الممر الأوسط.. هل تنحاز الصين للتحوط الجيوسياسي على حساب روسيا؟

السبت 28 يناير 2023 10:10 ص

رغم زخم الترويج لمشروع الممر الأوسط الأوراسي، الذي يعمل على ربط أوروبا وآسيا بعيدا عن الأراضي الروسية، تبدو الصين غير مصرة تمامًا على المشروع الذي يعاني من التحديات الجيوسياسية وعقبات البنية التحتية.

فغزو روسيا لأوكرانيا غير قواعد اللعبة بالنسبة للربط بين دول منطقة أوراسيا، حسبما يرى المحلل السياسي "إميل أفدالياني"، مشيرا إلى أن الطريق عبر شمال أوراسيا الممتد من الصين إلى أوروبا، كان بمثابة قناة رئيسية بين الطرفين، لكنه أصبح الآن أقل جاذبية نتيجة للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو.

وأوضح "أفدالياني"، في تحليل نشره بموقع مركز "تشاينا أوبزرفر" وترجمه "الخليج الجديد"، أن شحنات النقل بين الصين والاتحاد الأوروبي انخفضت على طول الممر الشمالي بنسبة 40% وفقًا لبيانات أكتوبر/تشرين الأول 2022، وهو واقع جديد جاء بمثابة حافز رئيسي لإيجاد طرق بديلة.

وأكد "أفدالياني" أن موافقة عديد الدول في مثل هذا الإطار الزمني القصير على التقدم في مشروع إقليمي نادر الحدوث في الجغرافيا السياسية، لافتا إلى أن الأشهر التي أعقبت غزو أوكرانيا، أعاد فيها الاتحاد الأوروبي تنشيط سياساته تجاه منطقة البحر الأسود، وشارك بنشاط في آسيا الوسطى من خلال زيارات رفيعة المستوى، وتعهد بتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي، إذ لم تعد بروكسل مستعدة للتجارة مع الصين عبر روسيا، وتضغط الآن من أجل توسيع الممر الأوسط.

أما الدول الصغيرة على طول الممر الأوسط، فصعدت أيضا من لعبتها الدبلوماسية، واغتنم قادة أذربيجان وجورجيا ودول آسيا الوسطى الفرصة الناشئة وبدأوا في التعاون من خلال الزيارات الثنائية وتوقيع مذكرات من شأنها تقليل الرسوم الجمركية وعقبات عبور الحدود.

إن آثار هذا التعاون واضحة في الواقع، حسبما يرى "أفدالياني"، إذ تدفع فرص الاتصال الناشئة الحكومات إلى إعادة النظر في موقفها السابق بشأن المشاريع المتوقفة منذ فترة طويلة مثل ميناء أناكليا البحري العميق في حالة جورجيا أو خط السكك الحديدية بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان، والذي تعهدت الدول المتعاونة ببدء العمل فيه عام 2023.

وفي هذا الإطار، زادت تركيا من نفوذها بآسيا الوسطى بعد انتصار أذربيجان على أرمينيا في عام 2020، وكانت هي البادئة بفاعلية لفكرة الممر الأوسط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولذا يرى "أفدالياني" أنها اليوم أحد اللاعبين الأساسيين الذين يقودون هذا المشروع.

وبدأت سلسلة من عمليات النقل بقطار شحن البضائع في السنوات الأخيرة عبر الممر، وفي فبراير/شباط 2021، وصل القطار إلى الصين قادمًا من مقاطعات تركيا الشرقية بعد رحلة بلغت مدتها ما يقرب من 20 يومًا.

وفي أبريل/نيسان 2022، تم إرسال قطار آخر عبر نفس الطريق، وأشاد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ونظيره الكازاخستاني "قاسم جومارت توكاييف"، خلال قمتهما في أنقرة عام 2022، بـ "نمو عبور البضائع عبر سكة حديد باكو - تبليسي - كارس والممر بين الشرق والغرب الأوسط". وأكد الجانبان على أهمية تعزيز التنسيق بين المؤسسات ذات الصلة من أجل الاستخدام الفعال والمستدام للممر الأوسط.

ومع ذلك، لاتزال الصين هي اللاعب الحاسم الوحيد في المشروع، ودورها مفقود إلى حد كبير، إذ نادرا ما علقت بكين على الممر الأوسط، ولا يكتب المحللون الصينيون سوى القليل عنه. والأهم من ذلك أن بكين لم تستثمر إلا القليل في تطويره.

ويفسر "أفدالياني" تحفظ الصين حتى الآن بأنه "سياسة براجماتية بحتة"، موضحا : "إيجاد طرق بديلة ضرورة كبيرة لبكين بالطبع؛ لأن العبور من خلال روسيا مشكلة. وفي هذا الصدد، يشكل بحر قزوين وجنوب القوقاز، من الناحية الجغرافية، أقصر رابط جغرافي مع أوروبا".

ومع ذلك، فإن مشروع الطريق ليس سهلاً؛ لأنه متعدد الوسائط، أي يتكون من خطوط بحرية وأخرى برية، ويعبر عدة بلدان لم تبذل سوى القليل من الجهد لمزامنة قدراتها العابرة وتطوير البنية التحتية قبل عام 2022.

ولايزال التنسيق المشترك والحوار الفعال بين حكومات تلك بالبلدان مفقودا، ما يعيق بناء بنية تحتية كافية لنقل البضائع.

فعلى سبيل المثال، يمنع الافتقار إلى البنية التحتية في بحر قزوين العبور المريح من موانئ آسيا الوسطى إلى أذربيجان.

ويعاني الجانب الجورجي من البحر الأسود مشاكل مماثلة، خاصة أنه لا يوجد ميناء بحري عميق فيه، كما تم تأجيل بناء ميناء أناكليا بسبب الصراع السياسي في البلاد ولم يتم الإعلان عن خطط البناء الجديدة، الخاصة بالممر الأوسط، إلا مؤخرًا.

وفي عام 2022، استوعب الممر الأوسط 3-5% فقط من التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، ما يحد من اهتمام بكين بالطريق.

كما ساهمت العوامل الجيوسياسية، مثل عدم الاستقرار في جنوب القوقاز، في جعل الممر الأوسط غير جذاب للصين كما قد يبدو للوهلة الأولى، حسبما يرى "أفدالياني"، مشيرا إلى أن النفوذ الروسي هو العامل الأساسي وراء ذلك.

فعلى الرغم من ضعف روسيا الحالي واعتمادها المتزايد بشكل متزايد على الصين، سيتعين على الأخيرة أن تقيس بعناية كيف سترد موسكو على تطوير طريق يلتف عليها من الجنوب في منطقة تسيطر فيها موسكو على 4 قواعد عسكرية.

ستعتمد الكثير من التوقعات على بلاء موسكو في حرب أوكرانيا، إذ ربما يشجعها الانتصار على منع الممر الأوسط من الظهور، ولكن حتى لو هُزمت أو تعثرت في حرب طويلة الأمد، فإن سلوك روسيا سيظل غير متوقع، ما يبقي الصين في حالة من القلق، بحسب "أفدالياني".

ولأن مسار الممر الأوسط من جنوب القوقاز يستمر إما إلى البحر الأسود أو تركيا، والأول حاليًا مسرح للحرب الروسية الأوكرانية، مع فرص محدودة جدًا لتنفيذه، فإن مستقبل ظهور المشروع للنور من عدمه يظل رهينة التوافق الصيني التركي.

وكانت أنقرة وبكين قد عززتا رؤى متنافسة بطبيعتها للربط بين أوروبا وآسيا، بل ظهرت مؤشرات على اشتباك النفوذ التركي والصيني في أذربيجان، ما حد من مشاركة الصين في توسيع الممر الأوسط. لكن بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، يبدو أن الوضع قد تغير، وفتحت تركيا والصين محادثات أكثر نشاطًا حول التعاون على طول الممر الأوسط، منها ما عُقد بمنتدى الاتصالات الصيني التركي في سبتمبر/أيلول 2022.

وركز المنتدى على التكامل بين مبادرة الحزام والطريق الصينية ومشروع الممر الأوسط عبر تركيا، ومع ذلك، لا تزال وتيرة هذا التكامل بطيئة مع اتخاذ خطوات عملية قليلة حتى الآن.

ويخلص "أفدالياني" إلى أن اهتمام الصين قد يزداد بالممر الأوسط المعاد تنشيطه كجزء من استراتيجية تحوطية لبكين، لكنه أشار إلى أن الممرات التجارية نادرا ما ظلت ثابتة تاريخيا، إذ تتكيف الدول باستمرار مع الفرص الناشئة وتتجنب المخاطر الجيوسياسية المحتملة.

ومن المنظور ذاته، يرى المحلل السياسي أن مبادرة الحزام والطريق بعيدة كل البعد عن أن تكون ثابتة، ولكنها تتطور باستمرار وتتكيف مع الظروف المتغيرة.

ورغم أن منطقتي جنوب القوقاز وبحر قزوين لم تحتلا مكانة عالية في وثائق مبادرة الحزام والطريق التي نشرتها بكين، يمكن للمنطقة أن ترتفع لتحتل مرتبة أعلى بين المصالح الصينية وسط نشوء واقع جيوسياسي جديد، خاصة إذا أصبحت روسيا أكثر تهميشًا في الجغرافيا السياسية لأوراسيا، بحسب "أفدالياني"، مشيرا إلى أن "بكين تدرك أن الرهان على روسيا على المدى الطويل هو طريق مسدود".

المصدر | تشاينا أوبزرفر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الصين روسيا الممر الأوسط تركيا أوراسيا

طريق التجارة المتجاوز لروسيا.. 4 تحديات تهدد نجاح الممر الأوسط

الممر الأوسط.. شريان حياة يربط الصين بأوروبا ويحدث ثورة في التجارة العالمية