العلاقات العربية الإيرانية.. عداء حاضر يغذيه تاريخ خلافات ثقيل

الخميس 23 فبراير 2023 08:50 م

لطالما كانت هناك رغبة لدى شرائح معينة من الجماهير العربية في إقامة وحدة مع الفرس على أساس الأخوة الدينية، وهو ما أيدته الثورة الإيرانية نفسها، ومع ذلك، فقد تزايد قلق العديد من العرب بشأن نوايا إيران الحقيقية تجاه العالم العربي في أعقاب اندلاع الحرب الإيرانية العراقية عام 1980 وميل إيران المتزايد نحو التوسع في المنطقة.

وفي هذا السياق، يرى الكاتب هلال خشان، في مقال نشره موقع "جيوبوليتكال فيوتشر" وترجمه الخليج الجديد، أنه بالفعل، لا يكاد يمر أسبوع دون أن يوجه القادة العرب والإيرانيون تحذيرات وتهديدات أو تصريحات هجومية لبعضهم البعض.

ويضيف الكاتب أن هناك العديد من الأسباب المعاصرة للعداء، لا يمكن فهمها بالكامل بدون سياق تاريخي. وبهذا الخصوص يقدم لمحة عامة عن العلاقات العربية الإيرانية من العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر.

قبل الاسلام

اتخذت بداية التفاعل بين الإثنيتين شكل الولاء العربي والاستسلام للفرس. وبقيت هذه الصورة في المخيلة الفارسية ولا تزال تؤثر على الثقافة الفارسية حتى يومنا هذا.

كما طور الفرس، وخاصة الملوك الفارسيون، صورًا نمطية عن العرب. وقال الملك خسرو برفيز (628) في كلمة أمام الوفود الأجنبية: "لم أر عند العرب صفات طيبة في الدين أو الدنيا، ولا صلابة ولا قوة، مكان معيشتهم مذل، أي الصحراء، مع الوحوش والطيور.. إنهم يقتلون أطفالهم بدافع العوز ويأكلون بعضهم البعض بدافع الحاجة ".

وحسب الكاتب، أظهر الفرس في العصور القديمة نوعًا من الأنانية والازدراء لأشخاص من أعراق أخرى، حيث برروا غطرستهم من خلال انتمائهم إلى العرق الآري، وكان الأباطرة الفارسيون فخورين بشكل خاص بهذا النسب، وخاصة "داريوس"، الذي أشار إلى نفسه على أنه "سليل آري".

ويشير "خشان" إلى أن الفرس أسسوا إمبراطوريتهم العظيمة الثانية بعد زوال الإمبراطورية الأخمينية عام 330 قبل الميلاد. وكانت الإمبراطورية الساسانية بلا نظير تقريبًا، لكن القبائل العربية في العراق دمرت الأراضي والموارد الفارسية.

في عام 350، شن الملك الفارسي "سابور" الثاني هجومًا واسع النطاق للانتقام. ووصل إلى المدينة المنورة في الحجاز، واضطهد أهلها، وفرض الجزية عليهم. لكن القبائل العربية هزمت الساسانيين في معركة ذي قار عام 604.

في ظل الإسلام

تغير الوضع بعد ظهور الإسلام، وتمكن العرب من إخضاع بلاد فارس ووضعها تحت حكمهم الناشئ. 

وقد وصف الكاتب والمؤرخ الإيراني "عبد الحسين زرنكوب" الحقبة التي أعقبت هزيمة الإمبراطورية الساسانية على يد المسلمين في معركة نهاوند بـ "قرنين من الصمت"، وأدان اعتناق إيران الإسلام واتهم الحكام العرب بقمع الثقافة الفارسية واستنزاف مواردها.

ويقول الكاتب، إن عصر الصمت هذا شمل إدارة الراشدين، والسلالة الأموية وبداية الإمبراطورية العباسية. وقد اكتسب البرمكيون الفارسيون مناصب حرجة في الإمبراطورية العباسية، وخاصة في بلاط الخليفة "هارون الرشيد" لكنهم عملوا على تقويض حكم الخليفة ونهبوا الخزينة وقادوا أنماط الحياة المترفة.

ولم يخفوا ازدراءهم للعرب وحاولوا ابعادهم عن مواقع الدولة. وعليه قرر "الرشيد" التخلص منهم عام 803 بعد أن أدرك أنهم على وشك التخلص منه. وكان سقوطهم من أكثر الأحداث دراماتيكية في الصراع التاريخي بين العرب والفرس.

انتهى عصر الصمت بانتهاء حكم "الرشيد" وصعود الخليفة "المأمون" وأنصاره الفرس، ومع صعوده، وصل الفرس إلى أعلى المناصب في الجيش والقصر العباسي. وأدى هذا إلى إحياء القومية الفارسية.

ووصف "زرنكوب" الفترة بأنها نهضة علمية وفكرية وأدبية للفرس في الإمبراطورية العباسية، وشهدت أيضًا صعود حركة فارسية تُعرف باسم "الشعوبية"، والتي ظهرت ردًا على تصاعد الكبرياء العربي طوال العصر الأموي (661-750) وعملت على دحض تفوق العرب.

ويقول الكاتب، إن التطورات تسارعت في القرن التاسع مع إنشاء الدولة السامانية في الهضبة الإيرانية، وكانت أول دولة منذ ظهور الإسلام تتبنى اللغة الفارسية وتحيي الأدب الفارسي رسميًا.

ضمن هذا الإطار، كتب الشاعر "فردوسي" قصيدة ملحمية بعنوان "شاهنامه"، وهي في الأساس سيرة ذاتية لملوك الفرس حتى الفتح العربي الإسلامي. وقد أصبح كتاب القومية الفارسية وأهم عمل في تاريخ الأدب الفارسي. كما صور العرب على أنهم أقل حضارة وأهمية من الفرس.

ووفقا للكاتب، تعززت وجهة النظر الشعبوية تجاه العرب مع تداخل الهوية الفارسية مع المذهب الشيعي، وبدأت الروايات في تشكيل تلك الرموز المشينة للعرب السنة، وتقديمهم كأعداء للشيعة.

وحاول المفكرون الإصلاحيون الإيرانيون تجاوز التراث الشعبوي وتقديم منظور تصالحي للعرب، ويعد المؤرخ "علي شريعتي مازناني"، على سبيل المثال، أحد من انتقدوا الشيعة الصفوية المرتبطة بالقومية الفارسية.

العصور الحديثة

استيقظت الهوية الوطنية الفارسية منتصف القرن التاسع عشر، وتلقت دفعة هائلة خلال الحركة الدستورية عام 1906.

وقد أطاح "رضا شاه" بالقاجاريين في عام 1925 وأدخل سلالة "بهلوي"، التي استمرت حتى عام 1979. وخلال حكمهم الذي دام 54 عامًا، روج البهلويون للمبادئ الوطنية، مما أعطى القومية الإيرانية جوًا من الحداثة وأعاد التصورات السلبية عن العرب.

وفي عام 1925، تحالفت بريطانيا مع "رضا شاه" لمواجهة روسيا، التي استولت من إيران على مساحات كبيرة من أذربيجان.

ووفقا للمقال، مكنت مساعدة بريطانيا، إيران من احتلال إمارة عربستان الغنية بالنفط (التي أعيدت تسميتها إلى خوزستان)، الواقعة شرق محافظة البصرة العراقية وشمال الخليج العربي.

وكان الشعب الأحوازي، قد أيد الثورة الإيرانية، وتوقف عن إنتاج النفط، على أمل أن يمنحهم قادة الثورة الحكم الذاتي الإقليمي، واستعادة حقوقه التاريخية، وتسوية مظالمهم.

لكن أتباع الثورة أساءوا معاملتهم، وشنوا حملات عقابية دامية وسعوا إلى إقامة جمهورية إسلامية بحتة تدين بالولاء الكامل لولاية الفقيه.

ويقول الكاتب إن قضية عرب الأحواز أُدرجت على جدول أعمال القمة العربية الأولى عام 1964، لكن الدول العربية تجاهلتها في الغالب بعد حرب الأيام الستة عام 1967، التي استولت فيها إسرائيل على الضفة الغربية ومرتفعات الجولان وقطاع غزة والضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء.

ويشير الكاتب أن العرب كانوا مرعوبين من التهديد الإيراني في الستينيات والسبعينيات بعد أن بدأت طهران في إنفاق مبالغ طائلة لتطوير قدراتها العسكرية.

وقد طالبت إيران أيضًا بضم البحرين، ولكن عندما أظهر استفتاء شعبي عام 1971 تفضيلًا ساحقًا للاستقلال، استولت على 3 جزر إماراتية بدلاً من ذلك.

وعندما وصل رجال الدين إلى السلطة بعد ثورة 1979، ابتهجت الأقليات العرقية في إيران حيث كانوا يعتقدون أن الملالي الذين روجوا للأخوة الإسلامية وحقوق الأقليات سينهون اضطهادهم لكن آمالهم تبددت عندما ورث النظام الجديد آراء أسلافه السلبية تجاه غير الفرس، وخاصة العرب.

لقد أرسى "البهلويون" أسس القومية الإيرانية الحديثة، التي تواصل الترويج للتوسع الإيراني في دول المنطقة العربية تحت مظاهر مختلفة، مثل تصدير مبادئ الثورة.

ويرى الكاتب أن العداء الفارسي للعرب لا يزال واضحًا حتى يومنا هذا، ويقول الأستاذ في جامعة طهران "صادق زيباكلام" إن الفرس لديهم كراهية عميقة تجاه العرب.

كما يبدو أنهم لم ينسوا هزيمتهم التاريخية على يد العرب في معركة القادسية عام 636 ومعركة نهاوند عام 642 التي أدت إلى زوال الإمبراطورية الساسانية.

وعلى مستوى آخر، لا يزال الأدب الفارسي المعاصر معاديًا للعرب. ففي عام 2011، أقام الشاعر الإيراني "مصطفى بادكوبي" حدثًا في المركز الثقافي في همدان، وبحسب وسائل إعلام إيرانية، قال: "خذني إلى أسفل الجحيم يا رب العرب، بشرط ألا أجد عربيا واحدا فيه ".

ويضيف الكاتب أن التحيز ضد العرب يظهر أيضًا في المناهج المدرسية، ويقول كتاب الدراسات الاجتماعية للصف الخامس إن الحركات التي ظهرت في إيران خلال العصر الإسلامي كانت كلها تهدف إلى تحرير الإيرانيين من العرب.

وعلى الأرض عندما يشارك الإيرانيون في المظاهرات ضد النظام، غالبًا ما يهتفون: "لا غزة ولا لبنان، روحي تضحى من أجل إيران"، في تحد للدعم المالي الذي تقدمه طهران لحزب الله والمنظمات الفلسطينية بالرغم من مشاكل إيران الاقتصادية.

ويرى المقال أن إيران لم تتخلَّ عن طموحاتها الإقليمية وتواصل ممارسة نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ففي عام 2015، قال وزير المخابرات الإيراني السابق "حيدر مصلحي" إن إيران تسيطر بالفعل على 4 عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

وكان رفض طهران حل وكلائها الإقليميين أحد الأسباب الرئيسية لفشل محادثات فيينا النووية. وهذه الإجراءات تعمق الإسفين بين الفرس والعرب اليوم.

المصدر | هلال خشان - جيوبوليتكال فيوتشر/ ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الفرس العرب إيران الشاه ولاية الفقيه

مركز سياسي أمريكي: لهذه الأسباب أحجم العرب عن التفاعل مع احتجاجات إيران