سياسة جديدة.. هل قررت الصين الانحياز لدول الخليج على حساب إيران؟

الخميس 5 يناير 2023 05:23 م

شكلت زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" إلى السعودية في 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي نقطة تحول في سياسة بكين تجاه دول الخليج العربي.

وتضمنت هذه الرحلة التي استغرقت 3 أيام 3 قمم: واحدة بين الرئيس "شي" وولي العهد السعودي نيابة عن الملك "سلمان"؛ والثانية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، والثالثة بين الصين وجامعة الدول العربية.

وكما هو متوقع، كانت رحلة "شي" إلى الرياض مدفوعة بشكل أساسي بالاهتمام بالطاقة وسط التقلبات المستمرة في أسواق الطاقة العالمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

وتعد السعودية أكبر مورّد للنفط الخام إلى الصين منذ عام 2020، وتخطط بكين لزيادة استيراد النفط والغاز الطبيعي المسال من المنطقة.

وبصرف النظر عن 34 اتفاقية بقيمة 30 مليار دولار تم توقيعها في قطاعات البنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات والطاقة الخضراء، تستعد بكين والرياض لتوسيع شراكتهما الاستراتيجية في وقت تزداد فيه علاقات الدولتين مع الولايات المتحدة توتراً.

وخلال قمته مع دول مجلس التعاون الخليجي، أشار الرئيس "شي" إلى أن زيارته تنذر بـ"حقبة جديدة" في الشراكة الصينية العربية.

وفي القمة الأولى بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، اتفقت جميع الأطراف أيضًا على تبني خطة عمل مشتركة مدتها 5 سنوات للحوار الاستراتيجي وتطوير شراكتهم في مختلف القضايا الأمنية والاقتصادية، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني والقضايا الإقليمية.

وما جعل القمة الصينية الخليجية غير متوقعة بالنسبة لطهران، هو البيان المناهض لإيران الذي وقعه "شي" مع دول مجلس التعاون الخليجي حيث جعلت البيانات المشتركة التي صدرت خلال القمة الصينية الخليجية رجال الدولة في طهران يتساءلون عما إذا كان هناك تحول في استراتيجية بكين تجاه منطقة الخليج، خاصة في ظل تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها الأمنية هناك.

وأشار هذا البيان غير المتوقع إلى إيران على أنها "داعمة للجماعات الإرهابية"، و"ناشرة للطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية"، و"تزعزع الاستقرار والأمن الإقليمي".

كما دعا إيران إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، والتوصل إلى حل سلمي مع دولة الإمارات بشأن قضية منع انتشار الأسلحة النووية وقضية الجزر الثلاث المتنازع عليها بين الجانبين.

ورداً على ذلك، استدعت طهران على الفور السفير الصيني بشأن البيان المشترك مع مجلس التعاون الخليجي، مؤكدة أن جزر أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى الواقعة في الخليج هي أجزاء لا تنفصل عن إيران أبديا.

ويبدو أن هناك تغير في موقف الصين المحايد تجاه منطقة الخليج العربي، ومن شأن الانحياز إلى دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران أن يهدد التوازن الصيني في الخليج. وبالرغم أنه ليس من السهل مناقشة إذا كانت الصين تفضل دول مجلس التعاون الخليجي على إيران في الخليج العربي، إلا أن هناك دوافع متعددة المستويات والأبعاد تكشف عن دوافع تحرك الصين الأخير.

أولاً، تحول موقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه الصين بشكل كبير.

تتطور الشراكة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في ظل السياق العالمي والإقليمي المتغير. ولطالما أظهر قادة دول مجلس التعاون الخليجي مخاوفهم المتزايدة بشأن العواقب الأمنية لفك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة.

وتتوقع دول مجلس التعاون الخليجي أن تقدم الصين الدعم لها في صد نفوذ إيران الإقليمي وردع أنشطتها العسكرية.

وبالنسبة للصين، يتمثل الجزء الأصعب في تعميق العلاقات الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي في إدارة علاقاتها مع إيران.

لكن مع التحديات التي تواجهها إيران حاليا واشتداد التوتر مع الغرب، تتحرك الصين بشكل أقل حذرًا نحو تعزيز شراكتها مع خصوم طهران في المنطقة.

علاوة على ذلك، تجد ممالك الخليج نفسها في وضع غير مسبوق لتأكيد استقلاليتها الاستراتيجية.

ومن خلال تعميق الشراكة الاستراتيجية مع الصين، تهدف الأنظمة الملكية العربية إلى إرسال رسالة إلى واشنطن مفادها أن لديها خيارات بديلة.

وكان أحد دوافع الرياض في توسيع العلاقات العسكرية مع الصين هو توفير المزيد من الخيارات لنفسها ردًا على الضغوط الغربية وحظر الأسلحة ضد السعودية في حرب اليمن.

وبالرغم أن مشاركة الصين المتزايدة في الخليج العربي لا تهدف إلى استبدال الولايات المتحدة، على الأقل في المدى المتوسط، فإن الدول العربية لديها نزعات متزايدة لإشراك الصين في الشؤون الإقليمية.

ثانيًا، تُظهر مستويات المشاركة المتزايدة في الخليج أن الصين تسعى إلى لعب دور أكبر في تشكيل الترتيبات الإقليمية.

وبالرغم أن ترتيب الأوضاع الفوضوية في الشرق الأوسط ليس أولوية صينية، توصلت بكين إلى استنتاج مفاده أن دور الصين النشط في هذه المنطقة يمكن أن يوفر أداة فعالة لتحقيق التوازن أمام السياسة الأمريكية المتعلقة بالتركيز على آسيا.

لذلك يبدو في السنوات الأخيرة أن سياسة الصين تجاه الخليج تعتمد على تقريب شركاء أمريكا الاستراتيجيين من نفسها، مع تجنب التورط في النزاعات الإقليمية وتحديداً قضية إيران.

علاوة على ذلك، كلما زاد تأثير الصين على القطاعات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي، زادت القوة التي ستكتسبها لموازنة تفوق الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط الأوسع.

ثالثًا، بالنسبة للصين، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي شركاء اقتصاديين (وفي مجال الطاقة) أكثر موثوقية من إيران التي تخضع لعقوبات. كما إن توجه الصين نحو الخليج مدفوع بشكل أساسي بالحفاظ على الوصول إلى موارد الطاقة.

وتستورد الصين حوالي 32% من نفطها الخام من دول مجلس التعاون الخليجي. في غضون ذلك، تفقد إيران حصتها في واردات الطاقة الصينية واستثماراتها.

وقد انخفضت صادرات النفط الإيرانية بشكل كبير بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة في مايو/أيار 2019، ويشعر المشترون الصينيون دائمًا بالقلق من علاقات الطاقة مع إيران الخاضعة للعقوبات.

وبينما تتوقع طهران أن تستثمر الصين حوالي 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني، وفقًا لاتفاقية تعاون استراتيجي مدتها 25 عامًا تم توقيعها في مارس/آذار 2021، لا تزال الشركات الصينية متخوفة من الاستثمار في إيران.

وعلى عكس توقعات إيران، وقعت الصين أيضًا صفقة غاز ضخمة مدتها 27 عامًا مع قطر، وتتضمن تزويد الصين بـ 4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا.

ويمكن القول إن الاتجاه الناشئ في الخليج هو أن تعمق الصين علاقاتها متعددة الأبعاد مع السعودية والإمارات وقطر بينما تترك إيران في العراء.

((4))

رابعًا، نظرًا إلى توقف محادثات إحياء الاتفاق النووي والاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، قد تفضل بكين لعبة الانتظار في إدارة علاقاتها مع طهران. وبسبب عدم وجود آفاق واعدة لتنشيط الاتفاق النووي واستمرار العقوبات الأمريكية، سيظل الصينيون متخوفين من الاستثمار في الاقتصاد الإيراني المنهك.

ووسط تزايد حالة عدم اليقين بشأن احتمالات الاستقرار السياسي والاقتصادي داخل إيران، تفضل الصين اتباع سياسة "الانتظار والترقب" تجاه إيران. والحقيقة المرة بالنسبة لصانعي السياسة الإيرانيين هي أن الصين لا ترى إيران كشريك استراتيجي ضد الولايات المتحدة.

في غضون ذلك، يشعر القادة الصينيون بالثقة أن إيران ليس لديها أي بديل آخر غير الصين في موازنة العداء الأمريكي، وبالتالي توصلوا في حساباتهم إلى أن انحياز الصين إلى مجلس التعاون الخليجي ضد إيران لن ينتج عنه رد فعل قاس من طهران.

والآن هناك مخاوف متزايدة في طهران من أن "النظر إلى الشرق" قد لا يخدم المصالح الوطنية لإيران.

وفي الصورة الأكبر، يبدو أن الصين بدأت في مراجعة سياستها التقليدية المتمثلة في تحقيق التوازن في الخليج في أعقاب حرب أوكرانيا. ومع ذلك، فإن انخراط بكين المتزايد في الخليج العربي لا يعني بالضرورة أن الصين تهدف إلى استبدال الولايات المتحدة وتمويل نظام أمني جديد.

وتستعد الصين بشكل متزايد لمواجهة الولايات المتحدة، لذلك فإن شركاء مثل إيران (التي لم تتوصل إلى رؤية واضحة حول نوع الشراكة التي تريدها مع الصين) تم استبعادهم من الأولوية الصينية في الخليج. لكن لا يزال من السابق لأوانه استنتاج أن الصين أدارت ظهرها لإيران لأن استراتيجية الصين الكبرى تعتمد على العمل مع جميع دول المنطقة.

على المدى القصير، بالرغم من رغبة دول مجلس التعاون الخليجي المتزايدة لإشراك الصين في المنطقة جيوسياسيًا، ستظل بكين تعطي وزناً أكبر للاعتبارات الجيو-اقتصادية، وستظل الصين الصين تحجم عن تحدي الترتيبات الأمنية الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة في منطقة الخليج.

وفي المستقبل المنظور، سيظل الحفاظ على الاستقرار والأمن في الخليج لضمان تدفق الطاقة أحد مجالات التقارب القليلة بين الولايات المتحدة والصين.

**لقراءة النص الأصلي China’s Shifting Persian Gulf Policy: Is It Favoring The GCC Over Iran?

المصدر | فالي جول محمدي/ أوراسيا فيو – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الصين إيران السعودية مجلس التعاون الخليجي العلاقات الصينية الخليجية العلاقات الصينية الإيرانية الاتفاق النووي

علاقات تتجاوز الاقتصاد.. إلى أين يمضي التقارب الاستراتيجي الصيني العربي؟

جيوبوليتكال: هكذا تؤثر حرب أوكرانيا على علاقات السعودية مع القوى العظمى

النفط وروسيا والصين.. ملفات ساخنة تحدد العلاقات الأمريكية الخليجية في 2023

حولتها لمستعمرة.. كيف تؤثر القنصلية الصينية في إيران على أمريكا؟

العلاقات الصينية الإيرانية.. التعاون صعب حال فشل إحياء الاتفاق النووي

الرئيس الإيراني في الصين.. 20 وثيقة تعاون وتعهد بالحفاظ على الصداقة

النفوذ الصيني في الخليج يتصاعد.. الوساطة السعودية الإيرانية ليست الخطوة الأولى