استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

خيارات الشعوب بين الحرب والتفاوض

الأربعاء 27 يناير 2016 11:01 ص

لعل من اهم الدروس المستفادة من توقيع الاتفاق النووي الإيراني نجاح مبدأ «التفاوض» لتحقيق النتائج التي يهدف الفرقاء لتحقيقها. فالبدائل لمبدأ الحوار والتفاوض والتفاهم خطيرة في مقدمتها النزاع العسكري الذي لا يفشل في تحقيق تلك النتائج فحسب بل قد يؤسس لخلافات مستقبلية اضافية. 

وقد يقول قائل ان هذا القول «مثالي» لا يجد مصاديق كثيرة له على أرض الواقع. بل ربما أن أغلب القضايا لم تحل إلا باستخدام القوة والدخول في حرب. هذا صحيح من جهة، ولكن الصحيح أيضا أن هذه الحروب في أغلب الاحيان لم تحقق النتائج المرجوة منها. فالحرب التي بدأها العراق على إيران في ايلول/سبتمبر 1980 انتهت بدون انتصار ساحق لاي من الطرفين على الآخر، وكان البلدان الخاسر الاكبر منها بعد ان دمرت بناهما التحتية وخسرتا مئات الآلاف من ابنائهما الذين قتلوا في المعارك.

وما تزال آثار تلك الحرب مستمرة حتى اليوم. فالاحياء من ضحايا الاسلحة الكيماوية التي استخدمها العراق يعانون عاهات كثيرة، وما اكثر الذين بترت اعضاؤهم بالرصاص والمدافع والالغام. بل ان جثث ضحايا الحرب ما تزال تكتشف بين الحين والآخر ويتم تبادلها بين البلدين. والإسرائيليون لهم قصص اخرى في عدم جدوى العدوان، فقد نجم عن عدوانهم على لبنان في 2006 توسع القوة العسكرية لحزب الله اللبناني وتمدد نفوذه السياسي. 

وادى العدوان الاسرائيلي على غزة في 2008- 2009 و 2014 إلى ترسيخ الوجود السياسي والعسكري لمنظمتي حماس والجهاد الإسلامي، المدعومتين عسكريا من إيران.

والنزاع العسكري المتواصل في سوريا لم يؤد إلى نتائج حاسمة لاي من اطراف النزاع، بل دفع الشعب السوري ثمنه باكثر من ربع مليون قتيل واكثر من سبعة ملايين لاجىء ونازح، بالاضافة للدمار الذي اصاب البنى التحتية ودمر الآثار التاريخية لهذا البلد العريق.

أما السودان فقد تقسم بدون حرب، بل بالتفاوض بين الجنوبيين والحكومة المركزية في الخرطوم. وحتى الصراع الدموي البشع الذي تدور رحاه على اكثر من بقعة عربية وإسلامية لن يحسم لصالح التنظيمات الإرهابية التي توحد العالم ضدها، حتى الذين ساهموا في تأسيسها وتمويلها ورفدها بالاسلحة.

وبلغت ضحايا الحرب العالمية الثانية اكثر من خمسين مليونا قبل ان تتوقف. وربما جاءت نتائج تلك الحرب مغايرة لما اراده الحلفاء. فقد هزمت ألمانيا واليابان عسكريا ودمرت بناهما التحتية بشكل كامل، ولكن سرعان ما نهض البلدان واصبحا من اقوى بلدان العالم صناعيا واقتصاديا.

دعاة الحروب كثيرون، من بينهم بعض الحكام المستبدين الذين يرفضون الاعتراف بحقوق شعوبهم في تقرير مصيرها او اشراكها في الحكم، ومنهم زعماء الدول ذات النزعة التوسعية سواء بالاحتلال مثل: إسرائيل «او الهيمنة وإرضاخ الشعوب الاخرى بالقوة، كالدول الغربية التي تتزعمها أمريكا، او الراغبين في التوسع على حساب جيرانهم، كما هو الحال مع بعض الدول العربية.

ويمكن القول بقدر من الثقة ان الحرب على اليمن التي يشنها «التحالف العشري» الذي تقوده المملكة العربية السعودية لن تحسم عسكريا، بل سيجد المتحاربون انفسهم مجبرين على التفاوض سواء بالوساطة الدولية التي يقودها ممثل الأمم المتحدة ام بحضور جلسات التفاوض في جنيف. وهذه الحرب غير محسوبة النتائج اصبحت تضغط على الذين انساقوا لها مدفوعين باطماع سياسية او اقتصادية. 

فالحكومة البريطانية تتعرض لضغوط كبيرة لتبرير مشاركتها في حرب ليست لها فيها ناقة او جمل. وثمة حروب توسعت بسبب توسيع نطاق العمل العسكري. فالحرب على الإرهاب التي اعلنها الرئيس الأمريكي السابق، جورج دبليو بوش في إثر حوادث 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية توسع مداها واستمرت اثني عشر عاما بدون ان تحقق نتائج ملموسة. صحيح ان الدول الغربية اصبحت أقل تعرضا للتهديد المباشر بالاعمال الإرهابية، ولكن ذلك حدث نتيجة «هندسة امنية» غير مسبوقة، استهدفت «ذبح تنظيم القاعدة». 

فقد فصل رأس التنظيم ممثلا باسامة بن لادن والمقربين منه عن الجسد الذي تمثله قواعد التنظيم وافراده. وقد نجحت الاستراتيجية الغربية المدعومة من دول اقليمية في فصل قيادة التنظيم التي حوصرت في جبال «تورا بورا» الافغانية، فوقع جسد التنظيم بايدي اجهزة استخبارات دول التحالف. 

وبعد سنوات من العبث بهذا الجسد وتقطيع اوصاله والتلاعب بمبادئه واهدافه، استطاعت هذه القوى اعادة بلورة ايديولوجيا التنظيم بعيدا عن استهداف الغرب، وتم توجيهها لحرب داخلية وفق منظور مذهبي بالاستفادة من التناقضات التاريخية والجهل المطبق وتغييب دور العلماء الواعين والحركات الإسلامية المعتدلة.

مما سبق يتضح ان الحرب وحدها لا تحسم الامور. بل ان الحروب الجوية هي الاقل نصيبا في حسم الامور، فلا يمكن هزيمة الطرف المستهدف بشن الغارات الجوية مهما كانت كثيفة ودقيقة وواسعة. وحرب الكويت 1991 و العراق 2003 أكدتا عدم قدرة الحرب الجوية وحدها على الحسم، ولا بد من خوض النزاع على الارض، مع الاعتراف بعدم حتمية انتصار الخيار العسكري وان هزم احد طرفيه. 

الإيرانيون كانوا بارعين جدا في التفاوض المباشر تارة، والمراوغة احيانا اخرى، والتهديد بالانسحاب من المفاوضات ثالثة. وقد أكد الرئيس الإيراني، الشيخ الدكتور حسن روحاني، الاسبوع الماضي انه وجه اوامره للفريق المفاوض بالانسحاب ثلاث مرات، بسبب سعي مجموعة 5+1 لطرح قضايا ليست ذات صلة مباشرة بالمشروع النووي الإيراني.

فحينما طرحت صناعة الصواريخ البالستية الإيرانية كمادة للتفاوض رفضها الإيرانيون بشكل مطلق وهددوا بالانسحاب. وفاجأت واشنطن العالم الاسبوع الماضي باعلانها فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب مشروعها الصاروخي.

وتجدر الاشارة إلى ان الجمهورية الإسلامية ركزت خلال العقود الثلاثة الماضية على صناعة قدراتها الصاروخية وتطويرها للتعويض عن ضعف قواتها الجوية نتيجة الحصار. وما يزال اسطولها الجوي متواضعا، فلا تملك إلا عددا محدودا من طائرات «سوخوي» الروسية، وعددا من الطائرات الأمريكية القديمة (اف 5 و اف 14) كان الشاه قد اشتراها من الولايات المتحدة في السبعينات.

الطرفان ادركا ضرورة التوصل لحلول معقولة عن طريق التفاوض، لعلمهم ان العمل العسكري لن يحقق ذلك، بل سيفتح جبهة جديدة غير مضمونة النتائج لاي من الاطراف. الاسرائيليون (بتشجيع من بعض الدول العربية) كانوا الاكثر حماسا للعمل العسكري ضد إيران، لأنها الفرصة الاخيرة لهم لتحييد خصمهم الاول في المنطقة، بايدي غيرهم.

وبرغم تهديداتهم المتكررة بشن عدوان عسكري من طرف واحد على إيران، إلا ان احدا لم ياخذ تلك التهديدات مأخذ الجد. فاذا كان الاسرائيليون قد عجزوا عن تركيع مجموعات مسلحة مثل حزب الله ومنظمتي حماس والجهاد الإسلامي، فما نصيبهم من الحاق هزيمة بإيران التي اعادت تأهيل قواتها على مدى 28 عاما، اي منذ انتهاء الحرب مع العراق في صيف 1988.

ثمة ادراك عام بخطر الخيارات العسكرية في العصر النووي، خصوصا بعد التجربة القاسية في الحربين العالميتين. وتدريجيا اصبحت الحرب عنصر ردع كما هو السلاح النووي، يتم التلويح بها ولكن بدون ان يتورط احد فيها. وثمة نظرية تقول بان الإرهاب اصبح سلاحا لدى بعض الدول التي لا تريد التورط في الحرب ولكنها تسعى لبسط نفوذها من خلال المجموعات التي تمارسه. ويوما بعد آخر يتأكد ان حرب اليمن خطأ كبير ليس محفوفا بالمخاطر فحسب، بل سيكشف حدود القوة العسكرية التي تملكها الدول المشاركة فيها. 

وبمناسبة مرور 300 يوم على بدء تلك الحرب اصدر ما يسمى «الائتلاف اليمني لرصد جرائم العدوان» تقريرا احتوى ارقاما مذهلة حول اعداد القتلى والجرحى وحجم الخسائر في البنى التحتية والمساجد والمدارس والمستشفيات والمصانع، الامر الذي يفرض تساؤلات حول جدوى تلك الحرب وما تلحقه من خسائر بشرية ومادية مرعبة.

ومع عدم القدرة على حسمها برغم الاتهامات بارتكاب جرائم حرب فيها، فقد اصبحت وبالا على من اشعلها وشارك فيها، ولم يستفد منها إلا اعداء الامة وقوات الاحتلال.

لم يعد هناك أمل في سيادة منطق العقل والمنطق والحكمة في منطقتنا التي تتنكر عمليا لمخاطر الاحتلال والاستبداد وغياب الحريات.

والأمل أن تدفع النتائج الكارثية لحرب اليمن وتصاعد ظاهرة الإرهاب اصحاب القرار السياسي ورموز الدين والفكر والسياسة لاعادة النظر في ما يمكن عمله لاستعادة الامن والاستقرار في المنطقة التي لم تعرف أيا منها منذ عقود.

مطلوب أن تسود قيم التفاهم والتحاور والتفاوض والتقارب بدلا من ثقافة التحاقد والتباغض والتحارب. ولكي يتحقق ذلك حان الوقت للتخلي عن استخدام الاسلحة القذرة في حروب عبثية: مسلحة وعقيدية وايديولوجية، واستبداله بمنظومات اصلاح سياسية وتقارب ديني ومذهبي وثقافي، والغاء الحرب كخيار لحل الازمات والاختلافات. وويل للامة ان رفض السياسيون ذلك.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

  كلمات مفتاحية

الشعوب العربية الحرب التفاوض الاتفاق النووي العراق إيران اليمن

الربيع العربي والفراغ والفوضى

نقائض الربيع العربي

في خصوصيات الدولة ومصائر حركة الثورة العربية

مسؤولية الجامعة العربية: أمام الحكام أم الشعوب؟

الأنظمة العربية والحرب العالمية على شعوبها