مودرن دبلوماسي: استراتيجية نظام العراق باللعب على الحبلين لن تستمر طويلا

الجمعة 3 مارس 2023 03:58 م

اعتبر الأكاديمي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط عامر أبوبكر، أن استراتيجية النظام في العراق المتمثلة في اللعب على الحبلين الأمريكي والإيراني أو ما يسميه زعماء النظام في بغداد بـ"الحياد" لن تستمر طويلا.

وأوضح أبوبكر في تحليل نشره موقع مودرن دبلوماسي أن هذه الاستراتيجية سوف تصدم إن آجلا أو عاجلا بالأمر الواقع في حال اقتضت المصالح الأمريكية تغيير بوصلتها لأوضاع تتماشى مع الواقع المقبل لجيران العراق.

ولفت إلى أن النخبة الحاكمة في العراق تعرف جيدا أهمية الدور الأمريكي في الحفاظ على شرعية النظام في بغداد دولياً، وأيضا دور الجماعات المسلحة الطائفية المدعومة من إيران في دعم النظام في الداخل، وهذا يفسر دقة هذه العلاقة التي يمكن وصفها بأنها علاقة مصالح وشكل من أشكال التشبث بالسلطة واللعب على الحبال.

مسؤولية أمريكية

وحمل أبوبكر مسؤولية الأوضاع المتأزمة في العراق في الوقت الحالي، للولايات المتحدة التي قال إنها نجحت منذ البداية بعد إسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين في صياغة مشروع طائفي عززت من خلاله مفهوم الانقسام الطائفي والمحاصصة لخدمة مصالحها آنذاك.

وأضاف أن بعد الإطاحة بصدام أصبح الوجود الأمريكي حليفًا رئيسيًا تسابقت من أجله الأحزاب الطائفية الشيعية والسنية، وقاتل من أجله أمراء الطائفية والنخة الجديدة في العراق، وهكذا، أصبح قادة العراق الجدد حلفاء مقربين لـ "المحرر" القادم من الخارج.

ولفت إلى أنه إذا كان الغزو الأمريكي قد نجح في إسقاط النظام السياسي السابق وفشل في اسقاط العراق كدولة، لكن الطائفية السياسية الناتجة عن الأسلوب الخاطئ في بناء العراق كفيلة بإسقاط الدولة العربية بشكل كامل ومحو خصوصيتها التاريخية كبلد نموذج للتناغم بين القوميات والأديان.

وقال أبوبكر: قد لا أبالغ عندما أقول إن هذا التشرذم، التي ما زالت تشهدها الساحة السياسية العراقية، وتقلبات سياسييها وتمسكهم بالسلطة؛ ساهم في إدامة الفتنة والانقسام في المكون العراقي الاجتماعي والسياسي كما هو الحال في نضال التيار الصدري والإطار التنسيقي، وأزمة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي مع عشائر الأنبار منذ انطلاق الانتخابات.

وهكذا، وبعد عقدين من سقوط النظام العراقي السابق ونتيجة لهذا الأسلوب الخاطئ والمتعمد في إعادة بناء الدولة، وفقا لأبوبكر، لا يزال الاختلاف في الرؤى بشأن علاقة العراقيين ببيئتهم الإقليمية يهدد استقرار ما تبقى من العراق، حيث فشلت الأحزاب الدينية في تطوير نظام حكم شامل للجميع.

كما زادت حدة الانقسامات الطائفية الداخلية نتيجة الإصرار المتعمد على خلق نخب طائفية تسيطر على القاعدة الطائفية الشعبية، بدلاً من التركيز على أهمية وحدة القاعدة الجماهيرية العريضة للطوائف. وأصبحت مؤسسات الدولة بؤر صراع بين أطراف تتنافس على السلطة والثروة.

ومع تزايد الاهتمام الأمريكي والدولي بهذه النخب والقوات الطائفية، ازدادت محاولات الأحزاب السياسية العراقية لإرضاء اليد الأمريكية المؤثرة لتتويجها كقادة لحكم العراق.

وهكذا نجحت الولايات المتحدة في لعبتها من خلال تقاربها مع المشروع الطائفي الإيراني، الأمر الذي ساهم في تصعيد الأزمة السياسية العراقية من خلال السماح للدين السياسي الطائفي بالسيطرة على الساحة السياسية، وبالتالي الاستيلاء على السلطة بقوة المال والسلاح، لدرجة أن معظم المؤسسات والفرق العسكرية أصبحت محتكرة.

اللعب على الحبلين

وفي ظل وجود زعماء طائفيين وبلد مفتاح الحكم فيها يتمثل في العناصر الأمنية والطائفية، والنفوذ والتلاعب بملفات الفساد، لم يتردد صقور الأحزاب الحاكمة في السيطرة على البنك المركزي رغم أنه إحدى الهيئات المستقلة المرتبطة بمجلس النواب والتي حصنها القانون من أي تدخل حكومي، ونقلوا مليارات الدولارات إلى إيران ودولا أخرى بالمنطقة.

وذكر الكاتب أن ذلك جرى تحت غطاء الإجماع الأمريكي الإيراني على قبول نظام سياسي عراقي جديد يحظى مسؤولوه وأحزابه برعاية ودعم غربيين، ويعتمد في استمرارها وقوتها على مليشيات طائفية مدعومة من إيران.

وتعرف النخبة الحاكمة أهمية الدور الأمريكي في الحفاظ على شرعية النظام دولياً من جهة، ودور الجماعات المسلحة في دعم النظام في الداخل. وهذا يفسر دقة هذه العلاقة التي يمكن وصفها بأنها علاقة مصالح وشكل من أشكال التشبث بالسلطة واللعب على الحبال.

ولفت إلى أن استمرار النظام العراقي بالمراوغة واللعب على الحبال الطائفية الإيرانية والأمريكية، أو ما يسميه مسؤولو النظام في بغداد بـ "الحياد"، سيصطدم عاجلاً أم آجلاً بواقع الأمر ، في حال اقتضت المصالح الأمريكية تغيير بوصلتها تتماشى مع الواقع المقبل لجيران العراق.

وهنا تكمن قدرة وأهمية العامل الأمريكي كطرف منظم وفعال وأساسي في قلب المشهد السياسي العراقي، مما يسهل عليه ممارسة الضغط السياسي على الأحزاب الحاكمة، ومن ثم رسم خارطة طريق وتحديد مسارها وفق السياقات والشروط المحلية والإقليمية التي قد يجدها السفير الأمريكي في بغداد مناسبة لإرضاء البعض.

أو بشكل آخر عن طريق تنبيه الآخرين، خاصة وأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، كما كان الحال في الإدارات الأمريكية السابقة، لا تزال تحتفظ بأوراق الضغط على النظام السياسي العراقي، من خلال عدم السماح للنظام السياسي العراقي بتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة له.

وخلص أبوبكر أن هذا ما قد يدفع الجانب الأمريكي إلى إعادة رؤية الأمور، ورسم مستمر لشكل المشهد السياسي العراقي، من خلال ترتيب خارطة طريق سياسية عراقية جديدة تخدم استراتيجية الإدارة الأمريكية وأجندتها التي جاءت من أجلها. العراق والمنطقة.

وهذا ما يراه العراقيون بجلاء في نشاطات السفير الأمريكي ومندوب الأمم المتحدة وسعيهما المشترك لاحتواء القوى السياسية والمسلحة النشطة على الساحة العراقية تماشياً مع التطورات الداخلية والإقليمية المقبلة.

المصدر | عامر أبوبكر/ مودرن دبلوماسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق الانقسام الطائفي قادة العراق إيران الولايات المتحدة غزو العراق

عسكريون أمريكيون: انقسام الميليشيات وضعف الحكومة يهددان العراق بحرب أهلية

20 عاماً على الغزو الأمريكي والعراق ما زال يتطلع لـ"ديمقراطية ليبرالية"