زيارة السيسي السريعة إلى السعودية.. هل طوت صفحة الخلافات؟

الثلاثاء 4 أبريل 2023 10:14 ص

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

لساعات قليلة زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السعودية والتقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأحد، مما أثار تساؤلات عن خلفيات ومآلات الزيارة غير المعلنة مسبقا في وقت تشهد فيه العلاقات بين القاهرة والرياض "أزمة مكتومة" عكستها تقارير إعلامية.

لقاء بن سلمان والسيسي عُقد في مدينة جدة على البحر الأحمر بحضور كل من مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان ورئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل.

وعقب اللقاء، قال السيسي عبر "فيسبوك": "سعدت بلقاء شقيقي سمو الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، وأعبر عن امتناني وتقديري لحُسن الاستقبال والضيافة".

السيسي أكد "عمق ومتانة" العلاقات الثنائية بين مصر السعودية، وأعرب عن "تطلعه لتنميتها وتعزيزها في كافة المجالات، وبما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وتطلعات شعبيهما".

على الجانب السعودي، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية (واس) أن بن سلمان والسيسي "استعرضا العلاقات الثنائية الوثيقة والتاريخية بين البلدين، وآفاق التعاون وسبل تعزيزه وتطويره في مختلف المجالات، وتطورات الأوضاع الإقليمية والدولية ومجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك".

بالأساس، يبدو وفقا لمراقبين أن زيارة السيسي القصيرة إلى المملكة هدفت إلى "ترميم العلاقات" بين القاهرة والرياض، مدفوعةً بأزمة اقتصادية متفاقمة تعاني منها مصر وتطورات إقليمية ودولية مهمة للبلدين.

أزمة اقتصادية متفاقمة

وجاءت زيارة السيسي إلى المملكة الغنية بالنفط في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية الحادة في مصر. ومنذ أن تولى السيسي السلطة عام 2014، قدمت الرياض دعما ماليا كبيرا للقاهرة، لكن سياستها تغيرت مؤخرا مما أثار خلافات معظمها مكتوم بين البلدين.

ويتجاوز احتياطي مصر 34 مليار دولار، بينها  28 مليار دولار ودائع من دول الخليج، فيما تضاعفت ديونها الخارجية بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل الى أكثر من 155 مليار دولار، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.

والسعودية هي ثاني أكبر مستثمر في مصر، حيث استثمرت 6.12 مليار دولار في 6017 مشروعا في مختلف المجالات، بحسب وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير خلال زيارة للرياض في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

لكن في يناير/ كانون الثاني الماضي، قال وزير المالية السعودية محمد الجدعان، في منتدى دافوس بسويسرا: "اعتدنا على تقديم المنح والودائع المباشرة دون قيود ونقوم بتغيير ذلك ونريد رؤية الإصلاحات على أرض الواقع".

حينها، تراشق كتاب مصريون وسعوديون واحتدمت الأجواء على وسائل التواصل الاجتماعي، وحاول السيسي احتواء الوضع بتأكيد أهمية علاقات القاهرة والرياض وضرورة الحفاظ على الروابط بين الأشقاء العرب، مشيدا بالدعم الخليجي لمصر.

وبشدة، تسعى القاهرة إلى الحصول على تدفقات مالية، لاسيما من العواصم الخليجية وفي مقدمتها الرياض، لتخفيف الضغط على الجنيه ودعم الاقتصاد المتعثر عبر بيع حصص في شركات حكومية لاسيما لصناديق سيادية خليجية.

تيران وصنافير

وبجانب تغيير سياسة السعودية المالية الخارحية، يعتقد محللون أن "المماطلة المصرية في نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير، المطلتين على البحر الأحمر، إلى المملكة سبب آخر وراء توتر العلاقات"، وفقا لموقع "المونيتور".

الموقع تابع أن "السعودية منحت مصر السيطرة على الجزيرتين عام 1950، وعلى الرغم من موافقة مصر في 2017 على إعادة نقل السيادة عليهما إلى المملكة إلا أنه لم يتم الانتهاء من الصفقة أبدا". وتلك الصفقة جرى التوصل إليها باتفاق رباعي بين مصر والسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة.

تجميد السيسي لعملية نقل السيادة على الجزيرتين الاستراتيجيتين، بحسب المركز العربي في واشنطن، يعكس رغبة السيسي في "ممارسة الضغط على السعودية وتحقيق فوائد اقتصادية ومالية يمكن أن تخفف من الأزمة الاقتصادية الحادة في مصر".

فيما طرح معهد "المجلس الأطلسي" البحثي الأمريكي سببين آخرين هما مساومة السيسي لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للإفراج عن المساعدات العسكرية المجمدة بسبب ملف حقوق الإنسان، وخشيته من تجدد احتجاجات شعبية على التنازع على الجزيرتين بالتزامن مع استياء من ارتفاع الأسعار.

نظام الأسد

بالإضافة إلى الملفات الثنائية بين مصر والسعودية، الدولتين الأكبر في العالم العربي، تزامنت زيارة السيسي أيضا مع عمليات إعادة ترتيب إقليمية كبرى في أعقاب التقارب السعودي الإيراني وفي ظل تطبيع عربي متواتر مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وعلى مدار سنوات، أعادت دول عربية عديدة، بينها خليجية، العلاقات مع نظام الأسد، الذي علقت جامعة الدول العربية عضويته في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011؛ إثر استخدامه القوة لقمع احتجاجات شعبية طالبت بتداول سلمي للسلطة، مما زج بسوريا في حرب أهلية مدمرة.

وقبل ساعات من زيارة السيسي، استقبلت القاهرة (حيث مقر الجامعة العربية) السبت، وزير خارجية النظام السوري فيصل المقدام في أول زيارة من نوعها منذ 2011.

وتضغط مصر لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، ويبدو أن السعودية تفكر بالفعل في إعادة العلاقات مع نظام الأسد قبل قمة قادة دول جامعة العربية بالمملكة في 19 مايو/ أيار المقبل، بحسب "المونيتور".

والسبت، نقلت رويترز عن مصادر مطلعة إن الرياض تعتزم توجيه دعوة إلى الأسد لحضور القمة. وربما تكون هذه الخطوة المرتقبة ضمن التفاهمات المفاجئة بين السعودية (ذات أغلبية سنية) وإيران (ذات أغلبية شيعية) اللتين تخوضان، عبر وكلاء، صرعات على النفوذ في دول بينها سوريا ولبنان واليمن والعراق.

فلا يبدو الملف السوري منفصلا عن توقيع السعودية وإيران (حليفة الأسد)، بوساطة صينية في 10 مارس/ آذار الماضي، اتفاقا لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية خلال شهرين، ما ينهي قيطعة استمرت 7 سنوات، منذ أن اقتحم محتجون سفارة المملكة بطهران، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر مع مدانين آخرين، بينهم سُنة، بتهم منها الإرهاب.

وبينما تحقق السعودية تقدما في مصالحة مع إيران، تحرز مصر تقدما في تطبيع العلاقات مع تركيا، وربما وفقا لمراقبين تستعين كل من الرياض والقاهرة بالأخرى لتحسين العلاقات مع أنقرة وطهران على الترتيب.

إعادة تشكيل المنطقة

وتسعى الرياض، مستعينةً بالقاهرة في جانب من الأمر، إلى إعادة ترميم العلاقات بين الدول العربية وحشدها في ظل ما يبدو أنها مساعٍ سعودية إلى إعادة تشكيل المنطقة دبلوماسيا والموازنة في العلاقات مع القوتين المتنافستين الولايات المتحدة والصين لتحقيق المصالح السعودية والعربية.

ومنذ فترة، تخيم على العلاقات بين الرياض وواشنطن توترات على خلفية ملفات منها الانخفاضات المتكررة والمفاجئة في إنتاج النفط، بتنسيق بين السعودية ومنتجين آخرين لاسيما روسيا، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار على عكس رغبة الولايات المتحدة التي تكافح لخفض نسبة التضخم.

ويضاف إلى ذلك الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية، وأخيرا انضمام الرياض قبل أيام كشريك في الحوار إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهو اتحاد اقتصادي سياسي تقوده بكين وموسكو ويسعى إلى موازنة النفوذ الغربي بقيادة واشنطن.

باستثناء لقاء السيسي وبن سلمان نفسه وما تبعه من تصريحات دبلوماسية معتادة، لا تتوافر معلومات بشأن الملفات الثنائية والإقليمية التي تطرقا إليها ولا مدى التوافق حيالها، لكن اللقاء في حد ذاته يمثل انفراجا مهما في العلاقات الثنائية وربما يكون مؤشرا على بداية طي صفحة الخلافات وتدشين مرحلة جديدة تفرضها ضرورات داخلية وإقليمية ودولية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السيسي محمد بن سلمان مصر السعودية نظام الأسد إيران تركيا

بينها خلاف محتمل مع الإمارات.. خالد الجبري: بن سلمان والسيسي تناولا 3 ملفات

يزيد صايغ: الاستدانة المفرطة تهدد مصر والسيسي يراهن على سيناريو الابتزاز