زلزال تركيا.. ملحمة من التراحم والتعاضد الإنساني وكلمة السر "ياردم" (تقرير خاص)

الأربعاء 8 فبراير 2023 02:29 م

"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".. كلمات قالها رسولنا الكريم "محمد" (صلى الله عليه وسلم) قبل أكثر من 1400 عام، ويجسدها بأفضل حال في هذه الأيام الشعب التركي الذي يمر بأحد أكبر الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث، ممثلا في الزلزال المدمر، الذي ضرب 10 ولايات جنوب شرقي البلاد مخلفا عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.

فلم يمض وقت طويل على توارد المشاهد المأسوية لضحايا الزلزال، الذي وصفته وسائل إعلام تركية بـ"فاجعة القرن"، حتى انشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، على نحو واسع، حملات بجهود فردية ورسمية لجمع المساعدات من أجل إغاثة المنكوبين؛ ليتشارك الجميع في مشهد أشبه بملحمة من التراحم والتعاضد الإنساني.

دعوات للتبرع

وحسب مراسل "الخليج الجديد"، تسابق خطباء المساجد عبر مكبرات الصوت، وعقب كل صلاة، على دعوة المواطنين للتبرع بكل ما يستطيعون تقديمه من مواد إغاثية لتخفيف معاناة المنكوبين، الذين قُدرت أعدادهم بالملايين.

دعوات مماثلة صدرت عن المدارس عبر منصات التواصل التي تربط بين أولياء الأمور ومعلمي الفصول.

وكذلك كان حال البلديات، والولاة، والأحزاب، والجامعات، والكثير من الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية، والجمعيات الإغاثية والوقفية، التي حددت أرقام حسابات لتلقي التبرعات المادية للضحايا ولإغاثة المتضررين، فضلا عن مواقع معينة لتلقي التبرعات العينية.

حتى المجمعات السكنية ساهمت في تلك الحملات؛ حيث وضع مدراؤها ملصقات في مداخل المباني تحث السكان على التبرع لإغاثة منكوبي الزلزال.

وبطريقة منظمة، تعكس خبرات شعب سبق أن واجه أزمات مشابهة، جرى تحديد مواقع محددة لتلقي التبرعات في كل منطقة وحي وشارع؛ حيث يتم نقلها لاحقا إلى مراكز تجميع رئيسية، ومنها يتم إرسالها للمناطق المنكوبة.

كما جرى تحديد أولويات احتياجات المنكوبين التي شملت البطانيات والأغطية وحفاضات الرضع والمعاطف والملابس الشتوية والقفازات والأحذية والأوشحة، والمواد الغذائية الرئيسية، وخاصة الحبوب والأطعمة المعلبة، وغيرها.

استجابة واسعة

هذه الحملات لاقت استجابة واسعة. ففي إسطنبول، أكبر ولايات البلاد سكانا، والتي تجسد صورة مُصغرة لبقية الولايات، لن تجد أحدا في الوقت الراهن مشغولا إلا بهم واحد، وهو المساهمة في التطوع أو جمع وتجهيز التبرعات العينية والمادية للمنكوبين.

فداخل أحد مراكز بيع المجمعات الغذائية بالجملة صباح الثلاثاء، اليوم التالي لوقوع الزلزال، كان العمل يدور كخلية نحل، وفق مراسل "الخليج الجديد".

إذ يتسابق رجال ونساء على انتقاء وشراء المواد الغذائية والمستلزمات الصحية لإغاثة المنكوبين.

وستجد من يسألك بالتركية "?yardım için mı" (أي هل هذا للمساعدة؟)، فإذا كانت الإجابة "نعم" ستُفتح أمامك كل أبواب المساعدة.

فهناك من سيوجهك إلى الأماكن التي تتواجد بها المواد الغذائية والإغاثية الأخرى المطلوبة، وآخر سيحملها عنك، وثالث سيوجهك إلى طابور خاص بالمتبرعين عند بوابة دفع الحساب، حيث يجري تقديم خصم خاص على قيمة المشتريات.

إضافة إلى آخرين يساعدون في الحمل والتغليف وكتابة أسماء المواد الغذائية المتواجدة بداخل الكراتين. فعلى قدر المأساة، تجد حجم التعاون، والعمل بحماسة ونظام أشبه بخلية نحل.

وفي الشارع تجد عجوزا طاعنا في السن، وهو يجر عربة التسوق ناقلا عبرها تبرعات إلى مركز ثقافي تم تحديده كأحد مقار جمع التبرعات. قبل أن يفرغ ما لديه، ويعود ثانية إلى منزلة لجلب المزيد.

وهذا طفل لم يتجاوز الخمسة أعوام ممسكا بيد أمه، وهو يحمل لعبة بيديه قرر التبرع بها لأقرانة من المنكوبين، وهناك امرأة اتت بملابس من دولابها ودواليب أولادها وزوجها للتبرع بها.

بين تبرعات بكميات ومبالغ كبيرة، وأخرى بسيطة، الكل يساهم على قدر استطاعته، وبحماسه تعكس تعاطفا كبيرا مع منكوبي الزلزال.

خلية نحل

داخل أحد المدارس كانت خليه نحل تعمل على نحو مماثل في جمع التبرعات، حسب مشاهدات مراسل "الخليج الجديد".

فعلى باب المدرسة يستقبلك مديرها بسيارته الخاصة، وهو يكدس المساعدات داخلها، في طريقه إلى أحد مراكز تجميع التبرعات ليفرغها هناك، قبل أن يعود إلى المدرسة مجددا لينقل المزيد من التبرعات، وهكذا يستمر في مهمته حتى انتهاء اليوم.

يسألك المدير بالتركية "?yardım için mı"، ثم يوجهك إلى أين ستذهب بتلك التبرعات، لتجد أياد أخرى تحمل عنك ما تحمله، قبل أن يستقبللك أحد المسؤولين ليطلب منك أن تسجل اسمك ورقم هاتفك.

ومساءً، وفي أحد المجمعات الكبرى لبيع الملابس، كان الحال ذاته.

فكثير ممن تقابلهم منغمسون في اختيار قطع الملابس ومقاساتها من أجل إرسالها لأماكن تجميع التبرعات.

وكحال محال بيع المواد الغذائية، كانت هناك خصومات على المشتريات الخاصة بالتبرع، فقط كل ما عليك أن تخبرهم بكلمة "yardım"، التي باتت كلمة السر لجلب العون وبث الحماس في المتواجدين.

وعلى خلاف العادة في إسطنبول، في تلك الأيام، حيث موسم الحسومات، ويكون الزحام كبيرا بالمجمعات التجارية وفي وسائل المواصلات، تكاد تكون المجمعات في الوقت الراهن خالية إلا من المتبرعين.

رجال الأعمال والمشاهير

رجال الأعمال والمشاهير من أصحاب المطاعم، أيضا، بادروا إلى المساهمة بقوة في إغاثة المنكوبين.

فهذا للشيف التركي الشهير "بوراك"، يظهر في مقاطع فيديو، وهو يجهز شاحنات بالأطعمة والمستلزمات للمتضررين من الزلزال.

وهكذا فعل الشيف التركي "نديم شاهين"، المعروف بلقب "صاحب الشارب المقدس".

التجاوب ذاته كان من الاتحادات الرياضية وبعض الأندية الرياضية التركية الكبري التي سارعت إلى جمع تبرعات مالية وعينية لمساعدة منكوبي الزلزال.

مطارات تفيض بالمتطوعين

وما إن طلبت "إدارة الكوارث والطوارئ التركية" الرسمية (أفاد) متطوعين للتوجه إلى المناطق المنكوبة والمشاركة في عمليات الاغاثة حتى اكتظ مطارا "إسطنبول" و"صبيحة" (يقع بنفس المدينة) بالآلاف من المتطوعين.

كذلك استجابت أعداد هائلة من المواطنين لدعوات الهلال الأحمر التركي التبرع بالدم لصالح المصابين في الزلزال، حتى أن الموقع الذي خصصه لحجز موعد للتبرع، لم يعد متاحا به أي مواعيد.

على نفس المنوال، بادرت عديد الجامعات إلى فتح مقراتها أمام المواطنين الذين شردهم الزلزال لتقديم الطعام والإقامة، ومن بينها مقار جامعة "بهشة شهير" في مدن أضنة ومرسين وعنتاب وأورفة وماردين وقيصري وديار بكر وإسكندرون وعثمانية.

بينما قامت شركة مقاولات، بينها "YK Energy" و"Fuzul Yapı"، بشحن معدات بناء إلى المنطقة المنكوبة لاستخدامها في جهود البحث والإنقاذ.

وأعلنت فنادق في بعض المدن توفير غرف مجانية لاستقبال المنكوبين والمشردين.

وتبرعت شركة "صناعة الأدوية والمصل التركية" بـ100 ألف مصل دم لمنكوبي الزلزال.

وأعلنت شركة "بايكار"، المتخصصة في تقنيات الطائرات المسيرة، إرسال مواد غذائية وملابس وأجهزة إلكترونية ومساعدات إنسانية إلى منطقة الزلزال.

كذلك، قررت شركات الشحن الكبرى في البلاد سواء حكومية مثل مؤسسة البريد التركي "PTT" أو خاصة مثل "MNG Kargo" و"Aras Kargo" و"Yardım Yurtiçi Kargo" نقل التبرعات إلى المناطق المنكوبة مجانا. كذلك خصصت بعد المتاجر الإلكترونية بطاقات شراء لدعم المنكوبين.

فيما فتح الجيش التركي مقراته وثكناتة لاستقبال من شردهم الزلزال، وأرسل إلى جانب وزارة الداخلية الآلاف من الجنود وعناصر الدرك للمشاركة في جهود الاغاثة.

المنظمات العربية في تركيا أطلقت كذلك حملات تبرع للمنكوبين، ومنها "الجالية المصرية"، و"رابطة الإعلاميين المصريين"، و"الجالية اليمنية"، و"اتحاد الجاليات العربية"، و"مؤسسة رشد التربوية".

تبرعات أتراك الخارج 

الجاليات التركية في أمريكا ودول أوروبية، أيضا، سارعت وأعلنت عن حملات تبرع لصالح المنكوبين.

هذا المشهد من التعاضد الإنساني لخصته صحيفة "دنيا" التركية، الصادرة الثلاثاء، بعنوان قالت فيه "لقد أصبحنا قلبا واحدا".

المصدر | يوسف علي أوغلو/الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا زلزال تركيا تبرعات لمنكوبي زلزال تركيا بوراك

بتغريدة ثلاثية وعظة أسبوعية.. الأزهر والفاتيكان يناشدان العالم إغاثة تركيا وسوريا

زلزال تركيا.. 23 دولة أوروبية تشارك في جهود الإغاثة

مشاهير العالم يدعون متابعيهم لدعم متضرري زلزال تركيا وسوريا