تقارب بعد عداء.. لماذا باتت الإمارات أفضل صديق عربي لصربيا الآن؟

الأحد 26 فبراير 2023 11:53 ص

الصرب ينظرون إلى الإمارات الآن على أنها "أفضل صديق لبلادهم في العالم العربي"، والعلاقات بين البلدين باتت متشعبة ومتعددة الطبقات لدرجة أنها وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين صربيا ودول مثل روسيا وفرنسا والصين وإيطاليا وأذربيجان.

بهذه الخلاصة، ركز تحليل نشره موقع "أوراسيا ريفيو"، وترجمه "الخليج الجديد" على تنامي العلاقات بين الإمارات وصربيا خلال العقد الأخير، حيث أصبحت الإمارات العربية المتحدة جزءًا من "دائرة النخبة" من البلدان التي تربط صربيا معها اتفاقيات شراكة استراتيجية، وهي علاقات جاءت بعد جفاء بين البلدين وصل إلى حد قطع العلاقات عام 2008 بعد الحرب الصربية مع كوسوفا.

وقبل ذلك، وخلال الحرب في البوسنة، غضبت صربيا من الإمارات بسبب دعمها للبوسنيين البوشناق ماليا وعسكريا وإسهام أبوظبي في إرسال مقاتلين أصوليين إلى هناك.

ويرى التحليل أن القوة الدافعة الأساسية وراء تطوير العلاقات الجيدة بين صربيا والإمارات التي ستكتسب طابعًا استراتيجيًا، هو الرئيس الصربي الحالي، ألكسندر فوتشيت، والذي أدت طريقته البراجماتية السياسية إلى تحول 180 درجة في العلاقات السيئة سابقًا.

في الوقت نفسه، لا ينبغي لأحد أن يغفل عن دوافع الإمارات التي كانت مهتمة أيضًا بإذابة العلاقات مع بلجراد، حيث رأى الإماراتيون في صربيا فرصة لبناء موطئ قدم قوي في السوق الأوروبية والوصول إلى الصناعة العسكرية القوية التي كانت تحظى باحترام دولي خلال يوجوسلافيا.

ويقول التحليل إن العلاقات اتخذت منعطفًا دراماتيكيًا في عام 2012 بعد وصول الحزب التقدمي الصربي إلى السلطة وزيارة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، إلى بلجراد في العام التالي.

فوائد متبادلة

في ذلك الوقت، كانت صربيا تعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة تتميز بارتفاع الدين العام وارتفاع معدل البطالة، في حين تخلفت صناعة المصانع الصربية عن المنافسة الأوروبية، وكانت صربيا في حاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يمكن أن يعطي دفعة إيجابية وصحية لاقتصادها الفاشل، الذي كان لا يزال يتعافى من العقوبات الدولية في التسعينات. لذلك، كان فوتشيت يحتاج إلى الاستثمارات والأموال الإماراتية.

ومن ناحية أخرى، لا ينبغي للمرء أن يكون ساذجًا ويعتقد أن الشيوخ الإماراتيين ساعدوا صربيا بسبب الأعمال الخيرية. لقد ساعدوا الصرب بدافع المصلحة الذاتية من أجل مساعدة أنفسهم للأسباب السالفة الذكر من حيث كون صربيا موطئ قدم جيدا للوصول إلى الأسواق الأوروبية.

كما يستفيد الإماراتيون من الناحية الجيوسياسية من الشراكة الاستراتيجية مع بلجراد، حيث يهدف صناع السياسة الإماراتيون إلى دفع نفوذ تركيا خارج صربيا ومنطقة غرب البلقان.

وتسعى الإمارات إلى استخدام علاقاتها الوثيقة واستثماراتها الاستراتيجية في صربيا لمنع منافستها من تأسيس موطئ قدم لتوسيع نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في المنطقة.

وتعتقد الإمارات أنها يمكن أن تكون مهيمنة في غرب البلقان وفي رغبتها في قمع المنافسين الآخرين، فإنها تخلق علاقات ثنائية قوية مثل العلاقة مع صربيا. ينتج عن هذا خلق حقائق جيوسياسية جديدة. تزيد هذه الحقائق من تعقيد العلاقات المعقدة بالفعل في المنطقة.

والخلاصة أن البلدين أدركا بسرعة الفوائد الملموسة للعلاقات الثنائية الوثيقة.

وفي فترة زمنية قصيرة نسبيًا، توسعت الشراكة المتنامية بين بلجراد وأبوظبي لتشمل النقل الجوي والبناء (الحضري) والزراعة والصناعة العسكرية والسياحة. زاد الاستثمار الأجنبي المباشر الإماراتي في صربيا من 300 ألف يورو في 2010 إلى 180 مليون يورو في 2018.

شراكة استراتيجية مربحة

وفي عام 2013، تم توقيع اتفاقيات بين حكومتي صربيا والإمارات العربية المتحدة بشأن التعاون في مجال الدفاع، والتشجيع المتبادل وحماية الاستثمارات، وتجنب الازدواج الضريبي على ضريبة الدخل.

في العام التالي، تم توقيع اتفاقية بشأن إلغاء التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية، وكذلك اتفاقية بشأن الحركة الجوية.

وفي 1 أغسطس/آب 2013 ، دخلت الخطوط الجوية الصربية جات وشركة الاتحاد للطيران الإماراتية في شراكة استراتيجية لإنشاء شركة طيران وطنية صربية جديدة تسمى الخطوط الجوية الصربية، ووفقًا لهذا العقد، استحوذت "الاتحاد" على حصة 49% وحقوق إدارة لمدة 5 سنوات من الخطوط الصربية، بينما احتفظت الحكومة الصربية بـ51% المتبقية من الأسهم و5 مقاعد من أصل 9 في مجلس إشراف الشركة.

وفي نفس العام 2013، وافقت الإمارات على قرض بقيمة 400 مليون دولار لصربيا، التي واجهت صعوبات في تلقي قروض أوروبية بسبب وضعها المالي الذي لا تحسد عليه.

وفي مارس/آذار 2014، أعلن وزير المالية الصربي لازار كرستيتش أن صندوق الاستثمار الحكومي في الإمارات (جهاز أبوظبي للاستثمار)، وقع اتفاقية مع الحكومة الصربية بشأن قرض منخفض الفائدة بقيمة مليار دولار.

وتم توقيع نفس الاتفاقية على قرض بمليار دولار بعد ذلك بعامين. نظرًا لأن الأمن الغذائي هو محرك قوي للاستثمار الإماراتي، واستثمرت شركة الظاهرة ومقرها أبوظبي 400 مليون دولار في العديد من مزارع الحقبة الاشتراكية في جميع أنحاء صربيا التي تنتج القمح والتبن والأعلاف، وكان هذا هو أكبر استثمار في الزراعة الصربية في العقود القليلة الماضية.

تبع ذلك استثمارات كبيرة في الصناعة العسكرية، حيث وقعت الشركة الإماراتية للأبحاث والتكنولوجيا القابضة (EARTH) عقدًا بقيمة 267 مليون دولار مع أكبر شركة عسكرية صربية Yugoimport SDPR لتطوير نظام صاروخي طويل المدى متعدد الأغراض ومضاد للدروع (ALAS).

وأكد التحليل أن الإمارات اشترت كميات كبيرة من الأسلحة الصربية، وانتهى الأمر ببعض تلك الأسلحة المنتجة في صربيا في حربي سوريا واليمن.

وبشكل عام، تستفيد صربيا بشكل جيد من بيع أسلحتها إلى سوق الشرق الأوسط، بينما تمتلك الإمارات قناة قانونية للحصول على الأسلحة والقدرة على توزيع تلك الأسلحة على حلفائها في مختلف النزاعات الإقليمية.

وعلى سبيل المثال، صدر الصرب عام 2020 أسلحة إلى الإمارات بقيمة 61.5 مليون دولار.

وفي عام 2014، بدأت الحكومة الصربية وشركاء من الإمارات في تطوير مشروع "بلجراد على الماء"، والذي يهدف إلى تنشيط وإعادة بناء الجزء من العاصمة الصربية المعروف باسم مدرج سافا.

ويتضمن المشروع تشييد مبانٍ وشقق فاخرة، في "بلجراد بارك"، "سافا بروميناد"، وفنادق 5 نجوم، وناطحات سحاب بارتفاع 168 ومركز تسوق كبير "جاليريجا بلجراد" (300 ألف متر مربع)، والذي تم افتتاحه في أكتوبر/تشرين الأول 2020 على الضفة اليمنى لنهر سافا.

وتبلغ قيمة بلجراد على الماء حوالي 3.5 مليار يورو، والتي تحتاج حكومة صربيا وشركاؤها من الإمارات إلى استثمارها.

زيارات متكررة من قبل القادة السياسيين

تتكرر الزيارات المتبادلة بين قادة صربيا والإمارات للعاصمتين، وهو أحد المؤشرات على أن البلدين يعملان على رعاية علاقات خاصة.

وتكررت زيارات القاة الصرب للإمارات في أكتوبر/تشرين الأول 2015 ونوفمبر/تشرين الثاني 2016، وأيضا زار فوتشيتش أبوظبي في ديسمبر/كانون الأول 2018 ومارس/آذار وسبتمبر/أيلول 2021.

وشارك نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية صربيا إيفيكا داتشيتش في منتدى صير بني ياس في أبوظبي في 2017 و2018 و2019.

وقام نائب رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان بزيارة صربيا في أغسطس/آب 2018.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، قامت رئيسة وزراء صربيا، آنا برنايتش بدور المبعوث الخاص لرئيس صربيا في حفل افتتاح "أسبوع أبوظبي للاستدامة" وحفل "جائزة زايد للاستدامة".

من جهة أخرى، كانت حكومة الإمارات من أوائل من ساعدوا صربيا في مكافحة وباء فيروس "كوفيد-19" عن طريق إرسال طائرة بها 10 أطنان من المعدات الطبية التي تشتد الحاجة إليها في 29 مارس/آذار 2020.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، تم إصدار طابع بريدي تكريمًا لخمسين عامًا من الصداقة بين البلدين. صربيا أيضا لديها سفارتها في أبوظبي والإمارات لديها سفارة في بلجراد.

وفي عام 2020، بلغت التجارة بين البلدين نحو 120 مليون دولار.، وبلغت الصادرات من صربيا 93.7 مليون دولار والواردات من الإمارات 26.1 مليون دولار.

وبين عامي 2010 و2019، كانت الإمارات رابع أكبر مستثمر أجنبي مباشر في صربيا ، بحصة 3.1%، خلف الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.  وفي خريف عام 2021، صرح فوتشيتش بأن حوالي ألف شركة إماراتية تعمل في صربيا.

الدوافع السياسية للشراكة

ويرى التحليل أن الدافع الرئيسي الذي يقود السياسة الخارجية الصربية وبالتالي الموقف تجاه الإمارات هو سياسة عدم الانحياز والسياسة المزدوجة للمناورة بين الغرب والشرق.

بالنسبة لصربيا، تعد الشراكات مع القوى غير الغربية أو الشرقية بشكل عام مثل الصين وروسيا والهند وتركيا والإمارات العربية المتحدة جزءًا لا يتجزأ من السياسة الخارجية، وهو جزء ضروري للغاية من أجل خلق توازن مستدام في السياسة الخارجية، وأيضًا الاستقرار السياسي والاقتصادي الداخلي للبلاد.

من ناحية أخرى، ومن خلال الشراكة مع أبوظبي وأنقرة والمنامة وقوى أخرى في الشرق الأوسط، تجذب صربيا المستثمرين الأجانب وتخلق وظائف جديدة.

ومع هذا الهدف في ديسمبر/كانون الأول 2020، سافر فوتشيتش لزيارة البحرين، حيث أعرب عن رغبته في إقامة علاقات سياسية وتجارية أقوى مع تلك المملكة الخليجية.

من ناحية أخرى، تتوقف صربيا عن الاعتماد على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في حال قطع الغرب قنوات الاستثمار أو ربما فرض عقوبات على صربيا بسبب علاقاتها مع جيرانها.

وإذا حدث ذلك، فإن صربيا لديها تأمين بأنها لن تشهد التسعينات القاتمة مرة أخرى.

المصدر | ماتيا جيريتش | أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإماراتية الصربية تقارب البلقان يوجوسلافيا البوسنة

رئيسا الإمارات وصربيا يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية

لزيادة التجارة غير النفطية.. مباحثات إماراتية صربية لتوقيع شراكة اقتصادية