نفوذ تركيا بالخليج.. صادرات الدفاع ليست كافية لاستبدال التنين الصيني

الثلاثاء 7 مارس 2023 12:47 م

هل يمكن لتنامي نفوذ تركيا الإقليمي، على وقع الزيادة المضطردة لصادراتها الدفاعية، خاصة إلى دول الخليج، أن يقدم بديلا للنفوذ الصيني المتنامي بالمنطقة؟ حول إجابة هذا السؤال دار تحليل "سين أوزكاراساهين"، المحللة ببرنامج الأمن والدفاع في مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية بإسطنبول (EDAM)، مشيرة إلى أن زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى المملكة العربية السعودية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قدمت برهانا على ذلك.

وذكرت أوزكاراساهين، في التحليل، الذي نشره موقع منتدى الخليج الدولي وترجمه الخليج الجديد"، أن التواصل الدبلوماسي الصيني في منطقة الخليج يرتبط بهدفين رئيسين، الأول هو دمج الشرق الأوسط وشما إفريقيا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، والثاني هو ضمان التعاون المستقبلي بين بكين ودول المنطقة في المجالات الحيوية، خاصة الطاقة والتجارة.

وأضافت أن زيارات المسؤولين الصينيين إلى المنطقة، التي تستغرق عدة أيام، طبيعية بالنظر إلى التاريخ طويل الأمد للعلاقات الاستراتيجية بين الصين ودول الخليج وسنوات الشك الإقليمي بشأن التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج والثنائي. العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وأدت هذه العوامل إلى حدوث خلاف كبير بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، ما منح الصين فرصة لتوسيع نفوذها.

وبفضل عدد من الاتفاقيات والشراكات الاستراتيجية عبر قطاعات مهمة، مثل إمدادات الطاقة والتكنولوجيا، تنمو بصمة بكين في الشرق الأوسط بسرعة على مرأى من الغرب.

ومع تنامي العلاقات بين الصين والشرق الأوسط، يبدو أن هناك ممثلًا آخر يلوح في الأفق كشريك محتمل جديد لبعض الدول في المنطقة، وهو تركيا.

ففي حين ينظر بعض القادة في الخليج إلى تركيا كمنافس جيوسياسي، قطع آخرون بالفعل خطوات كبيرة لبناء علاقات استراتيجية مع أنقرة في مجالات الدفاع والأمن والتجارة.

وكجزء من استراتيجيتها الأخيرة لخفض التصعيد، أرسلت أنقرة دبلوماسيين إلى جيرانها في الشرق الأوسط على أمل خفض التوترات واتباع سياسات اقتصادية تعاونية.

في الواقع، قد تقدم تركيا بعض المزايا الاستراتيجية لدول الشرق الأوسط، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الفوائد ستسمح لأنقرة بأن تحل محل بكين باعتبارها الشريك المفضل في المنطقة.

البديل التركي

أحد القطاعات التي تحتفظ فيها تركيا بميزة نسبية على الصين، على الأقل داخل الشرق الأوسط، هو صناعة الأسلحة المحلية، إذ تبرز الأنظمة العسكرية التركية ذات التكلفة المعقولة والتي أثبتت جدارتها القتالية، وأصبحت بديلا قويا للأنظمة الصينية بالنسبة لدول الإقليم التي تبحث عن حلول متطورة مع دعم صيانة سخي وقابلية للتشغيل البيني مع القوات الغربية.

 الطائرات التركية المسيرة هي مثال مهم في هذا الصدد، إذ تلقت الإمارات بالفعل أول دفعة من طائرات "بيرقدار تي بي 2 إس"، ووقعت الكويت مؤخرًا صفقة بقيمة 370 مليون دولار لشرائها بعدما أثبتت كفاءتها في القتال.

ورغم أن إسرائيل يمكنها تقديم مثل هذه الطائرات بتقنية عالية، إلا أنه من المحتمل أن تكون أقل جاذبية لدول المنطقة من تركيا، إذ ينطوي التعامل مع تل أبيب أيضًا على مشكلات سياسية خاصة.

وأظهرت أنقرة اهتمامًا بزيادة وجودها العسكري في سوق الأسلحة الإقليمية من خلال مبيعات الدفاع الخارجية والتعاون العسكري والأمني.

وفي سياق يتسم بالرغبة في زيادة مكانتها الإقليمية، والانتخابات المقبلة، والأزمة الاقتصادية المستمرة والحاجة إلى العملة الصعبة، يبدو أن تركيا مستعدة وراغبة في اقتطاع حصتها من سوق الأسلحة المربح والمطلوب بشدة في الشرق الأوسط.

الصين تملأ الفراغ

وبينما يقدم سوق الشرق الأوسط العديد من الفرص لبدائل الحلول الصينية، تحتفظ بكين بنفوذ كبير على "صناعات المستقبل"، التي ترتبط بتعزيز مواقف دول الخليج في الشؤون الدولية أو المنافسة الإقليمية المتزايدة، من خلال تزويدها بمزايا استراتيجية مهمة على الخصوم الإقليميين، خاصة إيران.

وتشمل هذه الصناعات برامج تطوير الصواريخ الباليستية والبنية التحتية التكنولوجية، وهي الصناعات التي طورتها بعض دول الإقليم على مدى السنوات القليلة الماضية بشراكة استراتيجية عميقة مع شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "هواوي".

في بعض الأحيان، بدا أن حكومات دول مثل الإمارات تقدر هذا التعاون مع الصين أكثر من صفقات الأسلحة المستمرة مع الولايات المتحدة، والتي هددت بقطع صادرات الدفاع الرئيسية إذا لم يتخلَّ شركاؤها الخليجيون عن دعم هواوي لشبكة اتصالات الجيل الخامس.

توضح حالة الإمارات وهواوي أن الحاجة إلى "السيادة" و"التميز" التقني ستكون العامل الدافع في شراكات الخليج المتنوعة.

ووسط سباق تكنولوجي مكثف وتردد الولايات المتحدة في مشاركة خبرتها التكنولوجية، فإن هذا الاتجاه يمكن أن يزيد من تعقيد العلاقات بين الشرق الأوسط وأمريكا في السنوات القادمة.

ومفتاح بكين في تحقيق ذلك هو أن العديد من دول الخليج ترغب في أنظمة فعالة دون قيود كبيرة على سياساتها الداخلية أو الخارجية، إذ أن الصين هي القوة العظمى الوحيدة التي تقدم معداتها العسكرية دون قيود.

وثمة سبب رئيسي آخر وراء هذا السلوك، وهو بكين توفر هذه الفوائد دون شروط سياسية، على عكس واشنطن، ما يقدم لها صورة الشريك التجاري المحايد والمفضل لجميع اللاعبين في نزاعات المنطقة المختلفة.

وترجح أوزكاراساهين عدم تنبي الولايات المتحدة ولا تركيا لمثل هذه الاستراتيجية عندما يتعلق الأمر بصادرات الأسلحة أو التعاون الاستراتيجي.

وفيما يتعلق بشروط استخدام أنظمتها العسكرية ومجالات استخدامها، فإن بكين ليس لديها أي متطلبات صارمة، فمبيعات الأسلحة، بالنسبة للصين، تمليها المعاملات والمصالح الجيواستراتيجية وليس الأخلاق.

وهنا تشير المحللة إلى أن القلق الذي يشعر به صانعو السياسة في الولايات المتحدة تجاه النفوذ الصيني المتزايد هو من صنعهم، لأن "قلق العديد من دول الخليج تجاه الولايات المتحدة يغذيه تردد واشنطن في مشاركة تقنياتها الحساسة مع شركائها الإقليميين".

وتزيد الشراكات الدائمة، التي تمت صياغتها في إطار مبادرة الحزام والطريق، من جاذبية الصين كدولة راعية لدول الخليج.

ومن خلال تزويد البلدان بإمكانية الوصول إلى رأس المال ودعم البنية التحتية والاستثمار الأجنبي المباشر، تعزز المبادرة الصينية اعتماد المنطقة على بكين مقابل مزايا استراتيجية واقتصادية لا يمكن لأي دولة أخرى تقديمها للشرق الأوسط في الوقت الحالي.

وفي مقابل سخائها، تحصل الصين على شبكة إمدادات هيدروكربونية آمنة وسط أزمة طاقة عالمية متصاعدة.

ورغم أن بصمة الصين في الشرق الأوسط بنيت إلى حد كبير على وعد بمكاسب المعاملات، إلا أن أوزكاراساهين ترجح توسعها إلى ما هو أبعد من الشراكات التجارية.

فبالنسبة لدول الشرق الأوسط، يمكن أن تكون الصين حليفًا بديلًا للقوة العظمى للغرب، أصبحت الأصول الإقليمية مثل النفط مفتاحًا لضمان الحصول على الدعم للمشاريع التكنولوجية العسكرية الهامة.

وتخلص أوزكاراساهين إلى أن لتركيا يمكنها استخدام علاقاتها المحسنة مع العديد من دول المنطقة لزيادة حصتها في سوق الأسلحة، لكنها لا تستطيع استبدال بصمة بكين المتنامية في المنطقة؛ لأن العديد من دول الخليج ترى أن دور الصين المتنامي في المنطقة لا يمكن الاستغناء عنه.

المصدر | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الصين الخليج السعودية الإمارات هواوي الطائرات المسيرة بيرقدار

انعقاد أول اجتماع للجنة الصناعات الدفاعية بالتعاون الخليجي.. ماذا ناقش؟

فرص مربحة وتحديات متنوعة أمام دور تركيا الأمني في الخليج