احتجاجات تونس تحتدم.. قيس سعيد بين تسوية سياسية أو انفجار شعبي

الأحد 5 مارس 2023 09:55 م

خلال 48 ساعة شهدت تونس احتجاجات شعبية ربما تمثل متغيرا حاسما في معادلة الأزمة المحتدمة بين جبهة الخلاص الوطني المعارضة والاتحاد العام للشغل (أكبر نقابة عمالية) من جهة، ورئيس البلاد قيس سعيد من جهة أخرى.

والأحد، شارك المئات من التونسيين في مسيرة احتجاجية بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ورفضا لسياسات سعيد.

واحتشد المحتجون بدعوة من جبهة الخلاص، على الرغم من رفض والي تونس الموافقة على هذه المسيرة، بدعوى أن بعض قيادات الجبهة متهمون بـ"التآمر على أمن الدولة".

ومتوجها إلى المحتجين، قال رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي: "حضوركم بهذا العدد وهذه العزيمة دليل على أنكم لن تفرطوا في مكتسبات الثورة"، في إشارة إلى ثورة 2011 التي أطاحت بنظام حكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

وردد المحتجون هتافات منها: "لا خوف ولا رعب السلطة ملك الشعب"، و"يسقط يسقط الانقلاب"، و"شادين شادين (متمسكون) في سراح المعتقلين"، ورفعوا لافتات مكتوب عليها شعارات منها: "الحرية لكل المعتقلين السياسيين".

وفي 11 فبراير/شباط الماضي، بدأت حملة اعتقالات شملت سياسيين وإعلاميين وناشطين وقضاة ورجال أعمال، واتهم سعيد بعضهم بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".

وبينما شدد سعيد مرارا على استقلال القضاء، تتهمه المعارضة باستخدامه لملاحقة الرافضين لإجراءات استثنائية بدأ فرضها في 25 يوليو/تموز 2021 وأبرزها حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإقرار دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة سجلت نسبة مشاركة متدنية.

وتعتبر قوى تونسية، في مقدمتها جبهة الخلاص، تلك الإجراءات "تكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى "تصحيحا لمسارة ثورة 2011".

فيما قال سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من "انهيار شامل".

وعلى الرغم من عدم التصريح لمسيرة المعارضة، فإن وزارة الداخلية قالت، في بيان الأحد، إنها أمنت المسيرة، لكنها أبلغت النيابة بملابساتها.

ويرجح مراقبون أن تمهد هذه الخطوة لبدء ملاحقات قضائية بحق قادة في جبهة الخلاص، أكبر تجمع للمعارضة في تونس.

وهذه الجبهة أُسست في 31 مايو/أيار 2022، وتضم 6 أحزاب هي "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"حراك تونس الإرادة" و"الأمل" و"العمل والإنجاز"، بالإضافة إلى حملة "مواطنون ضد الانقلاب".

استعراض للقوة

احتجاجات جبهة الخلاص جاءت غداة حشد الاتحاد العام التونسي للشغل الآلاف من أنصاره في العاصمة ضد سياسات سعيد، في ما اعتبرته تقارير إعلامية تونسية "استعراض للقوة".

وقال محتجون إنهم يتظاهرون ضد ما اعتبروه استهدافا للحريات النقابية والعامة والخاصة. ومرددين هتافات منها "يا سعيد يا جبان.. الاتحاد لا يُهان"، رفع المحتجون لافتات مكتوب عليه: "حريات حريات دولة البوليس وفات (انتهت)"، و"لا للحكم الفردي"، و"أوقفوا الهجمة على الاتحاد".

ومخاطبا المحتجين، قال الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي: "تونس الثورة وتونس التي تنادي بالعدالة الاجتماعية لن يكون فيها قمع ولا استبداد مهما كانت التكاليف".

ويتصاعد التوتر بين المنظمة النقابية من جهة ورئاستي الدولة والحكومة من جهة أخرى، إذ يتهم الاتحاد السلطات بالسعي إلى رفع الدعم عن المواد الأساسية وبيع مؤسسات القطاع العام تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي، ومحاولة استهداف المنظمة والعمل النقابي.

وإلى جانب الأزمة السياسية، تعاني تونس من تدهور غير مسبوق للأوضاع الاقتصادية والمعيشية جراء أزمة اقتصادية فاقمتها تداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ أكثر من عام.

وينخرط في صفوف الاتحاد ما لا يقل عن 80% من موظفي الدولة، وقد تأسس في 20 يناير/كانون الثاني 1946، أي قبل 10 سنوات من استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي.

قلق أمريكي

ولم تقتصر المخاوف والقلق من تطورات المشهد التونسي على القوى الفعالة داخل البلاد، إذ شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على ضرورة العمل للحفاظ على الديمقراطية في تونس التي انطلق منها "الربيع العربي".

وقال جوتيريش، في مقابلة مع قناة "الجزيرة" القطرية الجمعة، إنه ينبغي ألا يُعتقل أي شخص على خلفية رأيه السياسي.

كم أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من حملة الاعتقالات بحق ناشطين في تونس بذريعة تواصلهم مع السفارة الأمريكية هناك، في إشارة إلى اتهام ناشطين تونسيين بالتخابر مع دبلوماسيين.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس إن "هذا جزء من وتيرة متصاعدة من الاعتقالات ضد مَن يعتبرون معارضين للحكومة"، مشددا على أن الدبلوماسيين الأمريكيين في أنحاء العالم يلتقون شخصيات مختلفة في كل البلدان.

قطار الديمقراطية

ومعلقا على التطورات في المشهد السياسي، اعتبر المؤرخ التونسي الهادي التيمومي، في حديث مع إذاعة "موزاييك إف إم" المحلية الأحد، أن ما يجري هو "أمر طبيعي".

وفي ما تبدو دعوة لسعيد إلى الاستجابة لمطالب الشارع المحتج، أضاف أن "قطار الديمقراطية في تونس انطلق منذ القرن 19.. ومَن هم في مواقع القرار يجب أن يعرفوا أن قطار الديمقراطية انطلق ولا يمكن إيقافه".

واعتبر التيمومي أن ما وقع في تونس عام 2011 هي "انتفاضة ذات طابع ثوري"، وقد أصبحت اليوم "شبه فاشلة"، على حد تقديره.

مستقبل تونس

ومع نزول اتحاد الشغل بثقله إلى الشارع ضد سياسات سعيد، فإن استمرار تلك السياسات سيعني، وفق متابعين، مزيدا من الحشد الاحتجاجي وربما تتقارب المواقف بين أكبر منظمة عمالية (الاتحاد) وأكبر تحالف للمعارضة (جبهة الخلاص).

وفي البداية، أبدى الاتحاد تفهما لإجراءات سعيد الاستثنائية، واعتبر أن سوء الأوضاع السياسية والاجتماعية كان يتطلب تدخلا من الرئيس لـ"تصحيح المسار"، لكن لاحقا بدأ خطابه في التغير وقاطع جلسات الحوار التي سبقت الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في 25 يوليو/تموز 2022.

وعلى الرغم من إقرار الاتحاد بأن النهج الانفرادي لسعيد أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، فإنه يرفض حتى الآن التعامل مع مَن يصف ما جرى في 25 يوليو/تموز 2021 بـ"الانقلاب"، في إشارة إلى جبهة الخلاص، وفق تقدير موقف لـ"المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات".

ويبدو المشهد منفتحا على تقارب محتمل بين اتحاد الشغل وجبهة الخلاص، ليجد سعيد نفسه حينها أمام خيارين، الأول هو تسوية سياسية قد تشمل بالأساس إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وربما التراجع عن كل أو بعض إجراءاته الاستثنائية.

أما الخيار الثاني، وهو ما يرجحه مراقبون، فهو أن يستمر سعيد في مساره، مع مزيد من الاعتقالات والاحتقان والتأزيم السياسي، مما يهدد بانفجار الشارع غير المؤطر جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وقد يقود إلى الاصطدام بأجهزة الدولة الأمنية، بحسب المركز.

المصدر | ياسين مهداوي - الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس قيس سعيد احتجاجات جبهة الخلاص اتحاد الشغل

تونس.. العفو الدولية تتحدث عن "ترسانة قوانين" لإسكات منتقدي قيس سعيد

قرار قضائي بحبس وزير الفلاحة السابق في تونس.. لماذا؟