اعتقالات تونس.. إحباط لتآمر على الدولة أم تعزيز لقبضة الرئيس؟

الأربعاء 15 فبراير 2023 01:35 م

على وقع اعتقالات جديدة واتهامات متبادلة، يرتفع منذ أيام منسوب الأزمة السياسية الحادة في تونس بين قوى المعارضة والرئيس قيس سعيد؛ وهو ما يعزز مخاطر "الفوضى والعنف".

هذه الجولة الجديدة من المواجهة بين الطرفين في تونس، مهد ثورات "الربيع العربي"، تأتي ضمن مشهد متأزم بدأه "سعيد" في 25 يوليو/ تموز 2021 عبر فرض إجراءات استثنائية.

ومن أبرز هذه الإجراءات: إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022 وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في 25 يوليو/تموز الماضي.

وتعتبر أغلب القوى الوازنة في تونس هذه الإجراءات "انقلابا على دستور 2014 (دستور الثورة) وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

ومدعوما من الفريق الثاني، قال سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من "انهيار شامل"، وهو ما يشكك فيه الفريق الأول ويتهم الرئيس بتعزيز قبضته على السلطات كافة.

حملة اعتقالات

على تلك الأرضية الملتهبة في بلد "ثورة الياسمين"، وغداة اجتماع بين سعيد ووزيرة العدل ليلى جفال، شرعت قوات الأمن، السبت، في حملة اعتقال استمرت عدة أيام وشملت سياسيين وقاضيين وإعلاميا ورجل أعمال.

ومن بين المعتقلين: القيادي السابق في حركة النهضة (أكبر كتلة في البرلمان المنحل)، عبدالحميد الجلاصي، ورجل الأعمال كمال لطيف، والقيادي السابق في "حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، خيام التركي، وفق المحامي والسياسي غازي الشواشي.

كما شملت الاعتقالات كلا من نائب رئيس حركة النهضة وزير العدل الأسبق نورالدين البحيري، ومدير إذاعة "موزاييك" (خاصة)، نور الدين بوطار، بحسب الناشط السياسي جوهر بن مبارك.

واعتقل الأمن أيضا الرئيس الأول الأسبق لمحكمة النقض القاضي المعزول الطيب الراشد، ووكيل الجمهورية الأسبق بالمحكمة الابتدائية بتونس القاضي المعزول بشير العكرمي، بتهمة شبهات فساد مالي وتستر على الإرهاب، وهو ما ينفيان صحته.

والأربعاء، قال المحامي مختار الجماعي، عضو هيئة الدفاع عن البحيري، في تصريح صحفي، إن قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية العاصمة أمر بإيداع البحيري السجن بتهمة "التآمر على أمن الدولة".

ومن قبل الحملة الراهنة، تعتقل السلطات القيادي في النهضة رئيس الحكومة الأسبق علي العريض (مارس/آذار 2013 - يناير/كانون الثاني 2014) في قضية "تسفير تونسيين إلى بؤر التوتر (العراق وسوريا) خارج البلاد".

وفي هذه القضية تتابع السلطات عددا آخر من قيادات النهضة، بينهم رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي، بينما تنفي الحركة صحة هذا الاتهام، وتعتبرها محاكمة مُسيسة تستهدف الرافضين للإجراءات الاستثنائية.

أزمة السلع والأسعار

وفي أكثر من مناسبة، شدد سعيد على استقلال منظومة القضاء. وبعد تكتم رسمي على الاعتقالات، كسر حالة الصمت بإطلاقه اتهامات خلال اجتماعه مع وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية كلثوم بن رجب، مساء الثلاثاء، وفق مقطع مصور بثته الرئاسة على "فيسبوك".

سعيد قال إن "الإيقافات الأخيرة أظهرت أن عددا من هؤلاء المجرمين المتورطين في التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وهذا بالإثباتات، هم الذين يقفون وراء الأزمات المتصلة بتوزيع السلع وبالترفيع في الأسعار".

ومنذ فترة، تعاني تونس من شح في سلع أساسية عديدة، بينها الحليب والقهوة والسكر، بموازاة ارتفاع كبيرا في الأسعار والتضخم؛ ما تسبب في موجات من احتجاجات شعبية ضد السلطة في مناطق متعددة.

ومتوعدا، أضاف "سعيد" أن "هناك عصابات منظمة تأتمر بأوامر هؤلاء الخونة والمرتزقة.. لابد من التصدي لهم بقوة القانون".

وشدد على أن "الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مَن عمل ومازال يفكر في تأجيج الأوضاع الاجتماعية بالترفيع في الأسعار وبتخزين السلع"، وهو ما اعتبره نشطاء تلميحا إلى حملات اعتقال أخرى مرتقبة.

وفي اليوم نفسه الذي أطلق فيه هذه الاتهامات، زار سعيد مقر وزارة الداخلية والتقى عددا من قياداتها، وقال إن "الكثيرين حاولوا تفكيك الدولة ويحاولون اليوم بكل الطرق تأجيج الأوضاع الاجتماعية لبلوغ مآربهم المفضوحة".

فوضى وعنف

على الجانب الآخر من المشهد التونسي، وخلال مؤتمر صحفي الأربعاء، قال رئيس جبهة الخلاص الوطني (معارضة)، أحمد نجيب الشابي، إن المعارضين الذين أوقفتهم السلطات مؤخرا لم يتآمروا على أمن الدولة.

وتابع: "التآمر على أمن الدولة يتم بالتقارر (الاتفاق بين المتهمين) على تبديل هيئة الدولة بالعنف"، معتبرا أن توجيه السلطة تهم التآمر إلى معارضيها يدل على "تخبطها ومحاولة إلهاء الرأي العام بالحديث عن المؤامرات".

و"جبهة الخلاص" أُسست في 31 مايو/ أيار 2022، وتضم 5 أحزاب هي "النهضة"، "قلب تونس"، "ائتلاف الكرامة"، "حراك تونس الإرادة"، "الأمل"، بالإضافة إلى حملة "مواطنون ضد الانقلاب".

واعتبرت الجبهة، عبر بيان مساء الثلاثاء، أن حملة الاعتقالات الجديدة "محاولة يائسة لإسكات صوت المعارضة لانقلاب 25 تموز/يوليو"، محذرة من أنها "لن تزيد الأزمة السياسية وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي سوى تعمقا وتعفنا؛ ما يُعرض البلاد إلى أخطار الفوضى والعنف".

وجددت نداءها، عبر البيان، لكافة القوى الوطنية من أحزاب ونقابات ومنظمات مهنية وشخصيات مستقلة بأن "ينفضوا عن أنفسهم غبار الانقسامات والخلافات الماضية ويضعوا نصب أعينهم مستقبل الحرية والديمقراطية وإيقاف التدهور الذي يصيب البلاد ويهدد كيانها".

الاقتصاد والانتخابات

ما بين روايتي السلطة والمعارضة، يعزو مراقبون حملة الاعتقالات الجديدة إلى محاولة السلطة إلهاء الرأي العام عن الوضع الاقتصادي المتردي وإسكات أصوات المعارضة المتصاعدة، مستفيدةً من الأزمة الاقتصادية والمقاطعة الشعبية للانتخابات التشريعية المبكرة.

وبلغت نسبة المشاركة في الدور الأول من انتخابات مجلس نواب الشعب (البرلمان) 11.2% والدور الثاني 11.4%؛ وهو ما اعتبرته المعارضة دليل على فشل سياسات سعيد، ودعت إلى انتخابات رئاسية مبكرة.

أما سعيد فاعتبر أن "مشاركة بـ9 أو 12% أفضل من الـ99% الذين كانوا يشاركون فيها وكانت تتهاطل برقيات التهاني من الخارج، وتعلم تلك العواصم أن تلك الانتخابات مزورة"، على حد قوله.

"حياد" الجيش والأمن

وفي ضوء اجتماعات سعيد المتكررة بقيادات المؤسستين العسكرية والأمنية، دعا "الشابي" قوات الأمن والجيش إلى الالتزام بالحياد.

لكن يوسف ندا، القيادي بجماعة "الإخوان المسلمون" ومفوضها السابق للعلاقات الدولية، اعتبر في تصريحات لـ"الخليج الجديد"، أن "الأحداث المتوالية في تونس أثبتت أن قيس سعيد مجرد أداة بيد الجيش، الذي يعد الجهة الحقيقية وراء انقلاب 25 تموز/يوليو 2021". وأكثر من مرة نفى سعيد صحة اتهامه والجيش بتنفيذ انقلاب عسكري".

وأضاف "ندا" أن "الجيش اختطف تونس الخضراء لكن بواجهة مدنية، وهو الرئيس سعيد، على غرار ما حدث في بعض البلدان العربية الأخرى، ما يكشف سر بقاء واستمرار سعيد حتى الآن في موقعه، رغم حالة الرفض الكبيرة التي تواجهه في الداخل والخارج".

ومنطلقا من قراءة لـ"التاريخ"، شدد على أن "الوسيلة الوحيدة المتاحة للإنقاذ هي الزجّ بهذا المقامر (يقصد سعيد) خارج موقعه وعودة البلاد إلى الحرية والديمقراطية والتنافس السياسي لخدمة الدولة، على أن تمارس المؤسسة العسكرية دورها الدستوري والوطني بعيدا عن التدخل في الحياة السياسية".

المصدر | ياسين مهداوي - الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس اعتقالات قيس سعيد المعارضة تآمر الرئيس

خطاب من الثكنة العسكرية.. قيس سعيد يهدد خصومه بعد ضربة الانتخابات

الولايات المتحدة تعلق على توقيف معارضين للرئيس التونسي

الأمن التونسي يعتقل المدير السابق لمكتب الغنوشي

الرئيس التونسي يرفض التدخل الأجنبي ويطالب بإسقاط ديون بلاده

تونس.. التصعيد ضد المعارضة يتواصل بإحالة 14 محامياً للتحقيق

أسبوع من الاعتقالات والتوقيفات للمعارضة في تونس.. تعرف عليها (تسلسل زمني)

معضلة المعارضة التونسية.. اتفاق على وجود الأزمة واختلاف على رحيل سعيد

وزير خارجية تونس الأسبق رفيق عبدالسلام لـ"الخليج الجديد": عزلة سعيّد تتزايد ونهاية الانقلاب تقترب

احتجاجات تونس تحتدم.. قيس سعيد بين تسوية سياسية أو انفجار شعبي