لبنان يدرس ترحيل السجناء السوريين لبلادهم.. وقلق واسع

الاثنين 1 مايو 2023 08:53 ص

وضعت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، خطّة لترحيل السوريين الموجودين في السجون اللبنانية إلى بلادهم، لاستكمال الفترة المتبقية من أحكامهم، وهي الخطوة التي أثارت جدلا وغضبا وقلقا واسعا.

ووفق تقارير محلية، فإن اللجنة الوزارية لمتابعة عودة النازحين كلفت وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، البحث في "إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السورية بشكل فوري، مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة، والتنسيق بهذا الخصوص مع الدولة السورية".

وقال وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة هيكتور الحجار، إن وزارة العدل تدرس حاليا ملف نقل السجناء السوريين إلى بلادهم، لافتا أن "مجلس الوزراء أحال ملف السجناء السوريين لوزير العدل للنظر بمدى قانونية نقلهم إلى سوريا ومراعاته للقوانين المعمول بها في الدولة اللبنانية".

وأضاف أن "نسبة المحكومين السوريين في السجون اللبنانية تبلغ 33.3% من عدد المحكومين الكلي في السجون اللبنانية".

وأشار إلى أنه في حال أقر وزير العدل قانونية هذا الإجراء سيتم التنسيق مع حكومة النظام السوري لاتخاذ لإجراء المناسب، وتسليم المحكومين إلى حكومة النظام لإتمام محكوميتهم.

وضاعفت هذه الخطّة من قلق المنظمات الدولية حيال تسليم هؤلاء السجناء إلى النظام السوري، خصوصاً أنها ترافقت مع حملة واسعة يقودها ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تطالب بـ"ترحيل السوريين لأنهم يمثلون تهديداً للهوية اللبنانية، وللتوازن الديموغرافي في البلد الصغير"، وواكبتها حملة أمنية طالت مخيمات النازحين بحثاً عن أسلحة وممنوعات، وأسفرت عن توقيف أشخاص يخضعون الآن لتحقيقات أولية بإشراف القضاء المختص.

وبدت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عبر إصرارها على تسليم السجناء إلى بلادهم، كأنها تزايد على أحزاب وقوى سياسية تطالب بإخراج اللاجئين السوريين بأي ثمن، علماً بأن القانون اللبناني يمنع ترحيل أي شخص أجنبي ارتكب جريمة على الأراضي اللبنانية إلّا بعد انتهاء محاكمته، وانقضاء مدة العقوبة المحكوم بها عليه.

ووفق القانون، يجري الترحيل شرط ألا يشكّل ذلك خطراً على حياة الشخص، وجعله عرضة للاعتقال والتصفية الجسدية.

المعوقات القانونية لترحيل المحكوم عليهم والموقوفين، تحدث عنها وزير العدل هنري الخوري قائلا إن "هذه القضية الحساسة لا تعالج بقرار متسرّع".

وأكد الخوري، أن "كل ملف من ملفات السجناء السوريين يحتاج إلى دراسة قانونية دقيقة، فلا أحد يستطيع إطلاق سراح مرتكب جريمة بهذه السهولة، خصوصاً في جرائم جنائية مثل القتل والخطف وعمليات السطو والمخدرات".

وتابع: "إذا ثبت أن ثمة سجناء لديهم ملفات قضائية في سوريا، فقد تكون الإجراءات أسهل، بحيث تستكمل محاكماتهم هناك، أما إذا لم تكن لديهم ملفات، فلا يمكننا إخراجهم وإطلاق سراحهم عشوائياً، عندها قد يخرجون من الباب (إلى سوريا)، ويعودون من الشبّاك بطريقة غير شرعية، وعندها يصبح خطرهم مضاعفاً".

وكشف وزير العدل عن "زيارة سيقوم بها وفد وزاري وتقني إلى سوريا لبحث عودة النازحين، لكن مسألة المحكوم عليهم والموقوفين تبقى قيد الدرس المعمّق".

ويمكث في السجون اللبنانية نحو 1800 مواطن سوري ممن ارتكبوا جرائم جنائية، 82% منهم لم تستكمل محاكماتهم، ولم تصدر أحكام بحقهم حتى الآن، و18% منهم صدرت أحكام بحقهم ويمضون مدة عقوبتهم.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"، عن مصدر مطلع على ملف السجون، قوله إن "هناك عشرات الموقوفين على ذمة التحقيق في نظارات الأجهزة الأمنية وأماكن التوقيف المؤقت، بانتظار القرارات القضائية الحاسمة بشأنهم، ما يعني أن هذه النسبة سترتفع حتماً في الأيام المقبلة".

وأضاف أن "بين هؤلاء 143 قاصراً (سورياً) في السجون اللبنانية أعمارهم دون الثامنة عشرة".

واعترف مصدر أمني معنيّ بملف السجون، بأن "وجود آلاف السوريين في السجون اللبنانية يفاقم من أزمة السجون والأعباء المترتبة على خزينة الدولة".

وكشف أن "نسبة السوريين تشكل 27% من عدد نزلاء السجون، أي ما يقارب ثلث عدد النزلاء، وهذا يزيد من أعباء التقديمات الغذائية والطبية، ويفاقم عدد الدعاوى التي تغرق بها المحاكم اللبنانية".

ورأى المصدر (الذي رفض ذكر اسمه)، أن "مسألة ترحيل السجناء ترتبط عادة بالاتفاقات الموقعة بين لبنان والدولة المعنية بشؤون مواطنيها".

وقال: "هذه مسألة معقدة، ويصعب حلّها بسرعة مع الدولة السورية"، متسائلا: "إذا كانت الدولة عاجزة عن إيجاد آلية لإعادة النازح حتى الآن، فكيف يمكنها إعادة المحكوم عليهم والموقوفين، ووفق أي معايير؟".

ومن جهتها، أكدت المحامية والناشطة الحقوقية المحامية ديالا شحادة أن لبنان "ملتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة الإخفاق القسري".

وحذّرت من "مخالفة القوانين الواجب اتباعها في تسليم أي موقوف لدولة أخرى، فهذا يستدعي أن تتقدّم الدولة المعنية بطلب استرداد لمواطنها الموقوف في لبنان".

وقالت: "لا يمكن اتخاذ قرار من هذا النوع إلّا بعرض الأمر على لجنة قضائية متخصصة تدرس كلّ ملف على حدة، وترفع توصية للسلطات بترحيل الموقوف أو رفض ترحيله".

ويخشى متابعو هذا الملفّ التداعيات الإنسانية التي تترتّب على تسليم السجناء السوريين لبلادهم، حيث رأت شحادة، أن "تسليم هؤلاء قد يعرضهم للاضطهاد والضرر الجسدي والاقتصادي، وإمكانية إقحامهم مجدداً في النزاع المسلّح، سواء بإلحاقهم قسراً بالجيش السوري أو التنظيمات المسلّحة".

وفي ذات السياق، قال رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب فادي جرجس أن تسليم السجناء السوريين إلى النظام الذي هربوا منه يناهض حقوق الإنسان، ويخالف القانون الدولي الإنساني الذي يمنع تعريض حياة أحد للخطر والتعذيب.

وأشار إلى أن الهيئة "أرسلت موقفها إلى الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة".

فيما حذّر سجين سوري في تسجيل صوتي مسرّب من سجن رومية، من إقدام السجناء على الانتحار جماعياً في حال سارت الحكومة اللبنانية في هذا الخيار.

وقال في التسجيل الذي تناقلته وسالئل إعلام محلية: "نفضّل تعليق مشانقنا بأيدينا على أن نقتل في سجن صيدنايا".

كذلك هددت والدة سجين بإشعال النار في نفسها إن جرى تسليم ابنها للنظام السوري، قائلة في تسجيل صوتي: "سنوات وأنا محرومة منه، وبعد أن اقترب موعد انتهاء محكوميته، والذي لا يتجاوز السبعة أشهر، يحكمون عليه بالموت فيما لو تم ترحيله إلى سوريا".

كما صدر بيان عن "المعتقلين السياسيين والمعارضين لنظام (بشار) الأسد المحتجزين في سجون لبنان"، ناشد المؤسسات الدولية والحقوقية ووسائل الإعلام، العمل على منع تسليمهم للنظام السوري المعاقب دولياً وحمايتهم منه واحترام حقوقهم كاملة.

وحمل البيان الحكومة اللبنانية كاملة المسؤولية عن أي ضرر يحدث لأي معتقل منهم جراء تسليمه للنظام.

كما طالب المعتقلين السوريين في لبنان، بإخراجهم إلى الشمال السوري مع عائلاتهم تحت رعاية أممية، متوجهين بنداء "لكل حر ووطني موجود في لبنان" أن يقف معهم في محنتهم.

وقالوا: "عدونا واحد.. قبولكم بتسليمنا اليوم هو تكرار لما حدث معكم حين قام نظام حافظ الأسد المجرم بخطف إخوانكم اللبنانيين الأحرار المعارضين له في الثمانينات والتسعينات ووضعهم في معتقلاته الإجرامية ومازال مصيرهم مجهولا حتى الآن وبدون أي محاكمة عادلة".

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان نحو 1.5 مليون حسب تقديرات رسمية، يعاني معظمهم أوضاعًا معيشية صعبة، خاصةً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

لبنان سوريا لاجئين سجنائ ترحيل

مثقفو لبنان يتبرؤون من حملة عنصرية ضد اللاجئين السوريين