إيران وإسرائيل.. تاريخ من التعاون والصراع المحسوب

الجمعة 10 مارس 2023 06:10 ص

خلال ربع القرن الماضي، كررت إسرائيل عزمها على منع إيران من حيازة أسلحة نووية، مهددة بالقيام بعمل عسكري إذا فشلت العقوبات أو الدبلوماسية. كثيرا ما تشن إسرائيل هجمات استباقية، وتقول إنها تحمي مواطنيها وسلامتها الإقليمية.

 ولكن مع ذلك يرى هلال خشان في "جيبوليتكال فيوتشرز"، أنه لو كانت إسرائيل تفكر بجدية في مهاجمة برنامج إيران النووي، لكانت فعلت ذلك منذ فترة طويلة، حيث إن اسرائيل عرفت تاريخيا بتطبيق الحرب الوقائية وطبقت ذلك مع مصر والعراق.

ويعتقد الكاتب في مقاله الذي ترجمه "الخليج الجديد" أنه بالنسبة لطهران، تعد المنافسة مع إسرائيل إستراتيجية وليست أيديولوجية أو وجودية. في حين أن الأيديولوجية غالبًا ما تكون غير قابلة للتفاوض، فإن القضايا الإستراتيجية قابلة للتسوية.

ويضيف أن إيران تطمح لأن تصبح قوة شرق أوسطية وكذلك إسرائيل، ويتنافس البلدان على الفضاء في المنطقة، كما أن العلاقة بينهما منذ الثورة الإيرانية عام 1979 بالرغم من خلافاتهما، استغلت كل فرصة للتعاون.

جاهزية إسرائيل القتالية

يتفق الخبراء على أن موقف إسرائيل الاستراتيجي الطويل الأمد يفرض الحفاظ على الاستعداد العملياتي لشن ضربة استباقية ضد التهديدات، بما في ذلك إيران

وقد أجرت اسرائيل مناورات عدة بما فيها مناورة كبرى مع الولايات المتحدة، ما عزا البعض للتكهن بأنها تحضير لعملية ضد إيران ولكن هذه النتيجة ليست حتمية بالضرورة، وفقا للمقال.

ومع ذلك صرح مسؤولون عسكريون وأمنيون إن إسرائيل تمتلك العديد من القدرات المتنوعة ويمكنها مهاجمة إيران. كما أكد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، أن بلاده يمكن أن تهاجم بسهولة المواقع النووية الإيرانية، مشيرا إلى أنها لن تنتظر الإذن من أحد للدفاع عن أمنها.

لكن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، قلل من أهمية هذه التصريحات. فإيران لن تدخل أبدًا في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل، لأن التكلفة ستتجاوز الفوائد بالنسبة لطهران.

وبالرغم من تهديداتهم المتكررة، فإن المسؤولين الإسرائيليين يعرفون أن إيران امتنعت عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% لتجنب تصعيد غير ضروري.

التعاون العسكري

بالرغم من لهجتهما العدائية تجاه بعضهما البعض، فإن العلاقات التاريخية بين إسرائيل وإيران كانت عكس ذلك تمامًا.

ويشير خشان إلى أن وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو كشف أن إيران وإسرائيل تعاونتا خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) حيث أعطت إسرائيل لإيران معلومات عن مواقع عسكرية في غرب العراق حتى تتمكن من قصفها. (بدورها، زودت إيران إسرائيل بالعديد من الصور لمفاعل نووي عراقي دمرته إسرائيل لاحقًا).

وفي ذلك الوقت نظرت إسرائيل إلى العراق، وليس إيران، على أنه التحدي الاستراتيجي الأكثر أهمية، لذلك وجدت إسرائيل في دعمها لإيران قوة قادرة على كبح جماح نهوض العراق الإقليمي، وتدمير قوته العسكرية، وحرمانه من السلاح النووي، وتقليص دعمه غير المشروط لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وعندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، أعرب رئيس الأركان الإسرائيلي، رافائيل إيتان، عن ارتياح بلاده لأن كل طرف سيدمر الآخر، ويمنع العراق من أن يكون له دور استراتيجي في أي حرب مستقبلية، كما عقد وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه ديان مؤتمرا صحفيا حث فيه الولايات المتحدة على دعم إيران في صراعها ضد العراق.

وبعد أسبوعين من الحرب، حثت صحيفة الهمشمار الإسرائيلية الحكومة الإسرائيلية على تقديم عتاد عسكري لإيران لمساعدتها في السيطرة على العراق، الذي عارض بشدة اتفاقات كامب ديفيد. وبدت إسرائيل مقتنعة بأن إيران أهون الشرين، رغم أن خطاب الثورة الإيرانية كان معاديًا لإسرائيل مثل صدام حسين.

ولكن بسبب قرب العراق الجغرافي من إسرائيل، ومشاركته في معظم الحروب التي شنتها إسرائيل ضد جيرانها، اعتبرت إسرائيل ذلك أحد أكبر التهديدات في حالة اندلاع صراع آخر، لذلك اتخذت إسرائيل نهجًا واقعيًا، معتقدة أن أفضل نتيجة ممكنة هي إضعاف كلا البلدين عسكريًا واقتصاديًا في حرب طويلة الأمد، بحسب المقال.

وقد أشارت التصريحات الرسمية وغير الرسمية في إسرائيل إلى رغبتها في مساعدة إيران في الحرب بشرط تخليها عن سياستها العدوانية. وأكد قائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي الجنرال دان شومرون، أن الحرب في مصلحة إسرائيل لأنها ستدفع العراق لتوجيه كل قواته نحو الحدود الإيرانية، وأن مصلحة إسرائيل تكمن في أن يكون الجيش الإيراني قويًا حتى يتمكن من هزيمة العراق، عدوهم المشترك، وأن قدرة الخميني على تصدير ثورته وزرع الاضطرابات في الدول العربية ستخدم إسرائيل.

ومع اشتداد الحرب، زودت إسرائيل إيران منذ عام 1981 بقاذفات صواريخ وبنادق عديمة الارتداد وكميات كبيرة من الذخيرة. في أكتوبر/تشرين الأول 1980، شحنت إسرائيل 250 قطعة غيار لطائرات "إف4" إلى إيران من خلال تاجر أسلحة لبناني، بالرغم من نفي المتحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وفي عامي 1985 و1986، زودت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان إيران بصواريخ مضادة للدروع والطائرات عبر إسرائيل لتأمين إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في لبنان فيما أصبح يعرف بفضيحة "إيران كونترا".

وقبل شهر من هجومهم على مفاعل نووي عراقي، ناقش عملاء إسرائيليون خطة الغارة الجوية مع ممثلي الخميني في باريس، الذين سمحوا للطائرات الإسرائيلية بالهبوط في مطار تبريز في حالة الطوارئ.

وعندما احتجت منظمة التحرير الفلسطينية على سياسة ازدواجية إيران، أصدرت الخارجية الإيرانية بياناً وصفت الادعاءات بشأن علاقتها بإسرائيل بأنها مجرد أكاذيب تهدف إلى تقويض الثورة الإيرانية وعلاقة إيران بالفلسطينيين.

وانتقد زعيم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، مسعود رجوي، الذي اختفى عام 2003، التعاون في مجال التسلح بين إيران وإسرائيل ووصف الخميني بأنه منافق.

ويضيف المقال بأن الرئيس الإيراني الأسبق، أبوالحسن بني صدر، اعترف بأنه كان على علم بوجود علاقة بين إيران وإسرائيل، لكنه قال إنه غير قادر على التأثير على الخميني ضدها.

العلاقات الاقتصادية

ويستطرد المقال أن العلاقات الاقتصادية المتينة بين إيران وإسرائيل تعرقلت بسبب سقوط الشاه وصعود الخميني، لكنها صمدت رغم ذلك. ولا يزال هناك صفقات تجارية سرية يتم التوصل إليها في اجتماعات في مدن أوروبية وخليجية. في عام 2000، طلبت إيران من شركة إسرائيلية إصلاح نظام الصرف الصحي في طهران. وتجاهلت السلطات الإسرائيلية قانونا صدر عام 2008 يحظر على الشركات الإسرائيلية التعامل مع إيران.

ويقول خشان إن 200 شركة إسرائيلية على الأقل تحافظ على علاقات تجارية مع إيران، بما في ذلك استثمارات في الطاقة الإيرانية، وفي عام 2011، اتهمت الولايات المتحدة مجموعة "عوفر براذرز" الإسرائيلية ببيع ناقلة نفط لإيران. وقد رست أكثر من 12 ناقلة تابعة للشركة في الموانئ الإيرانية خلال العقد الماضي.

كما قامت إسرائيل ببناء مصانع أغذية في إيران وقدمت الخبرة في الهندسة والبترول، كما صدرت إلى إيران الأسمدة وأنابيب الري والهرمونات لزيادة إنتاج الحليب والبذور، والفستق والكاجو والجرانيت المستورد.

عداء غير طبيعي

ويشير المقال إلى أن العلاقة بين الإيرانيين واليهود تعود إلى أكثر من 2500 عام حيث يقدس اليهود كورش الكبير، الملك العادل للفرس الذي فتح بابل، وحرر اليهود من العبودية وسمح لهم بالعودة إلى أرضهم الموعودة. وبعد فترة وجيزة من إنشاء إسرائيل في عام 1948، طور رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون عقيدة الأطراف لبناء جسور خارج العالم العربي وتعزيز علاقات قوية مع تركيا وإيران وإثيوبيا. ومنذ ذلك الحين، احتلت إيران مكانة بارزة في السياسة الخارجية الإسرائيلية، حتى بعد الثورة الإيرانية عام 1979.

ويستشهد خشان بما قاله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 2015 إنه سيدعم إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إذا عملت على حل الدولتين وانسحبت من المناطق التي احتلتها عام 1967.

ويضيف أن إسرائيل وإيران هما العدو الوحيد المتبقي للدول العربية في الشرق الأوسط. وأن تغلغل إيران في المنطقة يثير استعداء العرب الذين استعدوا لفكرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل جزئياً كرد على التوسع الإيراني.

ويلفت الكاتب إلى أن إسرائيل لا تعارض سيطرة إيران على العراق ووجودها في سوريا، طالما أن فروعها الشيعية لا تقترب من مرتفعات الجولان. وبالرغم من إعلان البلدين عن عداء شديد تجاه بعضهما البعض، فإنهما يحكمان علاقتهما من خلال الضوابط التي تمكنهما من التعاون عندما يكون ذلك مناسبًا.

ويختم خشان مقاله بأنه بالنسبة لإيران، كانت للبراجماتية الأسبقية على المبادئ الثورية.

المصدر | هلال خشان | جيبوليتكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران اسرائيل بن جوريون العلاقات الإيرانية الإسرائيلية

جنرال إسرائيلي يطالب أمريكا بتعزيز قوات تل أبيب: سنهاجم إيران خلال عام