إيكونوميست: قيس سعيّد يتبنى نظرية "الاستبدال العظيم" لشغل التونسيين عن إخفاقاته

الاثنين 6 مارس 2023 09:57 ص

"بات الرئيس التونسي قيس سعيّد يتبنى نظرية الاستبدال العظيم، من خلال خطابه عن المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، وذلك لشغل الناس عن إخفاقاته".

هكذا تعلق مجلة "ذي إيكونومست" في تحليلها، على دعوة سعيّد في 23 فبراير/شباط الماضي، مجلس الأمن القومي في بلاده، إلى ضرورة وضع حد لظاهرة تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، مرجعا الأمر إلى "ترتيب إجرامي يهدف لتغيير تركيبة تونس الديمجرافية".

وأشار سعيّد إلى أن "الهدف غير المعلن لهذه الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية، اعتبار تونس دولة أفريقية فقط، ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية".

ويعتبر التحليل الذي ترجمه "الخليج الجديد" أن هذه الدعوة تمثل استحضارا لنظرية "الاستبدال العظيم" اليمينية المتطرفة، التي صاغها الكاتب الفرنسي رينو كامو عام 2010، وتقوم على فكرة وجود "مؤامرة" أن يستبدل بالسكان الأوروبيين المسيحيين البيض سكانا مسلمين وعربا من الشرق الأوسط وأفريقيا.

وتسببت هذه النظرية بحوادث عدة تعرض لها المسلمون في العالم، أبرزها الجريمة التي ارتكبها الأسترالي المتطرف برينتون تارنت ضد مسجدين في نيوزيلندا عام 2019، وأسفرت عن مقتل 50 شخصا وجرح العشرات، خلال أدائهم صلاة الجمعة، حيث ردد الجاني شعارات مؤيدة لنظرية "الاستبدال" قبل تنفيذ الجريمة.

وتتعجب المجلة من استدعاء سعيّد للنظرية اليمينية المتطرفة فتقول: "هذه اللغة لم تصدر عن مارين لوبان أو جورجيا ميلوني".

وتضيف: "ثمة مفارقة كالحة في تصريحاته التي أدلى بها، فمواطنوه ما فتئوا يُستهدفون بمثل هذا الخطاب بعد عبورهم البحر المتوسط إلى أوروبا، علماً بأن رئاسته الاستبدادية للبلاد دفعت أعداداً متزايدة منهم نحو القيام بتلك الرحلة".

جاء انتخاب قيس سعيد في عام 2019 ثمرة لسنوات من التعطل السياسي، ومعاناة التونسيين من الاقتصاد الضعيف والفساد المستشري والانعدام في المساواة، الأمر الذي أسخط العديد من المواطنين، ودفع ما يقرب من 73% من الناخبين نحو التصويت لأستاذ القانون الذي لم يسمع به كثير من الناس، بمظهره الذي أشبه ما يكون بمظهر الرجل الآلي، وحملته الانتخابية الغامضة، وفق المجلة.

وتضيف: "لقد أمضى جل وقته بالرئاسة في عملية تفكيك للديمقراطية الناشئة، فعطل أجزاء كبيرة من الدستور ووجه الدبابات نحو البرلمان لتغلق أبوابه في وجوه ممثلي الشعب، ثم مرر على عجل من خلال استفتاء شعبي دستوراً جديداً ركيك الصياغة يضمن له الحكم كرئيس قوي لا يقيده أو يحد من صلاحياته مجلس تشريعي منتخب".

وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية ألقت الشرطة القبض على قائمة طويلة من النقاد، حيث تعرض زعماء الأحزاب السياسية الإسلامية والعلمانية على حد سواء للجر بالقوة من بيوتهم، وكان ذلك أيضاً مصير مدير إحدى القنوات الإذاعية الشعبية، وأحد المحامين المعروفين، وأحد رؤساء الأندية الرياضية.

وتتابع المجلة: "فعلياً، لقد غدا انتقاد الرئيس الآن جريمة يحاسب عليها القانون، رغم أن هناك ثمة الكثير مما يستحق النقد، فلم يقم سعيّد بما يستحق الذكر لإصلاح الاقتصاد الذي يغرق".

تجاوز المعدل السنوي للتضخم 10%، وبلغت نسبة البطالة 15%، وبات ثلث خريجي الجامعات ونسبة كبيرة من الشباب لا يجدون عملاً، وفقدت العملة حوالي 55% من قيمتها منذ عام 2011.

أما وقد دفنت تحت جبل من الدين الإجمالي العام، والذي تقدر نسبته بما يقرب من 89% من الناتج القومي الإجمالي، تجد تونس مشقة بالغة في دفع ثمن مستورداتها، ما خلف نقصاً حاداً في السكر والمكرونة والمواد الأساسية الأخرى.

وفي هذه الأثناء، وصلت محادثات الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي إلى طريق مسدود.

وتعلق "ذي إيكونومست" على ذلك بالقول: "أمام ذلك يتطلع التونسيون بشغف إلى الخروج من بلدهم المبتلى بالكساد والسلطوية".

ويعمد التونسيون المتعلمون والأثرياء إلى السفر جواً إلى الغرب أو إلى الخليج، وللمفارقة، إلى أحد بلدان أفريقيا ما وراء الصحراء.

وأما التونسيون الفقراء فيجربون حظهم عبر البحر المتوسط؟ حيث وصل إلى السواحل الإيطالية في قوارب ما يزيد على 2600 منهم في عام 2019، وهي نفس السنة التي تسلم فيها سعيّد الرئاسة.

وفي عام 2020، فقد ركب عباب البحر مهاجراً من تونس عبر المتوسط ما يزيد على 18 ألفاً.

أما من تبقى منهم في داخل البلد، فقد فقدوا الثقة في سعيّد الذي تراجعت شعبيته بشكل حاد، فمنذ أن جاء وهو يوجه اللوم إلى تشكيلة من كباش الفداء محملاً إياهم المسؤولية عما تعانيه تونس من مآس، بما في ذلك السياسيون الفاسدون، والمضاربون على الأسعار، والسفارات الأجنبية.

ومؤخرا، أضاف إلى القائمة المهاجرين السود، وذلك في تصريحات شديدة التشاؤم لدرجة أنها حازت على إشادة من إريك زيمور، السياسي المتطرف المناهض للمهاجرين، الذي نافس في العام الماضي على انتخابات الرئاسة الفرنسية، والذي غرد قائلاً: "بدأت بلدان المغرب العربي نفسها تدق ناقوس الخطر في وجه الهجرة المتعاظمة".

بالفعل، غدت تونس، بسبب قربها من أوروبا، محطة يمر من خلالها المهاجرون الذين يقصدون سواحل القارة الأوروبية قادمين من بلدان مثل ساحل العاج، لكن أرقام هؤلاء المهاجرين صغيرة.

ويقدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأن عدد المهاجرين غير القانونيين من بلدان أفريقيا ما وراء الصحراء لا يتجاوز 21 ألفاً في بلد تعداد سكانه 12 مليوناً.

وكثير من هؤلاء يقومون بأعمال يدوية أثناء تواجدهم في تونس، وتكثر بحقهم الإساءات والانتهاكات، وهضم حقوقهم في الأجور. لو كانت تلك مؤامرة يقصد منها تغيير التركيبة السكانية لتونس، فلا شك أنها مؤامرة تعيسة.

أسخطت تصريحات قيس سعيد بعض التونسيين، فشارك المئات منهم في احتجاجات نظمت في 25 فبراير/شباط الماضي، حتى اضطر وزير الخارجية نبيل عمار إلى إصدار ما يشبه الاعتذار، قائلاً إن الحكومة ستوفر الحماية لجميع المهاجرين داخل تونس.

لكن كلمات سعيّد وجدت جمهوراً شنف لها الآذان، فتقول منظمات حقوق الإنسان إن العشرات من المهاجرين السود تعرضوا للاعتداء والسرقة بعد صدور تصريحاته.

وحذرت مجموعة من الطلاب النيجيريين أفرادها من استخدام الميترو أو التواجد في الأحياء الشعبية من العاصمة.

وغدت العنصرية أداة مفيدة في يد الغوغائيين في كل مكان، لكن سعيّد لم يعد لديه من يوجه إليه اللوم.

المصدر | ذي إيكونوميست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس قيس سعيد الاستبدال العظيم اقتصاد تونس أزمة اقتصادية

قرار قضائي بحبس وزير الفلاحة السابق في تونس.. لماذا؟

الرئيس التونسي ينفي أيّ عنصرية في موقفه من المهاجرين الأفارقة