حرب روسيا وأوكرانيا في ذكراها الأولى.. ضجيج المعارك يتواصل وتمترس حول المواقف بلا تنازلات

الجمعة 24 فبراير 2023 04:52 م

مع دخولها عامها الثاني، ما زالت الحرب الروسية على أوكرانيا تشكل الحدث الأبرز على الساحة الدولية، ومع ذلك تبقى حالة الترقب تلازم مجرياتها والنتائج التي ستنتهي إليها، ويبقى الغموض سيد الموقف حيال الأسباب والشروط والظروف التي يمكن أن تؤدي إلى توقفها.

فعلى الأرض، لا تزال المعارك محتدمة شرقيَ البلاد في ظل واقع بدأ يفرض نفسَه، قوات روسية تتمسك بالأراضي التي سيطرت عليها وضمتها إليها، ومحاولات وأوكرانية لشن هجمات مضادة.

في المقابل، يتمسك كل طرف بموقفه، فقد اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطاب مقتضب ألقاه خلال مهرجان وطني كبير في ملعب لوجنيكي بموسكو الأربعاء، أن بلاده تحارب حاليا في أوكرانيا من أجل "أراضيها التاريخية".

بينما تعهد الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي بهزيمة الجميع، مستعينا بدعم غربي يقدم له السلاح، ويستعد حاليا لفرض عقوبات جديدة على روسيا والدول التي تدعم مجهودها الحربي.

ومع احتدام المعارك على خطوط التماس في شرق أوكرانيا وجنوبها، شدد حلفاء أوكرانيا من موقفهم الداعم لكييف بشكل رمزي وبشكل عملي، فأضاءت باريس برج إيفل بألوان العلم الأوكراني.

وفي لندن تجمع الناس وهم يرتدون الأعلام الأوكرانية حاملين لافتة تقول: "إذا كنت تدافع عن الحرية، فقف مع أوكرانيا"، بينما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنت بأغلبية كبيرة قرارًا يوم الخميس يطالب روسيا بالانسحاب ووقف القتال.

  • بوتين يتوعد

في هذا التقرير، يرصد "الخليج الجديد" المواقف الثابتة لدول الصراع والدول المتحالفة معها، دون تقديم أية تنازلات.

البداية مع روسيا، حين أعلن بوتين أن الحوار المباشر مع أوكرانيا هو الطريق الأسلم لحل الأزمة، لكنه في الوقت نفسه لم يعلن التراجع عن الحرب، وأعلن عن خطة لنشر صواريخ باليستية جديدة متعددة الرؤوس عابرة للقارات من طراز سمارت هذا العام.

لكن خطاب بوتين كان له وقع كبير، خصوصا أنه أعلن تعليق مشاركة موسكو في آخر معاهدة لمراقبة الأسلحة بين أكبر دولتين نوويتين في العالم (روسيا والولايات المتحدة)، وهدّد بإجراء تجارب نووية جديدة إذا قامت واشنطن بذلك أولا.

وقال الرئيس الروسي: "يريدون إلحاق هزيمة استراتيجية بنا، ومهاجمة مواقعنا النووية، ولهذا السبب بات واجبا علي أن أُعلن أن روسيا ستعلّق مشاركتها في معاهدة (نيو) ستارت."

في المقابل، قال الرئيس الأوكراني الخميس، عشية الذكرى الأولى للعملية العسكرية التي تشنها روسيا في بلاده، إن أوكرانيا "ستنتصر" على القوات الروسية.

وأضاف على منصات التواصل الاجتماعي: "لم ننكسر، تخطينا الكثير من المحن وسوف ننتصر. سنحاسب جميع الذين جلبوا هذا الشر، وهذا الرعب وهذا القتل والنهب وهذه الحرب إلى أرضنا."

وتابع زيلينسكي أن "روسيا اختارت طريق القتل والإرهاب، وستتحمل الدولة الروسية مسؤولية ما ارتكبته".

  • بايدن يتحدى

من جانبه قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن موسكو لن تنتصر في حربها ضد أوكرانيا، مجددا في كلمة ألقاها من العاصمة البولندية وارسو تشبث بلاده بدعم كييف.

ووصل بايدن إلى وارسو الإثنين بعد زيارة مفاجئة لكييف، حيث التقى مع زيلينسكي الذي يسعى للحصول على مزيد من الأسلحة مع استعداده لمهاجمة الروس في الربيع.

وقال بايدن إن واشنطن تدعم أوكرانيا دعما تاما مع اقتراب الذكرى الأولى للغزو الروسي كما أكد الدعم الأمريكي للجناح الشرقي في حلف شمال الأطلسي.

وشدد بايدن على أنه "لا شك أن التزام الولايات المتحدة تجاه تحالفنا مع حلف شمال الأطلسي والمادة الخامسة التزام قوي لا لبس فيه"، مشيرا إلى مبدأ الحلف الذي يقول إن الهجوم على أي دولة يمثل هجوما على جميع الدول.

وأضاف "كل دولة بالحلف تعرف ذلك. كما أن روسيا تعرف ذلك جيدا، الهجوم على أي دولة هو هجوم على جميع الدول."

ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي عن بعد الجمعة بزعماء مجموعة السبع مع زيلينسكي في الذكرى السنوية، وإعلان عقوبات جديدة ضد روسيا ومن يساندها في الحرب، مع حشد المزيد من السلاح والذخيرة.

في وقت أعلنت مجموعة العمل المالي الجمعة، تعليق عضوية موسكو في الهيئة المكلفة مكافحة تبييض الأموال، مع مرور عام على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

  • الصين تتوسط

يأتي هذا في وقت عرضت بكين رؤيتها "لتسوية سياسية" للنزاع في أوكرانيا خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى موسكو الأربعاء 22 فبراير/شباط.

واستقبل بوتين الوزير الصيني في الكرملين بعد لقائه نظيره الروسي سيرجي لافروف.

يأتي هذا اللقاء بعد أن أعربت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي عن قلقهما من أن الصين تستعد لتزويد روسيا بالأسلحة لمواصلة هجومها في أوكرانيا، في اتهام سارعت بكين إلى نفيه.

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الروسية في ختام المحادثات الروسية - الصينية إن "الشركاء الصينيين أطلعونا على آرائهم حول الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية، إضافة إلى مقارباتهم لتسويتها سياسيا."

لكن خلال تلك النقاشات "لم يدر حديث حول أي خطة محددة"، كما أشارت الخارجية الروسية.

إلا أن الصين أعلنت لاحقا، في وثيقة من 12 نقطة قدمتها وزارة الخارجية الصينية دعوتها إلى وقف شامل لإطلاق النار وبدء الحوار.

ومن المتوقع أن يعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ "خطاب سلام" في وقت لاحق الجمعة، ومن المرجح أن يدعو فيه إلى السلام مع تجنب إدانة روسيا.

  • تشكيك غربي

وفي أول رد فعل، قال زيلينسكي إنه يريد مناقشة هذه الوثيقة الخاصة بموقف الصين مع بكين، معتبرا مشاركة هذا الشريك الوثيق لموسكو "إيجابية".

إلا أن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان قال إن الوثيقة "كان من الممكن أن تتوقف عند النقطة الأولى، احترام سيادة جميع الدول".

كما نقلت وسائل إعلام عن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قوله إن بلاده تدرس اقتراح السلام الصيني.

أما الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، فعبّر عن "تشكيكه" في إمكانية أن تلعب الصين "دورا بناءً" من أجل سلام أوكرانيا.

وقال خلال مراسم في برلين الجمعة: "أي اقتراح بناء يقربنا من سلام عادل هو موضع ترحيب" لكنه أضاف "لا يزال من المشكوك به أن تكون الصين، القوة العالمية، ترغب في لعب مثل هذا الدور البناء".

من جانبه، قال ميخائيل بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني إن حرب روسيا في بلاده ستنتهي دون أي تنازلات أوكرانية، مؤكدا ضرورة حصول كييف على مساعدات فعالة.

وأضاف أن هناك صيغة واحدة للسلام عرضها زيلينسكي هي خروج روسيا من كل الأراضي التي احتلتها منذ عام 1991.

  • تعهد أوروبي

في المقابل، جدد الاتحاد الأوروبي، على ضرورة انتصار كييف في الحرب، حيث أكد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية والسياسة الأمنية جوزيف بوريل: "ينبغي لأوكرانيا أن تنتصر في هذه الحرب ويمكنها ذلك".

وأضاف: "حدث شيء لا يمكن تصوره قبل عام، روسيا أعادت كابوس العدوان إلى أوروبا".

وكان الاتحاد الأوروبي قدم مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 3.6 مليارات يورو، بغية مواجهة الحرب الروسية، فيما أرسلت العديد من الدول الأوروبية آلاف الأسلحة والذخائر إلى أوكرانيا.

ومن المنتظر أن ترسل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا والسويد، أنظمة دفاعية ودبابات وأسلحة جديدة، خلال الفترة المقبلة.

كما جدد مسؤولو الاتحاد الأوروبي الجمعة، تعهدهم بمواصلة تقديم الدعم لملايين اللاجئين الأوكرانيين، بمناسبة ذكرى الغزو الروسي.

وكان قد فرّ أكثر من 8 ملايين شخص من أوكرانيا منذ بداية الحرب، وفقًا لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وسجل ما يقرب من 5 ملايين شخص للحصول على الحماية المؤقتة للاتحاد الأوروبي أو برامج الحماية الوطنية المماثلة في أوروبا.

ومن أوروبا إلى اليابان، التي أظهرت التزامها القوي بدعم أوكرانيا في الذكرى السنوية الأولى لبدء العملية العسكرية الروسية في كييف.

وأعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، أن مجموعة السبع ستدعو خلال قمتها الافتراضية الجمعة، إلى الامتناع عن إرسال أي مساعدات عسكرية إلى روسيا.

وتعهدت اليابان بتقديم اليابان 5.5 مليارات دولار كمساعدة مالية إضافية لإعادة بناء البنية التحتية في أوكرانيا التي دمرتها روسيا.

ومن المقرر أن تستضيف محافظة هيروشيا اليابانية، قمة مجموعة السبع وجها لوجه في 19 مايو/أيار المقبل، وستكون الحرب الروسية الأوكرانية على رأس جدول أعمالها.

  • تداعيات الحرب

يشار إلى أنه منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، شهد العالم تباطؤا في النمو وزيادة سرعة التضخم، حيث تقول الأمم المتحدة في تقرير لها، إن التضخم المرتفع يؤدي إلى خفض الدخل الحقيقي للأسر في البلدان النامية والأقل نمواً في العالم.

فقد خسر العالم نحو 2.8 تريليون دولار، وهو مبلغ كاف لانتشال الاقتصاد العالمي من عثرته في مرحلة ما بعد "كورونا"، وإيجاد فرص عمل لمئات الملايين من العاطلين، وسد رمق ملايين الجوعى حول العالم، ولم يسلم أحد من التأثيرات الكارثية للحرب المستعرة حتى الآن.

فروسيا الدولة الغازية تعرض اقتصادها لضربات موجعة عقب تجميد أكثر من 300 مليار دولار من احتياطياتها النقدية المودعة لدى البنوك الغربية، وهروب آلاف الشركات والاستثمارات الأجنبية، والتعرض لواحدة من أعنف العقوبات الاقتصادية في التاريخ الحديث.

كما خسرت روسيا سوق الطاقة الأوروبي ربما للأبد والذي كان يدر أكثر من 100 مليار دولار سنويا على الخزينة، إضافة إلى زيادة النفقات العامة بما فيها الإنفاق العسكري.

أوروبا أيضا تعرضت لخسائر فادحة حيث شهدت أعتى موجة تضخم وقفزات في أسعار الطاقة والسلع الغذائية، وتسببت الحرب في غلاء تكاليف المعيشة داخل دول القارة، والضغط على المواطن، واشتعال التظاهرات المنددة بالغلاء الفاحش، وإغلاق مصانع بسبب توقف تدفق الغاز الروسي.

وربما خسرت روسيا سوق الطاقة الأوروبي للأبد، والذي كان يدر أكثر من 100 مليار دولار سنوياً

كما لم تسلم الولايات المتحدة أيضا من تداعيات حرب أوكرانيا الخطيرة، حيث عانى المواطن من موجة تضخم لم يشهدها منذ 40 سنة، وبسبب هذه الموجة اضطر البنك الفيدرالي الأميركي لزيادة سعر الفائدة على الدولار عدة مرات، وهو ما تسبب في زيادة الدين العام وتكلفة الأموال وإفلاس شركات وكساد في الأسواق.

بينما باتت أوكرانيا أكثر المتضررين من الحرب الحالية، فالدولة تحتاج إلى 750 مليار دولار لإعادة الإعمار، كما تكبدت خسائر تقدر بأكثر من 97 مليار دولار من الأضرار المباشرة سواء في البنية التحتية والأنشطة الاقتصادية وغيرها.

كذلك أدت الحرب إلى تكبد الدولة الأوكرانية خسائر بقيمة 252 مليار دولار ناجمة عن انخفاض الإنتاج الزراعي وانقطاع الكهرباء عن الأعمال التجارية والنقل.

المنطقة العربية كانت أيضا من أبرز المتضررين حيث تسببت الحرب في نزوح الأموال الساخنة من العديد من الدول، وهروب الاستثمارات الأجنبية، واختفاء السياح، واندلاع أزمة سيولة، والضغط الشديد على العملات المحلية ودفعها نحو الارتماء في أحضان صندوق النقد الدولي أو تعويم العملة 3 مرات في أقل من عام، كما عانت تلك الدول من تضخم فاتورة واردات القمح والأغذية والسلع الأولية والمشتقات البترولية.

ويرى مراقبون أنه كلما طال أمد حرب أوكرانيا، فإن الخسائر الاقتصادية ستزداد على مستوى البلدين والعالم بأسره.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أوكرانيا روسيا تداعيات الحرب أمريكا النانو عقوبات

عبر مولدافيا.. روسيا تتّهم أوكرانيا بالتجهيز لغزو ترانسنيستريا وتتعهد بالرد

الاتحاد الأوروبي يفرض حزمة العقوبات العاشرة على روسيا

معهد إسرائيلي: التقييمات الروسية والغربية للحرب في أوكرانيا فاشلة