7 مؤشرات فارقة في زيارة الرئيس الصيني للسعودية (تحليل)

السبت 24 ديسمبر 2022 10:14 ص

سلط "جرانت روملي"، الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الضوء على تقييم زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" الأخيرة إلى السعودية ولقائه زعماء المنطقة، مشيرا إلى 7 مؤشرات فارقة لنتائج الزيارة.

وذكر "روملي"، في تحليل نشره الموقع الرسمي للمعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن الشركات الصينية وقعت، خلال الزيارة، ما لا يقل عن 34 اتفاقية مع شركات بالمنطقة، في صفقات تقدر قيمتها بنحو 50 مليار دولار، لافتا إلى أن اللهجة التي وصف بها الرئيس الصيني العلاقات مع دول المنطقة جديرة بالملاحظة أيضًا، وتتناقض بشكل حاد مع نظيرتها لدى الرئيس الأمريكي "جو بايدن".

وأوضح أن "شي" شدد على شراكة جديدة ذات آفاق مشرقة مع السعودية والدول العربية، في حين اعتبر "بايدن"، خلال زيارته لجدة  في يوليو/تموز الماضي، أن العلاقة مع السعودية بحاجة إلى تعديل.

1- النفط والطاقة

وبينما تطرق "بايدن" و"شي" إلى قضايا النفط والطاقة في كلا الزيارتين، ظل تناول هذه القضايا مختلفا؛ إذ اتفقت الولايات المتحدة والسعودية على "التشاور بانتظام بشأن أسواق الطاقة العالمية" والتعاون "كشريكين استراتيجيين" في مبادرات الطاقة، بينما دعا "شي" إلى تداول معاملات النفط والغاز الطبيعي مع دول مجلس التعاون الخليجي باليوان الصيني بدلا من الدولار الأمريكي.

وتثير بكين قضية تداول معاملات الطاقة بالليوان مع المسؤولين الإقليميين منذ سنوات، ولكن دون تقدم يذكر.

لكن "روملي" يشير، في هذا الصدد، إلى أن تقارير صحفية نقلت مؤخرا عن مسؤول سعودي أن المملكة قد تبدأ في بيع كميات صغيرة من النفط باليوان قريبًا، لكن الوقت المناسب لهذا البدء "لم يحن بعد".

2- التجارة والاستثمار

وفي سياق متصل، قامت كل من الصين والولايات المتحدة بتسويق مبادرات استثمار أجنبي لدول الشرق الأوسط ومناطق أخرى، لتكون مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI)، في مواجهة مبادرة واشنطن لشراكة البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII).

وبدا أن المسؤولين العرب مهتمون بمبادرة الحزام والطريق خلال قممهم متعددة الأطراف مع "شي"، الذي أكد اهتمامه بالتعاون في مجالات البنية التحتية والتصنيع والقطاعات الأخرى.

وفي البيانات المشتركة الصادرة مع السعودية، اختلفت اللغة المحيطة بالمبادرتين بشكل كبير؛ إذ صاغ البيان الأمريكي السعودي مشاريع "PGII" على أنها حاسمة للأمن القومي وانتقال الطاقة العالمي، بينما أكد البيان الصيني السعودي على "أهمية" تزامن مبادرة الحزام والطريق مع رؤية "السعودية 2030"، وهي مبادرة التنمية الاقتصادية الأساسية في الرياض.

ثمة ملف آخر في هذا الإطار، هو اتفاقية التجارة الحرة المحتملة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، التي تمثل طموحا طويل الأمد لدى بكين.

وهنا يشير "روملي" إلى أن المناقشات حول هذه الاتفاقية تعود إلى عام 2004 وكانت موضوعًا متكررًا لمحادثات "شي"، على الرغم من عدم إعلانه عن أي صفقة خلال زيارته إلى السعودية.

3- الدفاع والأمن

وبرز ملفا الأمن الإقليمي خلال زيارة "بايدن" إلى جدة؛ ففي قمة دول مجلس التعاون الخليجي، قال: "سنحافظ على القدرة والعزم المطلق على قمع التهديد الإرهابي أينما وجد.. وسنواصل جهودنا لمكافحة الإرهاب بالعمل مع تحالف عريض من البلدان، بما في ذلك الجميع من حولنا على هذه الطاولة".

كما أكد بيان جدة "بقوة" التزام الولايات المتحدة بـ"الدفاع" عن السعودية وتعهد بمواصلة تسهيل جهود المملكة "للحصول على القدرات اللازمة" لتحقيق هذه الغاية.

وعلى الرغم من عدم الإعلان عن مبيعات أسلحة كبيرة خلال زيارة "بايدن"، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقتين مهمتين للدفاع الجوي بعد شهر من الزيارة.

ووافقت السعودية على شراء 300 صاروخ لنظام الدفاع الجوي باتريوت (بقيمة 3.05 مليار دولار)، في حين وافقت الإمارات على شراء صواريخ ومحطات قيادة وتحكم لنظام الدفاع الجوي "ثاد" بقيمة 2.25 مليار دولار.

وفي المقابل، كانت قضايا الدفاع أقل بروزًا في البيانات العامة المحيطة برحلة "شي"؛ حيث سلط خطابه الافتتاحي في السعودية الضوء على العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية أولاً، ثم عرض الالتزامات الصينية القياسية بوحدة أراضي دول المنطقة والاستقرار الإقليمي ثانيا.

وهنا يشير "روملي" إلى أن بكين تدعم "رؤية لعلاقات أمنية دولية تتناقض مع التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة"، مشيرا إلى تأكيد البيان الصيني السعودي المشترك "عزمهما على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية"، وتعزيز تبادل المعلومات في مكافحة الإرهاب والتطرف، وتبادل الخبرات "في مجالات استخبارات مخاطر الإنذار المبكر".

وكرر البيان الصيني الخليجي المشترك التعهد بالتعاون "لمنع تمويل وتسليح وتجنيد" الجماعات الإرهابية في المنطقة، لكن حتى الآن لم يتم الإعلان عن أي مبيعات أسلحة صينية جديدة إلى دول المنطقة.

4- أنشطة إيران

والمثير للدهشة، حسبما يرى "روملي"، أن التصريحات الأمريكية والصينية، في زيارتي "شي" و"بايدن"، بدت متشابهة بشأن إيران ونشاطها الإقليمي.

فـ"بايدن" أكد لدول مجلس التعاون الخليجي أن الولايات المتحدة ستعمل عن كثب مع الشركاء الإقليميين "لمواجهة التهديدات.. التي تشكلها إيران على المنطقة"، كما أعاد التأكيد على التزام الولايات المتحدة بـ "ضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي".

كما جاء البيان الصيني المشترك مع دول مجلس التعاون أكثر صرامة من تصريحات بكين السابقة بشأن الملف النووي، داعية إيران إلى "التعاون الكامل" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ففي الماضي دأبت بكين على الدعوة إلى "حوار" بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية وأطراف أخرى في الاتفاق النووي لعام 2015.

كما أن الصياغة الخاصة بأنشطة إيران غير النووية في البيان الصيني الخليجي المشترك كانت غير مسبوقة؛ ففي اجتماعات سابقة مع دول عربية وخليجية، قامت الصين بمعايرة بياناتها بعناية لتجنب إثارة غضب طهران.

لكن البيان الأخير، حث صراحةً على النقاش الإقليمي لمعالجة "أنشطة إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار" و"دعمها للجماعات الإرهابية والطائفية والمنظمات المسلحة غير الشرعية"، وهي الموضوعات التي نادراً ما تذكرها بكين علناً.

وشدد البيان على أن العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي يجب أن تقوم على "مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".

ولذا سارع المسؤولون الإيرانيون إلى انتقاد هذه التصريحات، وندد متحدث باسم وزارة الخارجية بها، مؤكدا أن طهران "لم تغادر" الاتفاق النووي. كما استدعت الوزارة السفير الصيني في اليوم التالي للقمة للتعبير عن "الاستياء".

وإزاء ذلك، كانت عملية "ضبط الضرر" في بكين سريعة أيضًا؛ ففي 13 ديسمبر/كانون الأول، تم إرسال نائب رئيس الوزراء "هو تشون هوا" إلى طهران لتخفيف التوتر، بينما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن دول مجلس التعاون الخليجي وإيران "جميعهم أصدقاء للصين".

وبالمثل، أشاد سفير الصين لدى الأمم المتحدة بـ"الموقف المرن الأخير" لطهران وأعرب عن أمله في أن تلتقي الولايات المتحدة وغيرها بإيران "في منتصف الطريق".

5- البرامج النووية المدنية

ترتبط أنشطة إيران بطموح لدى بعض الدول الخليجية، لا سيما السعودية، لإنشاء برنامج للطاقة النووية السلمية، وهو البرنامج الذي لم يحقق أي تقدم يذكر حتى الآن.

وتوقفت المفاوضات السعودية مع واشنطن، في عهد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"؛ بسبب الخلافات حول شروط منع الانتشار النووي، على الرغم من تقديم الشركات الأمريكية عطاءات لبناء محتمل لمفاعلات سلمية.

 وبدا من تعليقات "بايدن" في يوليو/تموز، خلال زيارته إلى جدة، إقراره بهذا المأزق، فقد تحدث عن شراكات الطاقة النووية في سياق التعاون بمجال الطاقة النظيفة، لكنه لم يقل أي شيء آخر في هذا الشأن.

وفي المقابل، أعرب الرئيس الصيني مرارًا عن اهتمامه بتعزيز التعاون بشأن "الاستخدام السلمي للطاقة النووية"، وأكد في قمة دول مجلس التعاون الخليجي رغبة بلاده في إقامة منتدى مشترك للتكنولوجيا النووية السلمية.

وسبق أن أعلنت بكين عن عدة مشاريع نووية مع السعودية؛ ففي عام 2020 أفادت تقارير بأن الصين ساعدت السعودية في بناء منشأة لاستخراج اليورانيوم، ما دفع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى إثارة مخاوف بشأن الانتشار النووي السعودي.

6- تكنولوجيا الاتصالات

تعد الاتصالات الرقمية أحد المجالات الرئيسية التي تثير قلق الولايات المتحدة في علاقة الصين ودول المنطقة؛ إذ تضمنت رحلة "بايدن" إلى جدة مذكرة مشتركة حول ربط الشركات الأمريكية والسعودية من أجل تعزيز جهدين: نشر تقنية الجيل الخامس باستخدام شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة، وتمكين تطوير شبكات الجيل السادس من خلال تقنيات مماثلة.

ولطالما شعرت الولايات المتحدة بالقلق من اعتماد بعض دول المنطقة بشكل مفرط على شركات التوريد الصينية في قطاع الاتصالات، فيما أشار الرئيس الصيني، خلال زيارته إلى السعودية، إلى أن التعاون الفضائي مع الرياض "يكتسب زخمًا".

وفي عام 2021، وقعت هيئة الفضاء السعودية اتفاقية مع وكالة الفضاء الصينية للقيام بمهمة مشتركة في محطة الفضاء تيانجونج عام 2022.

وأثناء زيارة "شي"، ذكرت وسائل الإعلام الصينية أن المهمة ستتم "قريبًا" لكنها لم تقدم تاريخا محددا، كما دعا "شي" دول المنطقة الأخرى إلى المشاركة في بعثات مشتركة في المحطة.

7- تأييد مواقف الصين

كما لفت "روملي" إلى أن زيارة "شي" إلى السعودية كشفت عن تأييد وسع لمواقف الصين من تحدياتها الخاصة بملفات تايوان وهونج كونج وإقليم شينجيانج، حيث أكدت جيبوتي ومصر والكويت والسلطة الفلسطينية على دعم سياسات بكين تجاه هذه الملفات، رغم ارتباط الأخير باتهام السلطات الصينية بارتكاب إبادة جماعية ضد مسلمي الإيجور.

وبينما لم تخض اجتماعات "شي" مع قادة الجزائر ولبنان وموريتانيا وقطر والسعودية في تفاصيل هذه الملفات، إلا أنها تضمنت دعمًا لمبدأ "الصين الواحدة" ومصالح بكين الأوسع.

كما تضمنت اجتماعات الرئيس الصيني مع قادة البحرين والعراق والصومال والسودان دعمًا واسعًا للمصالح الصينية لكنها لم تذكر أي تفاصيل.

وأكد البيان الختامي للقمة الصينية العربية على "الالتزام الثابت للدول العربية بمبدأ الصين الواحدة" ، والرأي القائل بأن "تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية"، ورفض "استقلال تايوان بجميع أشكاله" ، وتأييد "الموقف الصيني في ملف هونج كونج".

المصدر | معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية الصين جو بايدن شي جين بينغ مجلس التعاون الخليجي

معهد واشنطن: هل تعيد السعودية النظر في سياساتها النووية؟.. وما دور الصين وباكستان؟

اتفاقية شي وبن سلمان الاستراتيجية.. ترقية رمزية للعلاقات السعودية الصينية