جولة بلينكن بالمنطقة.. دعوات فاشلة لوقف التصعيد وتأكيد على 7 أهداف أمريكية

الأربعاء 1 فبراير 2023 09:50 ص

عبر ثلاث محطات خلال ثلاثة أيام، شدد وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن"، خلال جولته بالشرق الأوسط، على ضرورة وقف التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأكد على سبعة أهداف أمريكية على المستويين الإقليمي والدولي.

في القاهرة يومي الأحد والإثنين، هيمن التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مباحثات "بلينكن" مع نظيره المصري "سامح شكري" والرئيس "عبدالفتاح السيسي"؛ نظرا لوساطة مصر المتكررة في تهدئة التوترات ووقف إطلاق النار بين الجانبين.

ومنذ فترة، تشهد الأراضي الفلسطينية توترا متصاعدا زادت حدته خلال الأيام الأخيرة بمقتل 9 فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي بمخيم جنين شمالي الضفة الغربية في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، ثم مقتل 7 إسرائيليين برصاص شاب فلسطيني في اليوم التالي بمدينة بالقدس الشرقية المحتلة.

وعقب اجتماع مع "شكري"، قال "بلينكن" في مؤتمر صحفي مشترك، إن "الولايات المتحدة تعمل مع مصر لتقليل التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد التصاعد المرعب في أعمال العنف".

وتأكيدا على موقف بلاده من حل الصراع الممتد منذ عقود، شدد على التزام واشنطن بمبدأ "حل الدولتين" (فلسطينية وإسرائيلية).

ومنذ أبريل 2014، توقفت مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ جراء تنصل تل أبيب من مبدأ حل الدولتين ورفضها وقف البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة وإطلاق دفعة من المعتقلين الفلسطينيين.

كذلك، ناقش "بلينكن" مع "السيسي"، "الجهود الجارية لتهدئة التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، بحسب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية "نيد برايس" في بيان.

انتخابات ليبيا

لكن يبدو أن مباحثات "بلينكن" في القاهرة لم تقتصر على فلسطين جارة مصر، إذ شملت أيضا الأوضاع في دولتين جارتين لها كذلك؛ هما ليبيا والسودان، حيث أكد "برايس"، "أهمية الدعم الدولي الموحد لإجراء الانتخابات في ليبيا".

ومنذ مارس/آذار الماضي تتصارع حكومتان على السلطة في ليبيا، الجارة الغربية لمصر، إحداهما برئاسة "فتحي باشاغا" وكلفها مجلس النواب بطبرق (شرق)، والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة، وهي حكومة الوحدة برئاسة "عبدالحميد الدبيبة"، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.

وبحسب مصادر دبلوماسية أمريكية في القاهرة، نقل عنها صحيفة "العربي الجديد"، فإن إدارة الرئيس الأمريكي "جو بادين" غير راضية عن التحركات المصرية على صعيد الأزمة في ليبيا الغنية بالنفط.

وبحث "بلينكن" في القاهرة، وفق المصادر، ضرورة عمل مصر على دعم الرؤية الأمريكية نحو الذهاب مباشرة للانتخابات في ليبيا، وعدم العمل على تشكيل حكومة انتقالية جديدة، في ظل رفض القاهرة التعامل مع حكومة "الدبيبة"، بدعوى أن ولايتها انتهت وباتت غير شرعية.

وللذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية "في أقرب وقت ممكن"، طرحت الأمم المتحدة مبادرة قادت إلى تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة (نيابي استشاري) للتوافق على قاعدة دستورية لإجراء هذه الانتخابات، لكن هذا المسار متعثر جراء خلافات بين المجلسين، لاسيما بشأن السماح للعسكريين ومزدوجي الجنسية بالترشح للانتخابات الرئاسية.

اتفاق السودان

وبجانب الأزمة الليبية، شدد "برايس" في بيانه على "أهمية الاتفاق السياسي الإطاري للتطلعات الديمقراطية للشعب في السودان (جار مصر الجنوبي)".

وفي 18 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت قوى "إعلان الحرية والتغيير" بالسودان (الائتلاف الحاكم سابقا) رفضها دعوة من الحكومة المصرية للمشاركة في ورشة عمل بالقاهرة حول الأزمة السياسية السودانية، معتبرة أنها متأخرة عن سياق التطورات لاسيما بعد توقيع "الاتفاق الإطاري".

كما اعتبرت قوى الحرية والتغيير أن "الورشة تمثل منبرا لقوى الثورة المضادة، يأملون أن يحتشدوا فيه لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي. هذه القوى مرتبطة بالنظام البائد (نظام الرئيس المعزول عمر البشير 1989- 2019) الذي أضرت سياساته بالبلدين وشعبيهما".

وللوصول إلى اتفاق سياسي نهائي وعادل، بدأت في 8 يناير/كانون الثاني الماضي المرحلة النهائية للعملية السياسية بين العسكريين والقوى المدنية الموقعة على "الاتفاق الإطاري" في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأبرزها قوى" إعلان الحرية والتغيير".

وتهدف المرحلة النهائية إلى التوصل لاتفاق نهائي بشأن خمس قضايا هي: العدالة والعدالة الانتقالية، الإصلاح الأمني والعسكري، مراجعة وتقييم اتفاق السلام، تفكيك نظام 30 يونيو 1989 (البشير)، وقضية شرقي السودان.

ومن أبرز بنود "الاتفاق الإطاري" تدشين مرحلة انتقالية تستمر عامين وتشكيل حكومة مدنية بالكامل وعدم مشاركة العسكريين في الحكم خلال المرحلة الانتقالية.

ويهدف الاتفاق إلى حل الأزمة الممتدة منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حين فرض رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني الفريق "عبدالفتاح البرهان" إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين واعتقال وزراء وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ وإقالة الولاة (المحافظين).

واعتبر الرافضون تلك الإجراءات "انقلابا عسكريا"، بينما قال "البرهان" إنها تهدف إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية" وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.

أمن إسرائيل

في محطته الثانية بإسرائيل، يوم الإثنين، جدد "بلينكن" تأكيد التزام بلاده بأمن إسرائيل عبر ثلاثة مسارات هي: دعم مبدأ حل الدولتين، وتوسيع اتفاقيات التطبيع بين تل أبيب وعواصم عربية، ومنع إيران من امتلاك سلاح نووي.

وعقب مباحثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في القدس، كرر "بلينكن" ضرورة إنهاء التوترات الفلسطينية الإسرائيلية بقوله: "نحض جميع الأطراف الآن على اتخاذ خطوات عاجلة لاستعادة الهدوء ونزع فتيل التصعيد".

وتابع: "هدفنا هو تحقيق المساواة بين المواطنين الإسرائيليين والفلسطينيين (..) كل ما يبعدنا عن حل الدولتين يُضر بأمن إسرائيل على المدى الطويل".

ويعارض أعضاء أقوياء في حكومة "نتنياهو" اليمينية المتطرفة إقامة دولة فلسطينية ويؤيدون ضم الضفة الغربية المحتلة وحل السلطة الفلسطينية، ما يعني نهاية مبدأ حل الدولتين المدعوم من واشنطن والمجتمع الدولي.

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، منح الكنيست (البرلمان) الثقة لحكومة "نتنياهو"، التي وصفتها وسائل إعلام عبرية وعربية ودولية بـ"الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل"، وسط تحذيرات من سياساتها لاسيما المناهضة للشعب الفلسطيني.

اتفاقات التطبيع

ومتطرقا إلى اتفاقيات التطبيع، قال "بلينكن" إنهم يعملون على تعميق "اتفاقات إبراهيم" بهدف توسيع دائرة السلام في المنطقة وتعزيز أمن إسرائيل.

وبوساطة أمريكية، وقّعت أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان عام 2020 اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، التي لا تزال تحتل أراضٍ عربية في فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 5 يونيو/حزيران 1967.

ومن أصل 22 دولة عربية، ترتبط ست دول فقط بعلاقات معلنة مع إسرائيل، وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان إضافة إلى مصر والأردن المرتبطين باتفاقيتي سلام معها منذ عامي 1979 و1994 على التوالي.

نووي إيران

يكاد لا يلتئم اجتماع أمريكي إسرائيلي إلا ويتطرق إلى إيران، وعقب اجتماع مع "نتنياهو" قال "بلينكن" إن بلاده تتفق مع إسرائيل "على أن إيران يجب ألا تمتلك أبدا أسلحة نووية، وناقشنا تعميق التعاون للتعامل مع جهود إيران للإضرار باستقرار المنطقة وخارجها".

وتتهم عواصم إقليمية وغربية، في مقدمتها تل أبيب وواشنطن، طهران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول إيران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار وإن برنامجها النووي مصمم للأغراض السلمية ولاسيما إنتاج الكهرباء.

وتمتلك تل أبيب ترسانة نووية غير خاضعة للرقابة الدولية لأنها لم تقر رسميا بامتلاكها، وتعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها.

الحرب الروسية الأوكرانية

ومتهما إيران بمساعدة روسيا، قال "بلينكن" إن "هذا يؤكد الحاجة إلى مساعدة أوكرانيا أيضا في الجانب الأمني ​​وليس الإنساني فقط".

ومرارا، نفت إيران اتهامات غربية لها بتزويد حليفتها روسيا بطائرات مسيّرة تستخدمها في حرب تشنها في جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022؛ ما دفع عواصم عديدة في مقدمتها واشنطن إلى فرض عقوبات اقتصادية مشددة على موسكو.

ووفق "بلينكن"، فإنه ناقش مع "نتنياهو" قضية مساعدة أوكرانيا.

((4))

وحتى الآن، تتجنب إسرائيل مساعدة أوكرانيا عسكريا "خوفا من رد فعل قاسٍ من موسكو"، التي يمكن أن تعترض الطيران الحربي الإسرائيلي خلال استهدافه المتكرر لما تقول تل أبيب إنها أهداف إيرانية في سوريا (حليفة روسيا وإيران)، وفق وسائل إعلام إسرائيلية بينها صحيفة "يديعوت أحرونوت".

الإجراءات الأحادية

في ختام جولته الثلاثاء، وعقب لقاء مع الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" في رام الله، أكد "بلينكن" التزام واشنطن بحل الدولتين، مشددا على أنه يعارض أي إجراءات أحادية الجانب تحول دون ذلك.

وعدّد ضمن هذه الإجراءات "توسيع المستوطنات أو إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية وأعمال الهدم والطرد وتغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة وبالطبع التحريض على العنف أو الموافقة عليه".

وهذه السياسات المثيرة للجدل، مثل توسيع المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين، على رأس جدول أعمال حكومة "نتنياهو".

لكن وفقا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الثلاثاء، فإن جولة "بلينكن"، "لم تؤت ثمارها بشأن تهدئة الأوضاع المتفجرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، بل و"عمّقت السخط الإسرائيلي والفلسطيني بشأن دور الولايات المتحدة في الصراع طويل الأمد".

ورأت أن "الجانبين أصبحا متشككين بشدة، بل ويحتقران الدعوات المتجددة التي أطلقتها إدارة الرئيس بايدن لحل الدولتين كأفضل ضامن للسلام".

وشددت على أن "بلينكن" غادر المنطقة دون الدعوة إلى جولة جديدة من محادثات السلام، مكتفيا بدعوات إلى الهدوء، مشيرة إلى أن المحاولة الأخيرة للترويج لحل الدولتين كانت في عهد الرئيس الأمريكي السباق "باراك أوباما" عام 2014، لكنها باءت أيضا بالفشل.

وهكذا فإن التدهور الشديد والمفاجئ في الوضع الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين فرض على "بلينكن" خلال جولته إطلاق دعوات "دون جدوى" من القاهرة والقدس ورام الله إلى تهدئة الأوضاع، وهو ما يخدم هدفين أمريكيين هما: إنقاذ مبدأ حل الدولتين وضمان أمن إسرائيل حليفة الولايات المتحدة.

وبجانب هذين الهدفين، أكد "بلينكن" خلال جولته على خمسة أهداف أخرى هي: عدم امتلاك إيران أسلحة نووية، وتوسيع اتفاقات التطبيع بين تل أبيب وعواصم عربية، وإجراء انتخابات في ليبيا، ودعم "الاتفاق الإطاري" في السودان، وأخيرا ضرورة تقديم مساعدات عسكرية إسرائيلية لأوكرانيا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جولة بلينكن محمود عباس أنتوني بلينكن العلاقات الأمريكية الفلسطينية

أكسيوس: بلينكن ضغط على عباس لقبول خطة أمنية تشدد قبضة السلطة على جنين ونابلس

كشف حساب جولة بلينكن.. مزيد من "الشيكات على بياض" لإسرائيل