في طريق تحولها الحتمي.. هل تقترب إيران من نموذج روسيا القومية المتطرفة؟

الأحد 19 مارس 2023 06:01 ص

لقرون، تشكلت سياسات إيران الحديثة من خلال قربها من روسيا. ولابد للذين يتطلعون إلى الإطاحة بالجمهورية الإسلامية أن يكونوا حذرين من انتقال تجربة المشروع الديمقراطي الفاشل لجارتها الشمالية وأن يحاولوا تجاوزها.

يشير مقال رضا بارشيزاده في "منتدى الخليج الدولي" إلى أن نظام الملالي في إيران واجه لأكثر من عقد من الزمان أزمات محلية ودولية متصاعدة اختبرت قدرته السياسية، وأن تطور هذه التحديات، في جميع الاحتمالات، سيجبر النظام في النهاية على الخضوع لـ"التحول" من أجل البقاء.

ويضيف أنه من نواح كثيرة، يمكن أن يبدو هذا التحول مشابهًا لتحول النظام الشيوعي السوفييتي السابق. في الواقع، عادت روسيا في النهاية إلى القومية المتطرفة باعتبارها المبدأ التنظيمي المركزي لأيديولوجيتها، ومن المرجح أن تتبع إيران المسار نفسه.

وإذا لم تستطع القوى الديمقراطية الإيرانية إنشاء جبهة موحدة تعددية لمعارضة النخب الحاكمة في البلاد وإذا اختارت الولايات المتحدة وبقية العالم الديمقراطي عدم التدخل ومساعدة الإيرانيين على بناء الديمقراطية، كما حدث في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، فقد ينتج عن التحول التالي نظام إيراني قومي متطرف عدواني.

ويرى الكاتب أن مثل هذه النتيجة لن تكون ضارة لشعب إيران فحسب، بل ستزيد من تعريض أمن واستقرار منطقة الخليج للخطر.

تقليد موسكو

وبالنظر للتاريخ يضيف بارشيزاده، أن إيران عبر التاريخ الحديث، اتبعت في كثير من الأحيان خطى جارتها الشمالية القوية، روسيا. فكلتاهما حافظت على استبداد القرون الوسطى حتى أوائل القرن العشرين، واستوعبتا الصناعة والتكنولوجيا الغربية بينما تحديتا التطورات السياسية الديمقراطية التي صاحبتهما، ولذا فمن غير المعقول أن نتوقع أن الواقع السياسي للبلد في الغد سوف يعكس واقع روسيا اليوم.

وخلال التسعينات، بعد أكثر من 7 عقود من الشيوعية، تحولت روسيا المحبطة مرة أخرى إلى القومية كأيديولوجية الدولة. وعندما مرت روسيا بهذا التحول، شعرت الولايات المتحدة وبقية الغرب بالانتصار بالرضا عن هزيمتهم للاتحاد السوفييتي، ما أدى إلى نهاية الحرب الباردة وبداية "نهاية التاريخ" من خلال مسيرة الليبرالية التي لا يمكن وقفها.

ولكن، وفقا للكاتب، بدلاً من قبول هذا النموذج الجديد، نجحت وحدة من الجهاز العسكري الأمني للنظام الشيوعي السابق بقيادة فلاديمير بوتين في إعادة تسمية نفسها كحركة قومية، وبالرغم من أن هذه الحركة قد قللت في البداية من عدائها للغرب، لكن نظرتها تجاه الأراضي السوفييتية السابقة على مدى العقدين التاليين والتي بلغت ذروتها في الغزو الشامل لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 حولتها إلى تهديد لأمن أوروبا.

وعليه تتجذر القومية الروسية المعاصرة في قراءة شديدة التحفظ للمسيحية الأرثوذكسية، وهي أيديولوجية متجانسة بقوة تتعارض بشكل أساسي مع الديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق المدنية، بما في ذلك حقوق الأقليات العرقية والدينية والجنسية.

في الوقت نفسه، يرى الكاتب أن جهاز بوتين الأمني يتطلع بشدة إلى الخارج، وأنه ينتهج سياسة خارجية إمبريالية انتقامية أظهرت بوضوح نيتها في استعادة السيطرة على "الأراضي التاريخية" الروسية عن طريق الإكراه والدعاية والغزو العسكري الصريح. وأن مصادر إلهام بوتين ليسا لينين وستالين بل بطرس الأكبر وجريجوري بوتيمكين.

وأنه بالرغم من أن المجتمع الإيراني لا يزال يشعر بالخوف من قيود الجمهورية الإسلامية، فإن هناك بالفعل دلائل على أن التحول السياسي بعيدًا عن حكم رجال الدين قد يؤدي إلى عودة ظهور القومية المتطرفة من النوع الذي تعيشه روسيا اليوم، وبسبب صعود الإسلاميين الشيعة حاليًا في إيران، يصعب على الكثيرين تخيل مثل هذا السيناريو.

القومية الإيرانية الجديدة

ينوّه المقال إلى أنه استنادًا إلى النموذج السوفييتي، فإن الانتقال من نظام سياسي إلى آخر يستلزم بقاء النواة الأمنية العسكرية للنظام، والتي ستتجاهل بعض الجوانب التي يتعذر الدفاع عنها في النظام، وتزيل جراحيًا بعض غير المرغوب فيهم، وتبقي جزءًا من النظام لإضفاء الشرعية على النظام الجديد.

وعليه يتوقع بارشيزاده أنه في السياق الإيراني، ستحاول القيادة الناشئة التقليل من أهمية الموضوعات السابقة للاستبداد الإسلامي والإمبريالية، وتعزز الوطنية مكانها، كما ستتحول المغامرات الشيعية إلى النزعة الوحدوية المعروفة للقوميين المتطرفين الذين يتوقون لإحياء الإمبراطورية الفارسية القديمة.

ويشخّص الكاتب الواقع حيث يُظهر القوميون المتطرفون بالفعل الشوفينية الشديدة ومعاداة السامية للنظام الشيعي الحالي، ومن المرجح أن يحافظوا على الموقف العدواني للنظام الحالي تجاه المنطقة من خلال مواصلة سعي إيران لتصبح قوة نووية، وتسريع حصول طهران على تكنولوجيا الصواريخ المتطورة، والحفاظ على الشبكة الواسعة من الوكلاء التي أنشأتها الجمهورية الإسلامية.

ويرجح بارشيزاده اتباع صيغة كانت في طور الإعداد قرب نهاية عهد شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي، حيث إن مزيجا من التشيع الاستراتيجي ومواجهة مفتوحة معادية للعرب ومعادية لإسرائيل سيقود العلاقة بين النظام الإيراني القومي المتطرف الجديد ووكلائه الطائفيين في جميع أنحاء المنطقة.

ومع ذلك ستبقى الشيعية المشحونة سياسياً، وهي أساس القومية الإيرانية الحديثة، كأحد الأسس الأيديولوجية لنظام ما بعد رجال الدين في إيران.

ويعتقد الكاتب أنه لإعادة تسمية النظام الجديد بالكامل كبديل مناسب للنموذج الديني، يجب على قادته أن يختاروا أعضاء معارضة الجمهورية الإسلامية للانضمام إلى قضيتهم.

والحقيقة هي أن الجمهورية الإسلامية كانت في كثير من الأحيان قادرة على ضبط جزء كبير من "المعارضة" التي تتبنى في كثير من الأحيان أيديولوجية مناهضة للديمقراطية، وبدلاً من الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ستنغمس هذه الجماعات في القومية الاستبدادية التي لها تاريخ غني في بلاد فارس من الأخمينيين القدامى إلى البهلويين المعاصرين، كما أن الخطاب الإعلامي سيحتوي على تمجيد لأيام الحكم الإمبراطوري.

وهذه العوامل تتلاقى لرسم صورة مقلقة، وكما تبدو الأمور، حتى لو تم استبدال نظام الملالي الحالي، فمن الممكن أن تقوم حكومة جديدة بمضاهاته بالعدوان والقمع.

ويوصي الكاتب أنه من المهم التأكيد، على أن إيران لا تحتاج إلى السير في هذا الطريق. فالثورة الشعبية المستمرة تعكس أفضل ما في المجتمع الإيراني. وقد أظهرت الاحتجاجات التي عمّت البلاد، التي أثارها مقتل الشابة الكردية مهسا أميني على يد الشرطة الدينية، رغبة وتصميم الشعب الإيراني في الديمقراطية وتقنين حقوق الإنسان.

ومرة أخرى يوصي الكاتب مع تعميق الميول القومية المتطرفة، بضرورة بذل الإيرانيين المؤيدين للديمقراطية قصارى جهدهم للحفاظ على المثل العليا للاحتجاجات حية، والضغط من أجل الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وسيادة القانون، وفصل الدين من الدولة، وإنشاء نظام سياسي متعدد الأحزاب مع تداول ديمقراطي للسلطة، وتمكين المرأة والأقليات، والتعددية العرقية والثقافية والدينية.

في الختام يوصي بارشيزاده بضرورة أن يدرك الغرب أن إبقاء إيران في دائرة نفوذها من خلال دعم ديكتاتورية مثل ديكتاتورية بهلوي القمعية، بدلاً من تطوير الديمقراطية، كان الخطأ الفادح الذي أوصل إيران إلى أيدي الإسلاميين في المقام الأول.

ويضيف أنه سيتم تعزيز المصالح الأمنية طويلة المدى للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وحول العالم من خلال مساعدة إيران على إنشاء ديمقراطية تتبنى القيم الليبرالية وتسعى إلى أن تكون صديقًا جيدًا لجيرانها والعالم الديمقراطي.

المصدر | رضا بارشيزاده | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران القومية التشيع الغرب بهلوي