إيكونوميست: عبر خطة ثلاثية.. كيف تخطط أمريكا لكسر قبضة الصين على المعادن الأفريقية؟

الأحد 5 مارس 2023 07:05 ص

يبدو أن الولايات المتحدة قررت أخيرا التحرك لكسر قبضة الصين على معادن أفريقيا النفيسة.. هكذا يخلص تقرير نشرته مجلة "ذي إيكونوميست"، وترجمه "الخليج الجديد"، مستدلا بعدة شواهد كان أحدثها مشاركة أكبر وفد أمريكي على الإطلاق، يضم مسؤولين في البيت الأبيض ووزارات الخارجية والتجارة والطاقة، في مؤتمر التعدين الأفريقي "إندابا 2023"، والذي عقد في كيب تاون بجنوب أفريقيا خلال الفترة من 6 إلى 9 فبراير/شباط الماضي.

وتقول المجلة إن هذا الحدث يستضيف كبار الرؤساء التنفيذيين للشركات الصناعية في الصين وأمريكا والشرق الأوسط، حيث يُعد هذا الحدث أكبر مؤتمر للتعدين في أفريقيا الغنية بالمعادن النفيسة، والتي تهيمن عليها الصين بشكل لافت.

ويعكس حجم الحضور الأمريكي لمؤتمر التعدين الأفريقي نهم الولايات المتحدة إلى 50 "معدناً مهماً" تعتبرها ضرورية لتقليل انبعاثات الكربون، وخلق وظائف في قطاع الطاقة النظيفة، كما يقول التقرير.

على الرغم من أن عمليات البحث الأمريكية عن المعادن الحرجة عالمية، فإن أفريقيا تُعد موطناً أصيلاً لأكثر من 30% من الموارد المعدنية في العالم، وهي جزء مهم من صناعات الطاقة النظيفة اليوم.

معادن أفريقيا والطاقة النظيفة

ومن خلال التعهد بالقيام بالتعدين بشكل مختلف، تقول أمريكا إنها ستساعد في "تحويل الاقتصادات الأفريقية لفرص"، حيث يقول عاموس هوشستين، مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن لجميع الأمور المتعلقة بأمن الطاقة: "إن تحول الطاقة النظيفة عالمياً هو فرصة كبيرة لأفريقيا".

ويرى المسؤولون الأمريكيون أن أفريقيا تساعد في حل مشكلتين، الأولى هي النقص العالمي في المعادن، التي ستكون ضرورية إذا كان العالم يريد تحقيق أهدافه المناخية بالتحول نحو الطاقة النظيفة، حيث تعتقد وكالة الطاقة الدولية أنه بحلول عام 2040، سيحتاج صانعو تقنيات الطاقة النظيفة إلى الليثيوم 40 مرة أكثر من عام 2020، و25 ضعفاً من الجرافيت، وحوالي 20 ضعفاً من النيكل والكوبالت.

وقد يكون الطلب على العناصر الأرضية النادرة المعادن الموجودة في الأجزاء الباطنية المستخدمة في كل شيء، من مغناطيسات توربينات الرياح إلى الطائرات المقاتلة، أعلى بـ7 مرات بحلول نهاية العقد المقبل.

المشكلة الثانية، التي ستحلها أفريقيا -على الأقل بالنسبة للغرب- هي تأثير الصين الضخم على سلاسل التوريد، حيث تقوم الأخيرة بتكرير 68% من النيكل في العالم، و40% من النحاس، و59% من الليثيوم، و73% من الكوبالت، وفقاً لتقرير صدر في يوليو/تموز عن معهد بروكينجز، وهو مؤسسة فكرية أمريكية.

وينقل التقرير عن برايان مينيل، الرئيس التنفيذي لشركة  TechMet، وهي شركة معادن أمريكية، قوله: "لقد كان للصين حرية التصرف لمدة 15 عاماً في معادن أفريقيا، بينما كان بقية العالم نائماً"، حسب تعبيره.

وترى أمريكا معدن الكوبالت النادر، الذي يستخدم في صناعة بطاريات أيون-الليثيوم القابلة لإعادة الشحن والمستخدمة في المركبات الكهربائية، كما يُستخدم في صناعة العديد من أنواع الإلكترونيات، كحكاية تحذيرية لخطورة نقص الإمدادات وتحكم الصين بها.

هيمنة الصين

ففي الكونغو، التي تُعد مصدراً لحوالي 70% من الإنتاج العالمي من الكوبالت، تمتلك الكيانات الصينية حصصاً في 15 من أصل 19 منجماً لإنتاج الكوبالت اعتباراً من عام 2020.

ويقول التقرير إن قرار أمريكا ببيع أحد أكبر مناجم النحاس والكوبالت في الكونغو إلى الصينيين في عام 2020، يُنظر إليه الآن في واشنطن على أنه عمل غبي هائل، حيث مثّل بيع شركة تعدين أمريكية عملاقة في الكونغو إلى تكتل صيني بداية النهاية لأي وجود أمريكي كبير في مجال تعدين الكوبالت بالدولة الأفريقية.

وأبرمت شركات تصنيع البطاريات الصينية بعد ذلك اتفاقيات مع شركات التعدين لتأمين إمدادات ثابتة من المعدن، وتلقت الشركات في الكونغو ما لا يقل عن 12 مليار دولار في شكل قروض وتمويلات أخرى من مؤسسات مدعومة من الدولة الصينية، ومن المرجح أن تكون قد استقطبت مليارات أخرى.

ويعلق مسؤول أمريكي على ذلك بالقول: "لا يمكننا أن نسمح الآن للصين بأن تصبح منظمة أوبك من حيث المعادن المهمة".

ويرى التقرير أن استراتيجية الولايات المتحدة للعودة بقوة إلى قطاع التعدين في أفريقيا ترتكز على ثلاثة طرق:

الأول، هو جهد متعدد الأطراف يضم حلفاء غربيين لاكتشاف معادن القارة السمراء.

ففي يونيو/حزيران 2022، أطلق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، شراكة أمن المعادن (msp)، التي تضم 13 عضواً من جميع دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، حيث تتطلع هذه البلدان إلى تأمين مزيد من المعادن النادرة لصناعاتها.

والشراكة هذه التي تقودها الولايات المتحدة هي عمل مستمر، ولكن يبدو أن الدول الأعضاء ستدعم شركاتها الخاصة التي تقترح مشاريع تعدين تلبي معايير بيئية واجتماعية وحوكمة عالية.

وقد يشمل هذا الدعم الضغط لبناء منجم، أو تمويل مشاريع محلية، أو المساعدة في جذب الاستثمار الخاص لتلك الدول الأفريقية.

ولا تقتصر الشراكة الأمريكية الغربية هذه على مشروعات في أفريقيا، لكن ممثلين من الكونغو وموزمبيق وناميبيا وتنزانيا وزامبيا حضروا اجتماعاً لمناقشة الأمر في نيويورك العام الماضي. وأثناء انعقاد الجلسة، سلط بلينكن الضوء على منجم الجرافيت في موزمبيق، الذي تلقى مالكه قرضاً من الحكومة الأمريكية، مما يقلل ظاهرياً من مخاطر الصراع في المنطقة من خلال توفير الوظائف للسكان المحليين.

المسار الثاني، يشتمل على مشروعات "إزالة المخاطر" والاستثمار في البنية الأساسية في الدول الأفريقية هذه، عبر الوكالات التنموية الأمريكية، كما فعلت في الزراعة أو قطاع الطاقة على سبيل المثال في أماكن مختلفة.

وبالإضافة إلى بنك التصدير والاستيراد الأمريكي، الذي يقدم التمويل التجاري، هناك مؤسسة تمويل التنمية الدولية (dfc) التي ضاعفت إدارة ترامب سقف الإقراض الخاص بها إلى 60 مليار دولار عام 2018.

وعلى الرغم من أن dfc لديها استثمار مباشر واحد فقط في التعدين، فإنها حريصة على إضافة المزيد.

المسار الثالث، هو دبلوماسية أكثر نشاطاً في أفريقيا.

جهود أمريكية أخرى

ومنذ أن استضاف بايدن أكثر من 40 من القادة الأفارقة في واشنطن العاصمة في ديسمبر/كانون الأول 2022، قام العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، بزيارة القارة. ومن المتوقع أن يزور بايدن عدة دول أفريقية هذا العام.

وكانت فكرة التجديد الأمريكي لخط السكة الحديد التي يمكن أن تنقل النحاس من الكونغو وزامبيا إلى ميناء لوبيتو في أنجولا موضع نقاش منذ وقت طويل.

وستوفر هذه السكة طريقاً للخروج من وسط أفريقيا أسرع بكثير من الرحلة المعتادة عن طريق البر إلى ميناء ديربان في جنوب أفريقيا.

لكن التقدم بهذا المشروع توقف حتى انضمام رؤساء جدد في البلدان الإفريقية الثلاثة المعنية (جواو لورينسو في أنجولا في عام 2017، وفيليكس تشيسكيدي في الكونغو في عام 2019، وهاكايندي هيشيليما في زامبيا في عام 2021).

ويتمتع الثلاثي بعلاقات أفضل من بعض أسلافهم مع الولايات المتحدة ومع بعضهم البعض، وهم أقل ميلاً للصين.

وفي العام الماضي، تغلب تحالف صناعي غربي على الشركات الصينية في عقد إعادة بناء خط السكة الحديد، حيث يرى الدبلوماسيون الأمريكيون الذين شجعوا على المشروع في ذلك نجاحاً دبلوماسياً أمريكياً.

نجاح آخر محتمل هو مذكرة التفاهم التي وقعتها الولايات المتحدة والكونغو وزامبيا في يناير/كانون الثاني 2023.

وتقول أمريكا إنها ستساعد أكبر مصدري النحاس في أفريقيا على القيام بأكثر من مجرد تصدير المعدن في حالته الأولية، عبر تلك الاتفاقية، التي ستساعد أمريكا بموجبها البلدين الأفريقيين في بناء سلاسل التوريد لمعالجة المعادن الخام في "سلائف بطاريات" للسيارات الكهربائية.

تعطش الغرب للمعادن

ويستقبل السياسيون الأفارقة مذكرة التفاهم الأمريكية بترحيب حذر، حيث يقول سيتومبيكو موسوكوتواني، وزير المالية في زامبيا، إنه يعلم أن الدول الغربية لا يمكنها إدارة شركاتها الخاصة. لكن "لا يزال بإمكانهم تقديم المساعدة من خلال الحديث عن المخاطر المتصورة لأفريقيا".

في الوقت نفسه، تُعد شركات التعدين الصغيرة هدفاً لمشاريع واشنطن، وهي تستجيب لإشاراتها بحسب التقرير.

وقال مسؤول تنفيذي غربي باع مناجم معادن في أفريقيا لشركات صينية، إنه يستكشف الآن مشاريع في دول تتمتع بعلاقات جيدة مع أمريكا، مثل زامبيا.

ويأمل عمال المناجم الصغار الآخرون في أن يؤدي تعطش الغرب لمشاريع التعدين الصديقة للبيئة في تقديم مقترحات استثمارية أكثر جاذبية لهم.

ويستشهد الكثيرون بمثال  Lifezone Metals، وهي شركة تعدين من المقرر إدراجها في نيويورك، والتي تخطط لاستخراج النيكل من منجم في تنزانيا باستخدام تقنيات حديثة.

وفي العام الماضي حصلت شركة bhp، على أول استثمار كبير في أفريقيا منذ عدة سنوات.

لكن التقرير يستدرك بالقول: مع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت طموحات الغرب الجيوستراتيجية ستُترجم إلى زيادة هائلة في الاستثمار.

من المتوقع أن يرتفع الإنفاق الرأسمالي من قبل 20 من كبار عمال المناجم بنحو 12% في عام 2023، وفقاً لشركة Mining Technology.

وهذا أقل من تقديرات المحللين لما هو مطلوب للغرب لتحقيق أهداف المناخ.

ويقول دنكان وانبلاد، الرئيس التنفيذي لشركة Anglo American، إن هناك عدداً قليلاً جداً من المشاريع القابلة للتمويل قيد التطوير حالياً.

فيما يقول مسؤول تنفيذي آخر إن "النية الأمريكية حول معادن أفريقيا حقيقية، لكنهم لا يعرفون ماذا يفعلون".

الأولويات الأفريقية والأمريكية

غالباً ما لا تكون الأولويات الأفريقية أولويات أمريكية.

ويقول رئيس تنفيذي آخر: "ما يقلقني هو أن نصف الوفد الأمريكي يؤمن بهرائه" ، مضيفاً: "لا يكفي أن تكون أمريكا فقط".

من جهته، يرحب سامح شنودة، المدير التنفيذي لمؤسسة "أفريكا فاينانس"، وهي صندوق أفريقي مقره في نيجيريا، بالاهتمام الغربي المتجدد بالتعدين في القارة السمراء، لكن لديه قلقين.

الأول هو أن المشاريع ستستغرق وقتاً طويلاً لتبدأ بسبب البيروقراطية الأمريكية، والثاني هو أن دفع أمريكا للتحالف مع الاستثمار الصديق للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في التعدين قد لا يستمر في ظل حكم رئيس جمهوري.

ويظهر المسؤولون الأمريكيون أحياناً على أنهم "متبرعون" عندما يحذرون الأفارقة من إبرام صفقات مع الصين.

ويقول مستشار سابق لرئيس أفريقي: "الأمريكيون جاهلون تماماً بما يدور في سياستنا".

 وترغب العديد من الحكومات الأفريقية في مزيد من التدخل الأمريكي في القارة، لكنها ليست في عجلة من أمرها للتخلي عن الصين، لاسيما أن المنافسة المتزايدة قد تسمح للحكومات الأفريقية بإبرام صفقات أفضل.

المصدر | ذي إيكونوميست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التعدين في أفريقيا صناعة التعدين المعادن العلاقات الأمريكية الأفريقية العلاقات الأمريكية الصينية هيمنة الصين

وفاة 5 عطشا وفقدان العشرات في مناطق التعدين بالسودان