حكم السيسي يهدد جمهورية الضباط.. لماذا تحتاج مصر إلى الديمقراطية لإصلاح اقتصادها؟

الخميس 9 فبراير 2023 02:30 م

"من المفارقات أن حكم الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وهو رجل عسكري، أصبح التهديد الأكثر إلحاحًا لحكم الضباط الذي استمر 70 عامًا".. بهذه الكلمات عبر الكاتب والناشط الحقوقي المصري "عبدالرحمن منصور" عن رؤيته لمآل حكم النظام العسكري في مصر، مشيرا إلى أن الديمقراطية لم تعد حاجة سياسية وحقوقية في البلد العربي الكبير فقط، بل أصبحت حاجة ملحة لإصلاح اقتصاده أيضا.

وذكر "منصور"، في مقال نشره بموقع مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن حكم "السيسي" يقوض العقد الاجتماعي الذي صاغه الضباط عام 1952، والذي يمكن القول إنه كان حجر الزاوية للاستقرار السياسي في مصر.

وأوضح أن هذا العقد أسس تفاهمًا غير مكتوب، تسامحت فيه قطاعات كبيرة من المجتمع المصري مع تجاوزات النظام للحقوق السياسية مقابل منافع اقتصادية واجتماعية ترعاها الدولة.

ومنذ الستينيات، تحولت مصر تدريجيا إلى بلد يمثل الرئيس فيه الصوت الوحيد على الساحة السياسية، إلى أن جاء عهد "السيسي"، الذي اتسم بآلاف السجناء السياسيين، وضحايا للتعذيب، ووفيات كثيرة داخل السجون، إضافة إلى أزمة اقتصادية يتم فيها اختبار رؤية الرئيس.

فمنذ عام 2013، عندما أطاح العسكريون بحكومة الرئيس الراحل "محمد مرسي"، سيطر "السيسي" وحلفاؤه على أجهزة الدولة المصرية، وبعدما أصبح رئيسًا رسميا في عام 2014، أصدر مجموعة من القوانين المثيرة للجدل، التي حولت القضاء فعليًا إلى أداة للحكومة.

وبالتعاون مع حلفائه في البرلمان، عدل "السيسي" الدستور للتخلص من سقف عدد مرات الترشح للانتخابات الرئاسية، ما يسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2030.

وقوّض "السيسي" المعارضة العلمانية من خلال استمالة بعض عناصرها وتغليفهم داخل تنظيمات سياسية تسيطر عليها الأجهزة الأمنية، وسُجن النشطاء السياسيون الذين حاولوا العمل خارج حدود هذه المنظمات.

ورغم قرارات العفو الرئاسية الأخيرة التي جاءت استجابة لضغوط دولية، لا يزال العديد من هؤلاء النشطاء وراء القضبان، حسبما يؤكد "منصور"، مشيرا إلى أن "السيسي" بسط سيطرته أيضا على وسائل الإعلام التي كانت مستقلة في يوم من الأيام.

وأضاف أن "السيسي" همش كل من حاول تقديم نفسه كبديل لحكمه، بما في ذلك رجال الأعمال، الذين تعرضوا لضغوط كبيرة كي يتبرعوا قسرا لصندوق تحيا مصر، الذي يُنظر إليه باعتباره أداة للنظام لابتزاز المصالح التجارية وتمويل مشاريع "السيسي" السياسية.

وفي السياق ذاته، زاحمت الشركات المملوكة للجيش ووكلائه، القطاع الخاص في مجالات لا حصر لها، خاصة العقارات والصناعات الثقيلة، مثل الحديد والصلب والأسمنت، ما كان له أثر كارثي على الوضع الاقتصادي في مصر.

فـ "السيسي" وحلفاؤه منشغلون بتلبية احتياجات المشروعات العسكرية، وأدى الافتقار إلى المساءلة والسياسات التشاركية إلى قرارات اقتصادية سيئة.

ترد اقتصادي

ويرى "منصور" أن برنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر، الذي بدأ باتفاقية 2016 مع صندوق النقد الدولي، كان ضروريًا، ومع ذلك فإن الفائض الكبير في الميزانية العامة، الذي نتج عن تخفيض الدعم، لم يتم توجيهه إلى التعليم أو الصحة، وكلاهما يعاني من نقص التمويل بشكل مؤسف، بل تم استخدامه لخدمة الديون.

فقد حصل "السيسي" على قروض كبيرة لتمويل مشاريعه الكبرى والمدن الجديدة وناطحات السحاب التي لم تسفر عن أي فوائد اقتصادية لمصر، وقد ينتهي بها الأمر كمدن أشباح.

ورغم أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي دعيا مصر مرارًا وتكرارًا إلى عدم إهدار احتياطيات العملات الأجنبية في المشاريع العملاقة، إلا أن "السيسي" رفض الاستماع لهما، ومضى قدما في مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والقطار الكهربائي، وغض الطرف عن احتياطيات الدولار المتضائلة.

وكانت نتيجة هذه السياسات كارثية، كما يتضح من الميزان التجاري وعجز المدفوعات والفجوة المالية الكبيرة التي تتطلب المزيد من الاقتراض.

وإزاء ذلك، لطالما اعتمد "السيسي" على "الأموال الساخنة" من سندات الخزانة المصرية ذات العائد المرتفع، وكذلك أسواق الدين الدولية؛ للحفاظ على استقرار سعر صرف الجنيه المصري بشكل مصطنع.

شبح لبنان

وخفضت الحكومة قيمة الجنيه بنحو 50% في محاولة لمنع تكرار أزمة لبنان الاقتصادية في مصر.

لكن شبح الوضع اللبناني يلوح في الأفق، حسبما يرى "منصور"، مع فارق جوهري، هو أن مصر دولة ذات عدد سكان أكبر بكثير، حيث يعاني ملايين الأشخاص من الفقر ويعيشون أيضًا في ظل اضطهاد سياسي شديد وغالبًا ما يكون عنيفًا.

ويؤكد الناشط الحقوقي المصري أن "هذا الوضع المتدهور بسرعة لا يمكن تحمله، وقد يؤدي الانهيار المالي على الطريقة اللبنانية في مصر إلى اضطرابات سياسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط".

وأشار إلى أن المجتمع الدولي لا يريد رؤية مصر تدخل نفقًا مظلمًا خاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، مشددا على أن أي خطة واقعية لإنقاذ الموقف تبدأ بتحمل "السيسي" المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية والسياسية الحالية.

وهنا يشير "منصور" إلى أن الوضع الاقتصادي المتردي يؤجج غضب الجماهير في مصر، حيث يبلغ متوسط الأجر الشهري نحو 150 دولارًا، وأصبحت الحالة بحاجة ملحة للإصلاح الاقتصادي والسياسي، مؤكدا أن كليهما "لا يمكن أن يحدث دون الآخر".

ويرى الناشط الحقوقي أن توصيات صندوق النقد الدولي الأخيرة تقدم منطلقا جيدا لهذا الإصلاح، عبر توحيد الموازنة والإنفاق الحكومي لزيادة الشفافية وإلغاء الإنفاق خارج الموازنة العامة للدولة، حصر دور المؤسسات العسكرية على الدفاع الوطني ووقف مشاركتها في القطاعات الاقتصادية المدنية.

اقتصاد الجيش

ويلفت "منصور" إلى أن الجيش في مصر يحتكر توزيع الأراضي، وتعمل شركاته في الصناعات الثقيلة وقطاعات الإنتاج الزراعي والغذائي، وتختلف تقديرات نسبتها في الناتج المحلي الإجمالي بين 5% و40%، مؤكدا ضرورة بيع هذه الشركات والأصول للقطاع الخاص أو إدراجها في سوق الأوراق المالية.

فزيادة دور القطاع الخاص يمكن أن يساعد في إفساح المجال للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تشتد الحاجة إليها، والتي تعمل كبديل سليم للاقتراض الأجنبي المكثف، الهادف إلى سد النقص في احتياطيات الدولار ومنع العملة المحلية من الغرق أكثر.

ولكي يحدث ذلك، يجب إجراء إصلاحات منهجية لضمان سيادة القانون، والتي بدونها ستظل الثقة في الاقتصاد المصري منخفضة، حسبما يرى "منصور"، مشيرا إلى أن رفض نظام "السيسي" إجراء أي إصلاحات اقتصادية وسياسية جوهرية، مع استمرار تلقيه تمويلًا دوليًا، لن يؤدي إلا إلى استقرار قشري.

ودعا "منصور" المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وكذلك الحكومات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والإمارات والسعودية ودول الخليج الأخرى، إلى أن تنصح "السيسي" بتنفيذ إصلاحات عملية، وإجراء مناقشات بناءة مع معايير واضحة لتسهيل خروج الجيش من الأنشطة الاقتصادية.

إصلاحات سياسية

كما يرى "منصور" ضرورة أن تكون الإصلاحات السياسية أولوية أيضًا، عبر فتح الحوار السياسي للأحزاب والحركات التي عانت كثيرًا من القمع في العقد الماضي، وإعطاء الموظفين المدنيين من التكنوقراط ذوي الخبرة الفرصة لتولي مناصب قيادية للمساعدة في صياغة خارطة طريق سياسية واقتصادية في الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن "الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل قد تكون بداية جديدة لمصر للتحرك ببطء نحو التحول الديمقراطي".

ودعا الناشط الحقوقي حلفاء "السيسي"، خاصة دول الخليج والإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، إلى حثه على عدم الترشح مرة أخرى في الانتخابات المقبلة واعتماد الإصلاحات السياسية والاقتصادية اللازمة، موضحا أن ذلك قد يؤدي إلى ظهور قيادة منتخبة ديمقراطيًا أكثر مصداقية وخضوعًا للمساءلة.

لكن ذلك يتطلب انفتاحاً سياسياً في المجال العام المصري، يقوم على إطلاق سراح السجناء السياسيين، ووقف الحملات القمعية، وإنهاء تدخل القطاع الأمني في وسائل الإعلام وشؤون الأحزاب.

ودعا "منصور" السيسي وحلفائه من قادة الجيش إلى التفكير في مصر والمنطقة، التي سيتخلفون عنها إذا انهار الاقتصاد المصري بشكل كارثي، وإلى التفكير في الإرث الذي سيتركوه وراءهم إذا قرروا السماح بانتقال ديمقراطي حقيقي وانتخابات نزيهة.

واختتم "منصور" مقاله بالإشارة إلى أن "الانتقال الاقتصادي والسياسي البطيء، بموافقة الجيش والدولة إلى جانب الضمانات الدولية والإقليمية، قد يكون بداية لمستقبل سياسي واقتصادي مستقر وعادل لمصر"، وهو ما يمكن أن يمهد الطريق لمزيد من التغيير الديمقراطي والاستقرار في المنطقة ككل.

المصدر | فورين بوليسي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر عبدالفتاح السيسي جمهورية الضباط محمد مرسي الجيش

بلومبرج: مصر مطالبة بتخفيف قبضة الدولة والتخلص من الديون