الذي يمكن ذلك الصندوق من تأسيس الشركات و" شراء أو بيع أو تأجير أصول تابعة له".

وفي تصريحاته، قال "ربيع" إن الصندوق السيادي المقترح للقناة يمكن أن يرحب بمشاركة مستثمرين أجانب لكن لن يكون لهم سيطرة على الممر المائي.

وأضاف أن الصندوق يهدف للمساعدة في حماية موارد القناة وتوفير تمويل لإعادة الاستثمار، إضافة للمساعدة في مواجهة أي أزمات غير متوقعة.

ما هي تداعيات الصندوق المزمع على الاقتصاد المصري؟

يعارض مشروع القانون طيف واسع، من بينهم معارضون للسلطة، ونواب حاليون بالبرلمان الذي تسيطر عليه السلطات الأمنية، وحتى مسؤولين سابقين، من بينهم رئيس هيئة قناة السويس السابق الفريق "مهاب مميش"، لمنحه الصندوق حق شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة.

وعلاوة على ذلك، هناك أيضا مخاوف من تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري الذي يعاني حاليا من تدهور غير مسبوق.

ما هي مخاوف المعارضين؟

خلال تمرير البرلمان للقانون، حاول نواب التصدي للمسألة باعتبارها تخطيا لكل الخطوط الحمر فيما يتعلق بأهم مرفق اقتصادي للبلاد وأيضا توسعا في مسألة إنشاء الصناديق الخاصة، التي أثبتت التجربة المصرية أنها أحد أكبر العوائق التي تمنع الدولة من إقرار موازنة عامة قوية، نظرا لأن  تلك الصناديق تضم مبالغ هائلة بعيدة عن الموازنة العامة.

ما سبق هو ما قاله النائب عن حزب "الوفد الجديد"، "محمد عبدالعليم داود"، خلال جلسة التصويت، والذي اعتبر أن "إنشاء صندوق بهيئة قناة السويس هو بمثابة تفريغ مصر من أموالها، وتحويل المال العام إلى مال خاص. وهذا المشروع يمثل خطراً داهماً على الدولة المصرية".

أما النائب "إيهاب منصور"، والذي يمثل "حزب "المصري الديمقراطي" فكان أكثر تفصيلا في تلك المسألة، حينما قال إن "عدم وحدة الموازنة أحد العيوب الأساسية للسياسة المالية العامة للدولة، ومصر تعاني من زيادة عدد الصناديق والحسابات الخاصة التي وصل عددها إلى 7 آلاف صندوق، وكان فائضها العام الماضي وحده نحو 36 مليار جنيه، لم يستقطع منها سوى 3 مليارات جنيه لدعم الموازنة".

واستخدم النائب عن حزب "التجمع"، "عاطف مغاوري" مصطلح "مغارة علي بابا" لوصف هذا الأمر، قائلا: "أربأ بهيئة قناة السويس أن تلحق بمغارة علي بابا المسماة بالصناديق الخاصة. ومشروع القانون المطروح هو تشوه تشريعي؛ لأن قناة السويس ليست مرفقاً عادياً للدولة، وإنما هي تجسيد لإرادة الشعب المصري".

ما هي وجهة نظر الحكومة؟

في فعاليات المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طرح رئيس البلاد "عبدالفتاح السيسي"، لأول مرة مقترح إنشاء صندوق هيئة قناة السويس، ليكشف، حينها، أن الهيئة اعتادت أن توجه دخلها إلى الموازنة العامة (وزارة المالية فقط) ليُسأل بعدها رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس عما تملكه الهيئة في ذلك الوقت من أموال، ليرد بأنها لا تمتلك أي أموال ليكون الأمر بمثابة المفاجأة غير المتوقعة.

كيف لا تمتلك أكبر هيئة اقتصادية في مصر أي ملاءة مالية؟.. يقول مؤيدو القانون إن الإجابة على هذا السؤال هي أفضل تفسير لسعي "السيسي" لإنشاء صندوق خاص للهيئة، قائلين إنه يسعى للوصول إلى أن يكون هذا الصندوق له ملاءة مالية لا تقل عن 300 أو 400 مليار جنيه (16 مليار دولار) خلال 4 سنوات.

وتقول الحكومة إن صندوق قناة السويس المزمع يستهدف زيادة قدرة هيئة القناة على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق هيئة قناة السويس وتطويره، من خلال الاستغلال الأمثل لأمواله وفقًا لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها، والمساعدة على تمكين هيئة قناة السويس من مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو سوء في الأحوال الاقتصادية.

ويضيف مؤيدو القانون أن قناة السويس ثبت أنها تعاني أزمة كبيرة في توفير المستلزمات المالية للقيام بأعمال التطوير للمرافق الخاصة بالهيئة، وكذلك عدم تمكنها من القيام بالأنشطة الاقتصادية والاستثمارية على نحو يسمح لها بمواجهة التحديات التي يواجهها مرفق قناة السويس في الوقت الراهن، نتيجة ضعف الأداء الاقتصادي العالمي، وتراجع معدلات التجارة العالمية كأثر لتداعيات فيروس كورونا.

تناقض واضح

لكن تلك النقطة الأخيرة تحديدا قد تتناقض مع الأرقام التي أعلنتها هيئة قناة السويس ذاتها خلال الفترة القليلة الماضية، وأكد عليها "أسامة ربيع" خلال مؤتمره الصحفي، الخميس.

"ربيع" قال إن القناة حققت ما قيمته 7.9 مليار دولار أرباح في العام الحالي، بزيادة 25 % عن عام 2021، كما حققت زيادة في عدد السفن التي تمر عبر القناة، في فترة كورونا عن أي قناة أخرى.

وأوضح الفريق "أسامة ربيع" أن عدد السفن التي تسير بقناة السويس بلغ نحو 23 ألف و800 سفينة بزيادة 15.3% في عدد السفن عن العام الماضي، ونتوقع 8 مليار إيرادات من القناة خلال العام المقبل.

وأشار إلى أن حوالي 80 سفينة تمر يوميًا في القناة.

مما سبق، يتضح أن قناة السويس لا تعاني من أزمة مالية تدفع السلطة للتفكير في إنشاء صندوق لمساعدتها على تخطي تلك التداعيات، كما يقول المؤيدون.

عودة إلى "مشروع مرسي"

ضمن تبريراتهم لمشروع صندوق قناة السويس الجديد، يقول المؤيدون إن القناة ليست المجرى الملاحي فقط، لكنها شريان مرتبط بأنشطة استثمارية متعددة يمكن أن تتحول إلى وسيلة تدر موارد ضخمة لهيئة القناة والبلاد.

هذه الفلسفة تحديدا هي ما استند إليها مشروع سابق تم تقديمه حلال عهد الرئيس المنتخب الراحل "محمد مرسي" أوائل  عام 2013، وعرف باسم "مشروع إقليم قناة السويس"، حيث كان يستهدف تأسيس ما يمكن اعتباره إقليما شاملا محيطا بالقناة يكون بمثابة قبلة للاستثمار المتعلق بهذا المرفق الحيوي.

حينها، تم طرح المشروع من قبل مؤسسة الرئاسة المصرية في حوار مجتمعي، وحوار آخر كان أكثر خصوصية شارك به الجيش، والذي أبلغ "مرسي" تحفظه الكامل على المشروع بسبب سماحه لمستثمرين أجانب وخليجيين في ضخ أموال واستثمارات بـ"إقليم القناة".

وحينها، اعتبر الجيش ذلك، مسألة تضر الأمن القومي، وهو ما رد عليه حينها "مرسي" بالطلب من الجيش وضع كافة ملاحظاته في هذا الإطار، واعتبارها مسألة منتهية، متعهدا بتنفيذها بالكامل مراعاة لمقتضيات الأمن القومي.

لكن ما حدث، آنذاك، هو أن حملات إعلامية انتشرت في كافة الوسائل المحلية وبعض المنافذ الإعلامية الإقليمية (الإماراتية تحديدا) أطلقت ادعاءات بأن حكومة "مرسي" قررت بيع قناة السويس للأجانب، وكان الحديث يدور عن القطريين تحديدا.

نبذة عن مشروع "إقليم قناة السويس"

المشروع تضمن إقامة منطقة تنمية كاملة صناعية وزراعية وتجارية وخدمية وتكنولوجية عرضها بين 7-10 كيلومترات بطول القناة بالكامل (193 كيلومترا) ويهدف إلى جذب المستثمرين من مصر وجميع أنحاء العالم.

واستهدف المشروع إقامة إقليم متكامل اقتصاديا وعمرانيا ومكانيا ولوجستيا، ما بين مينائي شرق التفريعة في الشمال، ومينائي العين السخنة والسويس في الجنوب، ليمثل مركزا عالميا في الخدمات اللوجستية والصناعية، وتركز خطة التطوير هذه على تنمية محافظات القناة الثلاث، وهي الإسماعيلية وبورسعيد والسويس.

كان المشروع المفترض يتكون من أربع مراحل: أولها إنشاء محطات الترانزيت التي تختص بتفريغ الحاويات ثم يعاد تصديرها كما هي، وفي المرحلة الثانية يتم إعداد وإنشاء مراكز التوزيع، حيث يتم فيها تفريغ الحاويات البترولية والسيارات في الموانئ المحورية، ويتم توزيعها كما هي، ولكن لأماكن متفرقة.

وفي المرحلة الثالثة تقام على أطراف هذه الموانئ خدمات لوجيستية، وفي المرحلة الرابعة يتم إنشاء مناطق لوجيستية وخدمية، والتي تستوعب الموانئ المحورية على طول خط القناة، لتنتقل إلى المناطق الصناعية واللوجيستية التي تتمركز على أطراف القناة ليعاد تصنيعها وتوزيعها.

وكان من المفترض أن تكون مساحة المحور الخدمي والتنموي للمشروع سبعة آلاف كيلومتر، ليضم خمسة محافظات هي السويس وبورسعيد والإسماعيلية وشمال سيناء وجنوب سيناء.

وتصل قيمة العائدات التي كانت متوقعة بانتهاء المراحل الأربع إلى مئة مليار دولار، وهو نفس الرقم الذي روج مؤيدو السيسي إلى تحقيقه بعد إنشاء التفريعة الجديدة.

الاستثمارات الأجنبية

ويرى محللون أن الاستثمارات الدولية التي كان يريد "مرسي" جلبها إلى "إقليم قناة السويس"، في ذلك الوقت، وأثارت حفيظة الجيش وفجرت حملة ادعاءات حول نيته بيع قناة السويس، كانت منطقية اقتصاديا ويسهل مراعاة مقتضيات الأمن القومي بها، مقارنة بمجئ تلك الاستثمارات ضمن صندوق خاص له الإمكانية القانونية لبيع أو تأجير أصوله الثابتة والمنقولة.

ويتساءلون: إذا كان رئيس هيئة قناة السويس الحالي الفريق "ربيع" يقول إن الاستثمارات الأجنبية لن يكون لها سيطرة على المجرى الملاحي للقناة، فلماذا رفض الجيش تلك الاستثمارات ضمن مشروع إقليم القناة في 2013 رغم أنها كانت أيضا بعيدة تماما عن مسألة السيطرة عل المجرى الملاحي؟

واقعيا، يبدو أن السلطة المصرية الحالية ستمضي في طريقها لإقرار مشروع قانون هذا الصندوق الجديد، رغم استمرار كرة الثلج في التدحرج لمعارضة هذا القرار، فما الذي سيحدث خلال الفترة المقبلة؟

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قناة السويس بيع قناة السويس صندوق قناة السويس أسامة ربيع محمد مرسي إقليم قناة السويس الاقتصاد المصري

السيسي: لن نخفض تمويل المشاريع رغم شح الدولار.. وصندوق القناة سيكون محصنا

كارنيجي: صندوق قناة السويس يمنح الجيش العملة الصعبة بلا رقابة ويحرم الدولة منها