مستفز جداً ذلك الصمت الذي يلفه الإعلام الأردني بقطاعيه الحكومي والخاص، وتحديداً المؤثر منه المرئي، على اعتقال ”المواطن“ «فادي علي مسلّم» أستاذ الرياضيات في جامعة الملك سعود في الرياض، والذي لم أسمع عنه ولم أفهم قصته ”المؤلمة المدهشة“ إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتضامن الكبير الذي يبديه معه روادها أصحاب الضمير الحي حتى وإن كان عبر صفحاتهم فقط فليس بأيديهم حيلة!
قصة اعتقال الرجل للذين لم يسمعوا عنها بدأت حسب عائلته في الحرم المكي بعد أن حصلت بينه وبين ضابط سعودي مشادة كلامية لحمله أي ”الأردني“ كاميرا عوقب على حملها فحول للتحقيق الذي لم يتجاوز النصف ساعة في مركز أمني بمكة ، ومن ثم جرى نقله لسجن «ذهبان» السياسي دون توجيه أي تهمة تذكر لعدم وجودها بالأساس، وهاهو منذ ستة شهور حتى كتابة هذه السطور لا يزال يقبع خلف قضبان الانفرادي بسجون المملكة السعودية .
يجب على الحكومة الأردنية أن تتحمل كامل مسؤولياتها، وتستنفر جميع طواقمها المعنية حتى تعرف عائلة الرجل ونعرف نحن ماهي الأسباب والدوافع الحقيقية وراء اعتقاله في بلاد الحرمين التي لا يعرف فيها إلا الله الأسباب الفعلية للحبس والاعتقال، وعليها أيضاً أن تكون أكثر إيجابية في ردودها على المستغيثين بها من أبناء الوطن الذين يحملون جنسيتها، فالأردنيون كما أي دولة بالعالم يحق لهم أن يفاخروا بسندهم الوطني ”الدولة“ الذي أخبرهم بدروس التربية الوطنية أنه موجود لرعايتهم وحماية مصالحهم في أي حال وتحت أي ظرف .
المواطن «مسلّم» ”المسكين“ عليه أن ”يبل ويشرب“ ماء ورق دروس الوطنية التي تعلمها في مدرسته ، فكما يبدو له ولي أن وزارة خارجية بلده قامت ”باللي عليها“ واكتفت بالمتابعة، وأرسلت سفارته كتباً للاستفسار عن حالته لكنها لم يصلها أي جواب، واستعرض مجلس نوابه ”عضلاته“ واعداً بالتدخل الذي لم يحدث إلى الآن كما يقول والده في بيان، فماذا نستطيع أن نفعل له أكثر من ذلك ياترى، تسأل السفارة والوزارة ؟!
سلبية التعامل الرسمي الأردني ”المنتعش“ بمثل تلك القضايا التي تحكمها العلاقات السياسية المشتركة للبلدين والمصالح الاقتصادية للأردن تدفعه لعدم اتخاذ أي رد حازم في مواقف تتعلق بكرامة المواطن المهان هنا وهناك بتهم لم يرتكبها وعقوبات لا يستحقها في قضايا قد تصبح مصيرية بالنسبة للمواطن وعائلته لا لوطنه وأستاذ الرياضيات مسلم أكبر مثال على هذا الحال، وهذا قد يكون معروفاً لا مفهوماً ومقبولاً بالطبع.
لكن أن يغيب إعلام الوطن المرئي عن أحوال مواطنيه، ويرتعش خوفاً من تسليط الضوء على بعضهم ناسياً عباراته الرنانة وشعاراته الخفاقة التي صرعنا فيها، واضعاً رأسه بالرمال كالنعام متناسياً «مسلّم» وغيره ممن هم في أشد الحاجة لكلمة حق يعاد تكرارها من باب التضامن المعنوي على الأقل، فما الضير لو وضعت القنوات المحلية الأردنية كما تفعل اللبنانية مقطع تضامن لا يتعدى الدقائق يذكر بفادي مسلم وأمثاله، ويطالب بالحرية لهم، أم أن الإعلام الأردني كما حكوماته يختار الحرية، ويسلك مسلك الديمقراطية في المواطن التي يريدها سواء بفتح الميم بكلمة ”المواطن“ أو ضمها !!