جاذبية اقتصادية وسياسية.. التعاون الصيني نموذج لعلاقات أوروبا مع دول الخليج العربية

الأربعاء 22 فبراير 2023 05:41 م

سلطت الباحثتان بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "سينزيا بيانكو" و"أليجا باتشولسكا"، الضوء على تطور التعاون الصيني الخليجي، بعد استقبال قادة دول الخليج العربية الرئيس الصيني "شي جين بينغ" بكل ترحيب خلال زيارته السعودية في ديسمبر/كانون الثاني 2022، ونوهتا إلى أن تلك العلاقات لا تتعلق حصرا بالتعاون الاقتصادي.

ففي الواقع، ترتكز تلك العلاقات على رؤى متوافقة لشرق أوسط متعدد الأقطاب، وهو "ما ينبغي أن يوجه نهج الحكومات الأوروبية في علاقاتها مع ممالك الخليج"، حسبما أورد تحليل للباحثتين، نشره موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وترجمه "الخليج الجديد".

ووفق التحليل، فإن تسريع الحرب الروسية الأوكرانية لانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، دفع دول الخليج إلى التركيز على تنويع شراكاتها، خاصة تجاه آسيا، وتحديداً الصين.

وتعد الصين بالفعل شريكًا اقتصاديًا مهمًا لدول الخليج، ففي عام 2020، حلت الصين محل الاتحاد الأوروبي باعتبارها الشريك التجاري الأكبر لممالك الخليج، حيث بلغت قيمة التجارة الثنائية 161.4 مليار دولار.

واستثمرت الصين ما يقرب من 25 مليار دولار في دول الخليج العربية على مدار الـ 17 عامًا الماضية سنين، كما وقعت اتفاقيات شراكة استراتيجية مع السعودية والإمارات وعمان.

كما استثمرت الصين في الموانئ ومناطق التجارة الحرة في جبل علي بالإمارات والدقم بعمان، واستحوذت، عبر شركة كوسكو للشحن، على حصة 20% في محطة بوابة البحر الأحمر في السعودية، وهي أكبر محطة في ميناء جدة الإسلامي، وهو أكبر ميناء في المملكة.

ورغم التباطؤ الكبير في استثمارات مبادرة الحزام والطريق الصينية BRI بعد جائحة كوفيد -19، إلا أن الصين أوفت بالعديد من تعهداتها تجاه المبادرة للسعودية.

فبينما شهدت دول مثل مصر انخفاضًا في الاستثمارات الصينية إلى الصفر، العام الماضي، كانت السعودية أكبر متلق للأموال التي تحمل علامة BRI، حيث تلقت حوالي 5.5 مليار دولار.

لكن بكين تمثل أيضًا جاذبية سياسية قوية لدول الخليج برؤيتها لشبه الجزيرة العربية كمنطقة ذات أهمية استراتيجية طويلة الأجل للتواصل العالمي، حيث طالما أكدت على أن موقف واشنطن تجاه المنطقة يتسم بالذرائعية والغطرسة.

وعلى مستوى التصريحات المعلنة على الأقل، تشترك الصين ودول الخليج في رؤية نظام عالمي متعدد الأقطاب، يكون فيه الحفاظ على العولمة والاتصال وتوسيعهما من الأولويات.

وتدعي الصين أنها من دعاة التعددية الدولية ومعارضة لما يسمى بعقلية الحرب الباردة، وهو ما يجذب دول الخليج، التي تشعر بالقلق من فرض الغرب عقوبات على الصين، كما فعل مع روسيا، بسبب التوترات المتزايدة في مضيق تايوان.

فنظرًا للعلاقات الاقتصادية القوية مع الصين، فإن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يوجه ضربة قاسية لاقتصادات الأنظمة الملكية.

ودفعت هذه المخاوف الرياض وبكين إلى مناقشة تداول الطاقة بعملات غير الدولار الأمريكي مرة أخرى في ديسمبر/كانون الأول، كما تفكر السعودية في إصدار المزيد من السندات بغير الدولار.

وقد تقوم المملكة أيضًا بفك ارتباط عملتها بالدولار الأمريكي وربطها بسلة من العملات، ما سيسمح لها بتحدي التجارة الأمريكية أو الإجراءات المالية دون فرض تكاليف باهظة على مواردها المالية.

وترى الباحثتان ضرورة فهم هذه المشروعات على أنها محاولة لحماية العلاقات الصينية الخليجية من الإكراه الاقتصادي المحتمل، لا سيما في المجالات الاستراتيجية مثل الطاقة.

ترتبط علاقات الطاقة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بالتبعية المتبادلة، فمنذ عام 2019، كانت الصين المشتري الرئيسي للنفط الخام السعودي، حيث ترسل الرياض في المتوسط أكثر من ربع نفطها إلى الصين.

وفي المقابل، تعد السعودية أهم مورد للطاقة إلى الصين، حيث تغطي ما يقرب من خمس الطلب الصيني. كما أن عُمان والكويت والإمارات من بين أكبر 10 موردين للطاقة إلى الصين.

وتعد الصين أيضًا من بين العملاء الرئيسيين للغاز القطري، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وقعت شركة قطر للطاقة صفقة مدتها 27 عامًا لتزويد شركة النفط والغاز الصينية سينوبك بـ 4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال، وهي أطول اتفاقية للغاز الطبيعي المسال.

نقاط ضعف

لكن الباحثتان تشيران إلى نقاط ضعف في الجاذبية الخليجية للصين، ومنها أن صفقات الطاقة قد يهددها ضخ المزيد من النفط والغاز الروسي والإيراني بسعر أقل من سعر السوق.

ففي عام 2022، نمت صادرات النفط الخام الروسي إلى الصين بنسبة 8% على أساس سنوي، مقتربة من الكميات السعودية.

وفي حالة انهيار المحادثات من أجل التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، كما يبدو على الأرجح، يمكن توقع استفادة الصين من النفط الإيراني منخفض السعر، ما يقلل من طلبها على النفط من دول مجلس التعاون الخليجي.

وأورد التحليل أن رحلة الرئيس الصيني الأخيرة، رغم زخمها الكبير، فشلت في تحقيق أولوية جدول أعمالها، وهي توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي كانت قيد التفاوض منذ عام 2004.

ففي الواقع، أظهر قادة دول مجلس التعاون الخليجي بعض التردد إزاء الثقة ببكين، حذرًا من تجارب سابقة، انحازت فيها بكين إلى أخذ شركاتها وموظفيها للعمل في المشروعات بدلاً من خلق فرص عمل محلية.

ومع ذلك، لا تبدو دول الخليج مستجيبة للضغط الأمريكي عبر القنوات الدبلوماسية لتسليط الضوء على عدم جدارة الصين بالثقة، فقد أظهرت عواصم دول مجلس التعاون استعدادًا لتجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية في الحصول على البنية التحتية الرقمية الصينية.

وفي العام الماضي، تراجعت الإمارات عن صفقة ثمينة لشراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35 عندما ضغطت واشنطن على أبو ظبي لإلغاء تعاونها مع شركة هواوي الصينية.

وهنا تشير الباحثتان إلى أن تطور العلاقات الصينية الخليجية يؤكد أن التعددية القطبية مهمة بالنسبة لممالك الخليج، وأن الإنذارات الأمريكية لن تدفع الأنظمة الملكية إلى عكس مسارها تجاه الصين على الأرجح.

وإزاء ذلك، ترى الباحثتان ضرورة تركيز الحكومات الأوروبية على قيمتها المضافة وتعزيز نقاط قوتها، كشريك اقتصادي وأمني، في مواجهة نقاط الضعف في عروض الصين، إذا أرادت كسب منافسة النفوذ مع الصين في دول الخليج.

وخلص التحليل إلى أن "محاربة التعددية القطبية في الخليج مضيعة للطاقة، وعلى العواصم الأوروبية أن تعمل بشكل أكثر تماسكًا للوصول إلى الدول الفاعلة الأخرى مثل الهند أو اليابان واستكشاف إمكانات المشروعات التي يمكن أن تقدم بدائل ملموسة للعروض الصين، مع تعزيز مصالح مشتركة محددة مع دول الخليج".

المصدر | المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الصين أوروبا الخليج السعودية الإمارات

نفوذ تركيا بالخليج.. صادرات الدفاع ليست كافية لاستبدال التنين الصيني

النفوذ الصيني في الخليج يتصاعد.. الوساطة السعودية الإيرانية ليست الخطوة الأولى

مبعوث أوروبا للخليج.. لهذا تأخر ترشيح دي مايو 6 أشهر

مع استقرار أسعار النفط.. تفاؤل بنمو الاقتصادات العربية بنحو 3.4% خلال 2023

السعودية تستضيف مؤتمر الأعمال العربي الصيني.. ماذا يعني؟

في مرحلة انتقالية بـ3 مستجدات.. أول مبعوث أوروبي خاص إلى الخليج

السياسة أكثر تعقيدا.. نجاحات اقتصادية صينية مرتقبة في الشرق الأوسط

صفقات الأسلحة.. رهان قوى أوروبا لتحقيق مكاسبها في الخليج