الممر الأوسط.. شريان حياة يربط الصين بأوروبا ويحدث ثورة في التجارة العالمية

السبت 4 مارس 2023 01:54 م

تُسابق الدول الغربية الأيام لسحب كل أوراق الضغط الاقتصادية والتجارية من يد روسيا، فبعد الغاز والنفط، يأتي الدور على التجارة، وتسعى أوروبا لتعزيز طريق تجاري يربطها بالصين دون الحاجة إلى المرور عبر روسيا، سعيا لزيادة عزلة موسكو.

ووجدت الدول الأوروبية ضالتها بالممر الأوسط، وهو خط تجاري يجمع بين الممرات البرية والبحرية والسكك الحديدية، القادرة على ربط أقصى الصين بقلب أوروبا، ما قد يحدث ثورةً في التجارة العالمية.

يمتدّ الممر الأوسط من الصين، مروراً بكازاخستان، وقيرغيزستان وأوزبكستان، وتركمانستان ليعبر بحر قزوين وصولاً إلى أذربيجان وجورجيا قبل أن يتصل بأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ التركية.

ويسمح هذا المسار، بشحن بضائع الصين وآسيا الوسطى إلى أوروبا، بل هو أقصر طريقٍ بري بين آسيا وأوروبا، ما زاد من أحجام الشحنات فيه بمقدار 6 أضعاف عام 2022.

وتقود ألمانيا الجهود الأوروبية لتقوية البنية التحتية الخاصة بهذا الممر، بحيث تتخلى عن الممر التجاري الشمالي، الذي يربط الصين بأوروبا ويمر عبر روسيا، وظل هذا المعبر الشمالي الخط التجاري المفضل للأوروبيين، إلى أن اندلعت الحرب في أوكرانيا.

في المقابل، تعتبر تركيا من الدول الراعية والداعمة لهذا الممر، وهي المفاوض والمحاور الأساسي لكل الدول التي يعبر منها الممر بداية من الصين وصولا لأذربيجان، وتعتبر من أكبر الدول المستفيدة من هذا الممر الذي سيجعلها نقطة الوصل الحقيقية بين آسيا وأوروبا في نقل البضائع.

ويعد استكمال خط سكة الحديد (باكو- تبليسي ـ كارس) الذي يربط أذربيجان بجورجيا وصولا إلى تركيا من أهم المشاريع التي تركز عليها تركيا، فمن المتوقع أن تصل قدرته الاستيعابية إلى 3 مليارات مسافر و17 مليون طن من البضائع سنويا.

ويُتيح المشروع للصين فرصة تنويع طرق التجارة، لأن استقرارها السياسي والاقتصادي يعتمد على التجارة الدولية، خاصة أنه يتفادى المرور بالمناطق عالية الخطورة مثل إيران وأفغانستان وروسيا ونقاط الاختناق مثل ملقا وسوندا ولومبوك.

ويعدّ الممر ضرورياً لبكين من أجل تنويع محفظة مشروعاتها الجيواقتصادية ، حيث تسعى لإنهاء المشروع عن طريق بناء سكة حديد من قارص إلى أدرنة على الجانب الأوروبي من مضيق البوسفور وذلك مروراً بجسر السلطان سليم الأول ونفق مرمرة .

وعند ربطه بخط سكة حديد باكو – تبليسي – قارص، سيختصر الممر الأوسط الطريق بمسافة 7,000 كيلومتر، كما ستنخفض أوقات الشحن من شهرين إلى أسبوعين، وسيرتفع عدد الركاب من مليون شخص إلى 3 ملايين شخص.

كما من المتوقع أن يزيد حجم البضائع المنقولة من 6 ملايين إلى 15 مليون طن، وسيمثل الممر الذراع المركزي لما تصفه بكين بطريق الحرير الحديدي بحلول عام 2034.

وتشجع كل الظروف على الاعتماد على الممر الأوسط، خصوصا وأن العبور عبر السكك الحديدية الروسية على طول الطريق بين الصين وروسيا وأوروبا ارتفع سعره بحوالي النصف خلال سنة 2021 مقارنة بسنة 2020.

كما أنه مع بداية العام الماضي وحتى قبل اندلاع الحرب كان خط السكك الحديدية بين الصين وروسيا قد بلغ مستواه الأقصى، ولم يعد بالإمكان زيادة حجم الحاويات التي تمر عبره.

واستغلت تركيا قوتها الناعمة لتحقيق المكاسب في آسيا الوسطى، فوقعت شراكات استراتيجية جديدة مع كازاخستان وأوزبكستان، ثم وسّعت نطاق مسؤوليات منظمة الدول التركية التي تضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان بالإضافة إلى تركمانستان والمجر كعضوين مراقبين.

وتعمل الدول المشاركة في الممر على تقوية الاتصال فيما بينها بإضافة الموانئ والعبّارات والقطارات الجديدة، ووضع اللوائح والمعايير الفنية اللازمة لتطوير منظومة متكاملة لإدارة الجمارك والحدود.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن المشروع يواجه مجموعة من التحديات، أبرزها أن بناء سكة حديد عبر بحر قزوين هو أمرٌ ممكن فنياً، لكن موسكو وطهران لديهما حق الاعتراض على مشروع كهذا، لهذا من المرجح أن يظل الممر الأوسط عالقاً في نموذجه المتعدد.

بينما يواجه تعقيدات في تركمانستان وقيرغيزستان، بسبب تهالك بنيتهما التحتية، فيما تُعَدُّ مرافق ميناء تركمانباشي ناقصة التطوير وغير جذابة نتيجة تعريفات الشحن المرتفعة.

بالنسبة لقيرغيزستان، يشكك مشرعوها في أن السكة الحديد يمكنها أن تجلب المكاسب الاقتصادية للبلاد.

علاوة على المخاوف من أن بناء خط سكة حديدية بطول ممر زنغزور وصولاً إلى نخجوان قد يعزل أرمينيا عن إيران، وكذلك يشعر المسؤولون الإيرانيون بالقلق من النزعة الانفصالية داخل مناطقهم التي تهيمن عليها أغلبية عرقية آذرية تحمل اسم أذربيجان الإيرانية.

ولهذا تعارض طهران استخدام ممر زنغزور لأنه قد يُعزز نفوذ باكو بين الإيرانيين الأذربيجانيين.

يعاني المسار الرئيسي عبر جورجيا من حزمة مشكلات خاصة إذ إن مخاوف التهميش من التجارة الإقليمية قد تدفع روسيا إلى استغلال حلفائها الانفصاليين في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وقره باغ لتعكير صفو الأجواء بطول خط سكة حديد باكو-تبليسي-قارص.

في المقابل، تخشى بكين أن يؤدي تركيز أنقرة على التكامل التركي إلى تفاقم النزعة الانفصالية بين الأيجور في سنجان الذين تسببت إساءة معاملتهم في اندلاع التوترات من قبل، لكن تحتل الأعمال التجارية مقعد الأولوية حيث تُعَدُّ الصين ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا.

وبما أن البراغماتية هي السياسة القائمة في الوقت الراهن، يستطيع الممر الأوسط أن يُحدث تحولاً في البنية الجغرافية والاقتصادية لمنطقة أوراسيا، إذ سيقرب الاتحاد الأوروبي إلى دول القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى والصين مما سيعزز مكانة تركيا الإقليمية بالتبعية.

لكن نجاح المشروع سيعتمد بنسبةٍ كبيرة على غياب البدائل القابلة للنجاح، فضلاً عن أن غياب الاستقرار الجيوسياسي بطول الممر الأوسط وخاصةً من القوى الإقليمية التي ستخسر الكثير بسببه قد يؤدي إلى إضعاف جاذبيته.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الممر الأوسط تركيا روسيا عقوبات تجارة عالمية

لمصالح كثيرة.. إيطاليا قد تتخلى عن مبادرة الحزام والطريق الصينية