السعودية ومعركة البقاء.. خيارات غير مسبوقة

الاثنين 25 يناير 2016 07:01 ص

تواصل أسعار النفط مسيرتها نحو المزيد من الهبوط، ويمكن للمملكة العربية السعودية أن تعاني حالة من الفوضى نتيجة ذلك، منذ صيف عام 2014، انخفضت أسعار النفط الخام من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى أقل من 30 دولارا، مع استمرار تفوق العرض العالمي على الطلب، عواقب مثل هذا التحول على منتجي النفط ربما تكون غير مسبوقة.

بينما يمكن القول إن النفط الرخيص ليس شيئا سيئا في حد ذاته، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية كبيرة، معاناة الولايات المتحدة من فقدان الوظائف في قطاع النفط ربما تفوق استفادتها من الطاقة الرخيصة، وهناك عدد قليل من الدول المصدرة للنفط مثل فنزويلا آخذة في الذوبان بشكل واضح.

بشكل أقل وضوحا، ولكنه ربما أكثر أهمية، هناك المملكة العربية السعودية، هناك الكثير من الشواهد التي تؤكد أن سوق النفط ربما يبقى عند مستوى يقارب 30 دولارا للبرميل لفترة طويلة، وهكذا فإن المملكة العربية السعودية قد لا يكون بإمكانها تجاوز هذه العاصفة ببساطة دون إجراء تغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة.

تصدعات في الدرع

أظهرت المملكة العربية السعودية قدرا من إحساسها بالهشاشة في وقت مبكر من هذا الشهر عندما أيد نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» علنا بيع بعض الأسهم في شركة أرامكو (شركة النفط الوطنية السعودية)، التي تسيطر على أكثر من 15% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، ما تزال الفكرة قيد الاستعراض، ولكن النظر في هذه الفكرة بشكل معلن يعد سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة، ويمكن اعتباره بمثابة راية حمراء واضحة، بيع الأسهم في شركة أرامكو هو ترتيب مؤقت يبدو منطقيا في إطار التحسب لفترة طويلة من انخفاض أسعار النفط والعجز المالي، ربما يكون الأمر بمثابة إسعاف أولي يهدف إلى وقف النزيف أولا قبل كل شيء.

ولوضع هذا الخبر في سياقه، فإن الحكومة السعودية عادة ما تنفق نحو 260 مليار دولار سنويا من أجل توفير الخدمات الاجتماعية التي تحافظ على استقرار مجتمعها، وهذا يتطلب بيع النفط بأسعار تفوق 96 دولارا للبرميل على الأقل، مع تراجع النفط، فإن الإيرادات النفطية خلال عام 2015 جاءت أقل من 100 مليار دولار مقارنة بـ162 مليار دولار متوقعة، من المرجح أن تتزايد هذه الفجوة خلال عام 2016.

في سياق آخر، يعمل ما يقدر بنحو 1.5 مليون من السعوديين في القطاع الخاص، أما بالنسبة لبقية الـ19.2 مليون من المواطنين السعوديين فإنهم يعتمدون في المقام الأول على سخاء الحكومة، وعلاوة على ذلك، فإن معظم هؤلاء يقعون دون سن الـ30 عاما بينما تبلغ معدلات البطالة في صفوف الشباب (بين 16-29 عاما) حوالي 29%، كان هذا النوع من البطالة حافزا للاضطرابات السياسية في الربيع العربي، ويمكنه بسهولة أن يقدح ردود أفعال مماثلة داخل المملكة العربية السعودية من قبل الشباب الساخطين إذا لم تعد الحكومة قادرة على الوفاء بمتطلبات الدعم الكاسحة.

إضافة إلى ذلك، فإن هناك الأقلية الشيعية المعادية والمهمشة تاريخيا والتي تبلغ نسبتها حوالي 15% من السكان، وهم يتركزون في المناطق الغنية بالنفط، بإمكان أي اضطرابات شيعية أن تتسبب سريعا في زعزعة استقرار البلاد بأكملها، المملكة صارت أشبه بشجرة من المال محاطة بالديناميت، في حين تلعب القيادة السعودية بالنار بالقرب من صماماتها.

أسعار النفط

أحد الحلول التي يمكن أن تنهي هذه الورطة هي حدوث ارتفاع دراماتيكي في أسعار النفط، ولكن هذا يبدو من المستبعد جدا في الوقت الراهن، كما يبدو أن بيت آل سعود يعي ذلك جيدا.

بالنظر في ديناميات العرض والطلب: على مستوى العرض، لا يبدو أن هناك نقصا كبيرا يلوح في الأفق، سوف يحافظ منتجو النفط الصخري الأمريكي على الضخ عندما مستويات أسعار تبلغ 55 دولارا وربما أقل، حيث صارت الصناعة مربحة عند هذه المستويات بسبب التحسن الكبير في تكنولوجيا التنقيب والاستخراج، وعلى المدى القصير، فإن مستويات أسعار حول معدل 30 دولارا يمكنها أن تبطئ بعض المنتجين وتتسبب في إيقاف آخرين، ولكن على المدى الطويل فإن تعافي الأسعار نسبيا سوف يفتح هذه الصنابير من جديد، مع رفع العقوبات، فإن النفط الإيراني أيضا يستعد للدخول إلى سوق الإمدادات العالمية.

على جانب الطلب، فإن الأمر يشهد تراجعا كبيرا وربما يكون مستداما، يتجه العالم تدريجيا نحو مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة على المدى الطويل، هذا هو النهج الطويل الأمد ولكنه ليس واعدا أيضا، الاقتصادات التي تدفع الطلب على النفط، الولايات المتحدة وأوروبا والصين على وجه الأخص، تشهد تباطؤا واضحا، ويبقى من المرجح أنه لن تكون هناك أي سياسة اقتصادية بعيدة النظر أو منسقة تهدف إلى تعزيز الطلب.

هل يمكن للمملكة أن تنقذ نفسها؟

حتى الآن، فإن المملكة العربية السعودية تسعى إلى تلبية احتياجاتها من خلل خفض دعم الوقود، وفرض ضرائب المبيعات، وإصدار الديون السيادية، واستهلاك احتياطياتها النقدية، كما أنها قد تبدأ أيضا في بيع الحيازات الواسعة من سندات الخزانة الأمريكية، ما قد يلقي بظلال سلبية على الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي، في عام 2015 انخفض الاحتياطي النقدي السعودي من 732 مليار دولار إلى 623 مليار دولار، وقد أصدرت المملكة سندات دين بقيمة 26.5 مليار دولار، بينما تخطط المملكة لاقتراض 5.3 مليارات دولار أخرى هذا الأسبوع في أول دفعة من السندات خلال عام 2016.

هذا المسار ببساطة غير محتمل، بإمكان المملكة أن تقوم بخفض الإنفاق وزيادة الضرائب حتى تبدأ في تلمس تأثير ذلك على حالة الاستقرار، الوتيرة الحالية من الاقتراض والإنفاق غير قابلة للتطبيق إلا على المدى القصير، قد تلجأ المملكة العربية السعودية إلى تخفيض سعر عملتها ولكن ذلك سيكون إصلاحا مؤقتا أيضا، كما أنه سوف يكون مصحوبا بتداعيات سلبية خطيرة.

ما تحتاج المملكة العربية السعودية إلى القيام به، بشكل جدي، هو اتخاذ خطوات لتنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على النفط، هناك فرص واعدة نوعا ما في مجالات السياحة، والطاقة البديلة، والتعليم، والفنون، والترفيه، وريادة الأعمال، ليس هناك وقت للبدء في ذلك أفضل من الآن مع وجود 600 مليار دولار من النقد ما تزال متوفرة للاستثمار في هذه القطاعات.

فيلم «وجدة»

أحد أهم التحديات التي تواجه المملكة أيضا هي تحسين حالة المرأة، هناك أقل من 15% من النساء في البلاد في سوق العمل، ومن الضروري أن تصبح المرأة أكثر انخراطا في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد، بدأت دولتا الإمارات العربية المتحدة وقطر في فعل ذلك وقد عمل لصالحهم، ويمكن أن يصلح ذلك كنموذج للاحتذاء به.

التفكير في المكاسب الكبيرة التي تأمل المملكة العربية السعودية في تحقيها من خلال هذا النهج يعيد إلى الأذهان أحداث فيلم «وجدة»، يحكي الفيلم قصة فتاة تبلغ من العمر 11 عاما من الرياض، تسعى الفتاة ووالدتها إلى إيجاد منافذ للتعبير عن الذات على الرغم من العديد من العوائق الاجتماعية. كنت محظوظا لرؤية هذه التحفة من تأليف وإخراج «هيفاء المنصور»، أول مخرجة سعودية، في مهرجان أبوظبي السينمائي عام 2013، المملكة العربية السعودية يجب أن تدرك قيمة الإبداع والمشاريع من هذا القبيل، وأن تدفع المجتمع نحو الاستفادة الكامنة من طاقات كل مواطن.

في بعض النواحي الهامة، فإن المملكة العربية السعودية تشهد تطورا بالفعل في هذا الاتجا،. ولكن هذا التقدم يبدو غير مستقر حتى الآن، كم أن هناك العديد من الأسباب التي تدفع للتشكيك في رشاقة المملكة أو قدرتها على التغيير، ولكن في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة وجودية، فإن التحولات قد تجري بحماسة مفاجئة.

  كلمات مفتاحية

السعودية النفط انخفاض الأسعار أرامكو الطاقة الولايات المتحدة الاقتصاد

السعودية في مواجهة تحديات كبرى

«فاينانشيال تايمز»: التناقض في سياسة التقشف السعودية

السعودية ونداء اليقظة .. هل يمكن أن تنجح خطط التغيير في المملكة؟

«الجارديان»: وثائق مسربة تظهر توجه الحكومة السعودية نحو تطبيق خطة تقشفية

«جلوبال ريسيرش»: مخاطر الانتقال السياسي في السعودية

المملكة العربية السعودية تكافح في مواجهة أسعار النفط المنخفضة

ثلاثة ملامح رئيسة للسياسة الخارجية السعودية

قَـدَر المملكة العربية السعودية