الطاقة.. كلمة سر زيارة وزيرة خارجية فرنسا إلى الخليج

الأحد 5 فبراير 2023 08:00 ص

تسعى الدول الغربية التي فرضت حظراً على النفط الروسي، إلى استثمار علاقاتها مع دول الخليج العربي لضمان إمداداتها من جهة، ومواجهة التضخم المتسارع للذهب الأسود الذي ينعكس سلباً على اقتصادها من جهة أخرى.

وتأتي زيارة وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية "كاثرين كولونا" إلى السعودية والإمارات، وتوقيعها مذكرات تفاهم في مجالات الطاقة، في هذا السياق، حيث تتفاوض مع الدول النفطية الخليجية لحثها على زيادة إنتاجها، على أمل تحقيق التوازن بين العرض والطلب، ومن ثم خفض الأسعار.

وفي هذا الإطار، شهدت زيارة "كولونا" في السعودية، مذكرة تفاهم للتعاون في قطاع الطاقة، وذلك خلال لقائها مع وزير الطاقة السعودي "عبدالعزيز بن سلمان".

ومذكرة التفاهم، تشمل "تشجيع التعاون بين البلدين في مجالات الكهرباء، والطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وتخزين الطاقة، والشبكات الذكية، والبترول والغاز ومشتقاتهما، والتكرير، والبتروكيماويات، وقطاع التوزيع والتسويق".

كذلك تضمنّت "إجراء بحوث مشتركة مع الجامعات ومراكز الأبحاث وغيرها، وبناء القدرات البشرية من خلال التدريب وتبادل الخبرات في قطاع الطاقة".

وتضمنت المذكرة كذلك "تعزيز التعاون في التقنيات بغرض تخفيف آثار التغيّر المناخي، بما في ذلك تقنية التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه للقطاعات التي يصعب تخفيفه فيها، وإنتاج الهيدروجين، والابتكارات التقنية الأخرى".

كما ناقش الجانبان "آفاق التعاون في الاستخدامات السلميّة للطاقة الذريّة والفرص المستقبلية في مختلف مجالات الطاقة، بما في ذلك مجالات التعاون في الطاقة المتجددة، والهيدروجين النظيف، والربط الكهربائي".

الإمارات وقطر وطاقة أوروبا

أما في الإمارات، فقد كان التعاون أكثر تعمقا، حيث أعلنت الإمارات وفرنسا والهند "تأسيس مبادرة تعاون ثلاثي" في مختلف المجالات لا سيما الدفاع والطاقة، ووضع خريطة طريق لبدء تنفيذها.

والتقت "كولونا" مع نظيرها الإماراتي الشيخ "عبدالله بن زايد آل نهيان"، قبل أن يجريا مكالمة هاتفية مع نظيرهما الهندي "سوبرامنيام جاي شانكار"، ويتفقوا على "إنشاء مبادرة رسمية للتعاون الثلاثي، ستكون بمثابة منتدى لتعزيز ورسم وتنفيذ مشاريع التعاون في مجالات الطاقة، مع التركيز على الطاقة الشمسية والنووية، ومكافحة تغير المناخ وحماية التنوع البيولوجي".

وشددوا على أن "الدفاع مجال للتعاون الوثيق بين البلدان الثلاثة وتم الاتفاق على بذل الجهود لتعزيز التوافق، والتنمية والإنتاج المشترك، وبحث سبل لمزيد من التعاون والتدريب بين قوات الدفاع في الدول الثلاث".

وتأتي زيارة الوزيرة الفرنسية، بعد أيام من زيارة قام بها وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي "برونو لومير" إلى قطر والسعودية، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.

وخلال لقائه أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" قال الديوان الأميري إن "لومير بحث تعزيز علاقات الدوحة وباريس، خاصة في مجالات الطاقة والغاز المسال والاقتصاد والاستثمارات".

وذكر أنه جرى خلال المقابلة "استعراض علاقات التعاون القائمة بين البلدين، وآفاق تعزيزها وتطويرها، لا سيما في مجالات الاستثمار والاقتصاد والصناعة".

كما نقلت قناة "الجزيرة" القطرية عن الوزير الفرنسي قوله إنه بحث في قطر آفاق التعاون في مجال الطاقة وتزويد بلاده بالغاز القطري المسال.

وفي ضوء ذلك، نشر معهد الدراسات السياسية الدولية في إيطاليا "آي إس بي آي" تقريراً، أواخر يناير/كانون الثاني، بعنوان "الإمارات وقطر.. طريق جديد لسوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي".

ويرى التقرير أن تداعيات الأزمة الأوكرانية ما زالت تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك اقتصادات منطقة الخليج.

وأشار التقرير إلى أنه "يمكن للإمارات وقطر جني عائدات مالية ضخمة، ولاسيما أن الأزمة الحالية أسهمت في تغير خريطة الطاقة العالمية، وأنعشت التعاون المحتمل في قطاع الطاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي".

كما نشرت المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي مؤخرًا، وثيقتين مهمتين، الأولى تتعلق بخطة "ريباور إي يو" لتقليل اعتماد الكتلة على الغاز الروسي، والثانية بشأن "شراكة إستراتيجية مع الخليج" لتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.

وتؤكد الوثيقتان أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التخلي نهائيًا عن واردات الطاقة الروسية، وفي حالة تنفيذ هذا السيناريو، فستكون له انعكاسات عميقة على خريطة الطاقة العالمية، ومن الممكن أن يخلق فرصًا وتحديات للإمارات وقطر.

وأوضح التقرير أن الغزو الروسي لأوكرانيا وضع العديد من الدول العربية المصدرة للطاقة في موقف سياسي لا تُحسَد عليه، وفي الوقت نفسه عزز دورها المركزي في خريطة الطاقة العالمية، ويمكن أن تحقق مكاسب جيوسياسية واقتصادية في علاقاتها مع الدول الأوروبية والغرب عمومًا.

والشراكة الإستراتيجية مع دول الخليج تسعى إلى تعميق العلاقات، وتتمثل الفكرة المحورية لهذه الشراكة المقترحة في تعزيز علاقات الطاقة.

وتتضمن الشراكة محاور أساسية، من بينها زيادة إمدادات الغاز المسال، وإجراءات لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط، والتعاون في مجال الهيدروجين، وكفاءة الطاقة، وتسريع انتشار الطاقة المتجددة.

تحركات فرنسية مبكرة

يشار إلى أن فرنسا بدأت منذ وقت مبكر في تحركاتها لمواجهة نقص النفط والغاز. ففي 5 يونيو/حزيران 2022، قال وزير المالية الفرنسي إن بلاده تجري محادثات مع الإمارات؛ لتعويض مشتريات النفط الروسية.

وصرح "لومير" حينها لراديو "أوروبا 1" قائلاً: "هناك مناقشات مع الإمارات. علينا إيجاد بديل للنفط الروسي"، بحسب وكالة "رويترز".

وبعدها بشهر، وتحديداً في يوليو/تموز من ذات العام، وقعت الإمارات وفرنسا خلال زيارة الرئيس الإماراتي الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" إلى باريس سلسلة من الاتفاقيات في قطاع الطاقة وغيره، تشمل توفير الوقود لفرنسا بهدف "زيادة أمن" الإمدادات في البلد الأوروبي المتعطش لتنويع مصادره.

وبعد "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة" في مجال الطاقة التي وقّعها الجانبان، توصلت شركتا النفط الوطنية الإماراتية "أدنوك" و"توتال" الفرنسية إلى اتفاقية تتعلّق بزيادة إنتاج الغاز والتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه والتجارة وتوريد المنتجات.

وقبلها، في مارس/آذار 2022، وخلال زيارته للدوحة، بحث وزير الدولة لشؤون الطاقة "سعد بن شريدة الكعبي"، مع وزير الخارجية الفرنسي حينها "جان إيف لودريان"، تعزيز التعاون في مجال الطاقة.

ممارسات أمريكية

وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والمحلل الاقتصادي "سعيد خليل العبسي"، في تصريحات صحفية، إن تحركات وزيرة الخارجية الفرنسية ومن قبلها نظيرها للاقتصاد والمالية "يبدو أنه توجه لتعزيز التعاون في مواجهة تحديات دولية، وفي خضم بحث باريس عن بدائل للغاز بعد وقف الإمدادات الروسية".

ويشير إلى أن ذلك يرجع إلى انجرار الدول الغربية إلى سياسة إدخال الطاقة في الصراعات السياسية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والتي قال إنها جلبت عليها نتائج لم تتخيَّل.

ويضيف أن الأمر الأكثر مرارة على فرنسا "ممارسات حليفتهم أمريكا، التي طلبت من الدول الأوروبية عدم استيراد الغاز والنفط الروسي، في حين أنها تبيعهم الغاز بأربعة أضعاف مما كانت تبيعه روسيا".

لذلك يرى "العبسي" أن هذا الأمر دفع الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" وبعض وزرائه لزيارة الدول الخليجية من أجل البحث عن شيئين، "أولهما مد فرنسا بالغاز والنفط من أجل سد النقص في كميات الطاقة التي كانت تستوردها من روسيا، والتي باتت حالياً في أشد الحاجه إليها".

أما الأمر الثاني، حسبه، فيكمن في "محاولة الحصول على النفط والغاز بأسعار أرخص مما تبيعه أمريكا والنرويج؛ نظراً لارتفاعها الخيالي، في وقت تعلم فيه باريس أن الدول الخليجية تعوم على بحر من النفط والغاز".

ويؤكد "العبسي" أن دول الخليج "تعتبر النفط واحداً من أهم عناصر ناتجها القومي، ولذلك ترفض إدخال الاقتصاد في السياسة، خصوصاً أنه العنصر الذي يحتل المرتبة القصوى في عجلة اقتصادها".

ويتابع: "إلى جانب ذلك فإنها لن تحيد عن السياسة التي تقولها دائماً بأن الأسعار يجب ألا تخضع للابتزاز أو المساومة، وإنما تسير وفق سياسة الطلب والعرض؛ لكون عائداتها النفطية والغاز هما العمود الفقري لموازناتها السنوية، وهي المصدر الأول والرئيس لعجلة التنمية في بلدانها، وواجبها المحافظة عليها لأنها ملك شعوبها حاضراً ولأبنائها مستقبلاً".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فرنسا الخليج السعودية الإمارات الغرب الحرب الأوكرانية

تحولات الطاقة تضعف النفوذ الجيوسياسي لدول النفط بالشرق الأوسط