إيران ليست المستفيد الوحيد.. دور غامض لكوريا الشمالية في سوق السلاح بالشرق الأوسط

السبت 21 يناير 2023 10:05 ص

"بيونج يانج لا تزال موردا مهما للأسلحة لدول المنطقة، لا سيما إيران، والجهات الفاعلة غير الحكومية، وحتى بعض حلفاء الولايات المتحدة في بعض الأحيان".. هكذا سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على دور "غامض" لكوريا الشمالية في سوق السلاح الإقليمي، وتصاعد الاهتمام البحثي به خلال الآونة الأخيرة.

ونقل الموقع البريطاني، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"،  عن "بروس بيكتول"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "أنجيلو ستيت"، قوله: "لا تزال إيران تعتمد بشدة على كوريا الشمالية في الحصول على الأسلحة التقليدية، مثلما فعلت أثناء الحرب الأهلية السورية".

وأضاف: "يذهب الكثير من هذه الأسلحة إلى وكلاء، مثل حركة الحوثي وحزب الله والميليشيات الإيرانية. لكن المقاتلين الإيرانيين يستخدمونها أيضًا"، مشيرا إلى أن الدافع الرئيسي لتعاون بيونج يانج مع طهران "مالي وليس أيديولوجيًا".

وعن تاريخ تصدير كوريا الشمالية للأسلحة إلى دول المنطقة، أورد الموقع البريطاني أن حقبة الثمانينات شهدت تصدير أسلحة كورية شمالية رخيصة وغير متطورة إلى البلدان النامية، وأن ما يصل إلى 90% من هذه الأسلحة ذهبت إلى إيران وليبيا.

وعندما انهار الاتحاد السوفييتي، عام 1991، أصبحت بيونج يانج يائسة ومعزولة بشكل متزايد، ومع اقتراب اقتصادها من حافة الهاوية، كانت أكثر استعدادًا لبيع أسلحة متطورة إلى الشرق الأوسط لكسب المال.

وخلال تلك الفترة، عرضت إسرائيل استثمار مبلغ كبير في الاقتصاد الكوري الشمالي المتعثر مقابل ضمانات من بيونج يانج ألا تبيع صواريخ بعيدة المدى لأعداء تل أبيب في الشرق الأوسط. لكن الصفقة لم تتحقق أبدًا، بسبب معارضة شديدة من واشنطن، المتشككة في مدى التزام بيونج يانج.

وفي السياق، قال "بيكتول": "كانت صادرات بيونج يانج إلى الشرق الأوسط بعد عام 1991 أكثر أهمية بكثير من تلك التي كانت خلال الحرب الباردة"، مشيرا إلى تصديرها صواريخ "نو دونج"، و"موسودان"، وعناصر من صاروخ "تايبو دونج" إلى إيران.

واشترت سوريا "سكود سي" و"سكود دي" من كوريا الشمالية "بالإضافة إلى أسلحة كيماوية"، حسبما أشار "بيكتول" أيضا، مضيفا: "لقد باع الكوريون الشماليون عددًا كبيرًا من الأسلحة التقليدية لكل من الدولتين وكذلك للوكلاء".

ورغم أن بيونج يانج وطهران تمتعتا بسنوات من التعاون العسكري، لكن "بيكتول" يقول إن شائعات تبادل التكنولوجيا بين البلدين "غير صحيحة على الإطلاق"، موضحا: "كوريا الشمالية هي البائع وإيران هي المشتري. وبرامج الصواريخ الخاصة بكوريا الشمالية تسبق إيران بكثير".

عملاء غير حكوميين

ليس سراً أن الأسلحة الكورية الشمالية غالباً ما ينتهي بها الأمر في أيدي جهات فاعلة غير حكومية في الشرق الأوسط، واليمن يقدم مثالاً توضيحيًا على ذلك.

ففي عام 2002، استولت البحرية الأمريكية على سفينة شحن كورية شمالية تحمل 15 صاروخًا باليستيًا من نوع سكود في طريقها إلى اليمن، لكنها سرعان ما أطلقت سراحها لأن التسليم لم يكن غير شرعي بموجب القانون الدولي.

وفي عام 2015، وبعد وقت قصير من تدخل السعودية في الحرب الأهلية اليمنية، بدأ الحوثيون في إطلاق صواريخ باليستية كانوا قد استولوا عليها من الترسانة العسكرية اليمنية السابقة.

وكانت تلك الصواريخ على الأرجح هي نفسها التي سلمتها بيونج يانج في وقت سابق للجيش اليمني، وجميعها معدلة عن سكود، مثل هواسونج -6.

وبينما تم تخصيص تلك الأسلحة الكورية الشمالية للجيش اليمني السابق، سعت بيونج يانج أيضًا إلى تسليح الحوثيين بشكل مباشر في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض على اليمن.

وفي عام 2019، كشفت لجنة من خبراء الأمم المتحدة أن كوريا الشمالية زودت المتمردين الحوثيين في اليمن بـ"أسلحة صغيرة وخفيفة ومعدات عسكرية أخرى" بوساطة مهرب أسلحة سوري.

كما سعت بيونج يانج إلى "تزويد الحوثيين بمجموعة واسعة من الأسلحة التقليدية والصواريخ الباليستية".

مبيعات لحلفاء أمريكا

واشترت قوى شرق أوسطية أخرى، متحالفة اسمياً مع المصالح الأمريكية، أسلحة كورية شمالية، بعضها حديث نسبياً.

ففي عام 2017 ، تم الكشف عن طلب رجال أعمال مصريين 30 ألف قذيفة صاروخية من بيونج يانج كجزء من صفقة بقيمة 23 مليون دولار نيابة عن الجيش المصري.

ودفعت الشحنة إدارة "ترامب" إلى تجميد 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر. وفي هذا الوقت تقريبًا، زعمت القاهرة أنها "قطعت جميع العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية"، والتي تعود إلى حقبة الحرب الباردة.

وفي هذا الإطار، يرى "سكوت كارداس"، محلل شؤون آسيا والمحيط الهادي بشركة "Rane" المتخصصة في تقييم المخاطر: "تحافظ مصر على علاقات ودية مع كوريا الشمالية، ولكن من المرجح للغاية أن المصريين لا يستوردون أسلحة كورية شمالية، مع الالتزام بوعدهم في عام 2017 حيث ستخسر مصر أكثر بكثير مما يمكن أن تكسبه بشراء أسلحة كورية شمالية".

وقبل ذلك بعامين، اشترت دولة الإمارات العربية المتحدة أسلحة من كوريا الشمالية بما قيمته 100 مليون دولار لاستخدامها في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن. أجرت أبوظبي هذه الصفقات باستخدام شركات خاصة لتجنب أي عقوبات أمريكية محتملة.

ويشير "كارداس"، في هذا الصدد، إلى أن "الإمارات لن تعرض نفسها لعقوبات انتهاك العقوبات بشراء أسلحة كورية شمالية لنفس الأسباب مثل مصر".

ويعتقد "كارداس" أن إيران قد ترغب في العمل مع كوريا الشمالية لتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، ما يمنحها المزيد من الخيارات على سلم التصعيد".

وأضاف: "سيكون هذا مماثلا لما تفعله كوريا الشمالية في تطوير أسلحتها كمحرك لسياستها الأمنية والتعامل مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة"، مضيفا أن إيران لن تعتمد على كوريا الشمالية في أنظمة أو مواد ولكن في الاستفادة من الخبراء والمستشارين لتطوير برامجها الخاصة.

وبينما تستمر مبيعات الأسلحة الكورية الشمالية إلى المنطقة، يشكك "كارداس" في أنها كبيرة كما كانت في العقود الماضية، قائلا: "من المحتمل أن تكون مبيعات الأسلحة الكورية الشمالية إلى الشرق الأوسط آخذة في التراجع، لكن من الصعب تتبعها بسبب عدم شفافية صفقاتها".

وأشار إلى أن "الدول التي تندرج تحت المظلة الأمنية الأمريكية من غير المرجح أن تنتهك العقوبات (بحق كوريا الشمالية)، لأنها ستخسر أكثر بكثير مما ستكسبه".

منافسة كوريا الجنوبية

مع انخفاض مبيعات الأسلحة الكورية الشمالية في الشرق الأوسط، تزداد حصة كوريا الجنوبية باستمرار، حيث قامت سيول بالفعل بإبرام صفقات أسلحة كبيرة مع دول المنطقة.

وعلى سبيل المثال، تعد مدافع الهاوتزر التركية ذاتية الدفع T-155 Firtina من نوع رخصته مبنية على نظام K9 Thunder المصنع في كوريا الجنوبية.

وشاركت مدافع T-155 بشكل متكرر في عمليات قتالية تركية عبر الحدود في سوريا والعراق على مدار العقد الماضي. كما تعتمد دبابة القتال التركية "ألطاي" بشكل كبير على نظام دبابة K2 Black Panther الكورية الجنوبية.

وفي يناير/كانون الثاني 2022، أصبحت الإمارات أول مشتر لنظام الدفاع الجوي الكوري الجنوبي Cheongung II KM-SAM بعد توقيع عقد بقيمة 3.5 مليار دولار.

وفي السنوات الأخيرة، استحوذ العراق على 20 طائرة تدريب كورية جنوبية من طراز T-50 Golden Eagle، ما يؤشر إلى أن مبيعات الأسلحة من سيول إلى الشرق الأوسط ستزداد في السنوات القادمة.

وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، زار ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان" كوريا الجنوبية وأعرب عن استعداده لتوسيع التعاون العسكري الثنائي.

كما اقترح رئيس كوريا الجنوبية أن تنتج الرياض وسيول الأسلحة بشكل مشترك على الأراضي السعودية.

وسبق أن أظهرت الرياض استعدادًا لتوسيع صناعة الأسلحة المتواضعة لديها، ما يجعلها أقل اعتمادًا على الواردات الأجنبية. وبالتالي، فإن زيادة التعاون العسكري بين البلدين لن يكون مفاجئًا.

يشار إلى أن كوريا الجنوبية توفر لمشتري معداتها العسكرية عمليات نقل تقنية كبيرة، ما يمكّن الدول الحاصلة عليها من بناء أنظمتها بشكل مستقل في نهاية المطاف، كما فعلت تركيا في تصنيع T-155 وألطاي.

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كوريا الشمالية الشرق الأوسط إيران مصر الإمارات بيونج يانج كوريا الجنوبية

توقعات بنمو سوق التوظيف بالشرق الأوسط إلى 86.1 مليار دولار بحلول 2028