ملفات خارجية متشابكة ومعقدة.. عواصم عديدة تترقب كلمة الناخب التركي (خاص)

الأربعاء 3 مايو 2023 03:29 ص

عمر يوسف- الخليج الجديد

تترقب عواصم عديدة إقليمية ودولية نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في تركيا يوم 14 أيار/مايو الجاري لحسم ملفات متشابكة ومعقدة تنخرط فيها أنقرة وربما تشهد تغييرات جذرية وفقا نتائج الاقتراع، بحسب مختصين في حديث مع "الخليج الجديد".

وبشكل مباشر، وفقا لخبيرين سياسيين، ستنعكس النتائج على السياسة الخارجية التركية لاسيما في حال فوز المعارضة، حيث أعلنت في برنامجها الانتخابي عن خطوات مرتبطة بالملفات الخارجية البارزة.

متابعة الإعلام الغربي المكثفة للانتخابات التركية المرتقبة تظهر مدى أهميتها، خاصة وأن تركيا عضو فعال في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتمتلك أكبر ثاني قوة عسكرية فيه، ولا تزال في الوقت نفسه على تواصل مع روسيا ولم تنخرط في العقوبات المفروض عليها جراء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير/ شباط 2022.

وتحاول أنقرة لعب أدوار دولية، ونجحت في إتمام اتفاقية شحن الحبوب الأوكرانية، مما ساهم في حل جزء لأزمة الغذاء العالمية، كما تحاول تأسيس حوار بين موسكو وكييف، وسمحت لفنلندا بالانضمام إلى الحلف بينما عرقلت طلب السويد بسبب خلافات بشأن دعم ستوكهولم لمنظمات تعتبرها أنقرة إرهابية، وخاصة حزب العمال الكردستاني وجماعة الخدمة.

وبخلاف العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن، تشتبك تركيا أيضا مع الولايات المتحدة وروسيا في ملفات أخرى منها سوريا، حيث تدعم أنقرة المعارضة السورية شمالي وشمال غربي البلاد، فيما تساند واشنطن وحدات الحماية الكردية (شمال شرق)، بينما تدعم روسيا النظام السوري.

وفي الساحة الليبية كانت واشنطن حاضرة في المفاوضات، في ظل دعم تركيا للحكومة الليبية في غربي البلاد والمعترف بها من الأمم المتحدة، مقابل دعم روسيا للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في شرقي البلد الغني بالنفط.

كما تتواجد قوات عسكرية تركية على عمق نحو 40 كم داخل العراق لتنفذ عمليات ضد حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى التواجد العسكري التركي في قطر والصومال، إلى جانب دعم أنقرة لأذربيجان ضد أرمينيا.

وفي السنوات الأخيرة، مرت العلاقات التركية العربية بمراحل عديدة، حيث بدأت إيجابية مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في أنقرة عام 2002، حيث انتهجت الحكومة سياسة "تصفير المشاكل" مع الدول الأخرى وبينها العربية.

لكن مع اندلاع ثورات الربيع العربي، بداية من تونس في أواخر 2010، ودعم أنقرة للاحتجاجات الشعبية العربية في مقابل دعم دول عربية للثورات المضادة، وقع صدام بين أنقرة وعواصم عربية.

لكن في العامين الأخيرين، تبنت أنقرة نهجا جديدا مع الدول العربية قائم على المصالحة وتطبيع العلاقات، وخاصة مع السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، فيما تفتح قنوات حوار مع أرمينيا واليونان.

وأعادت أنقرة مؤخرا تطبيع العلاقات مع تل أبيب، بعد أن وصلت حد المواجهة في 2010 إثر هجوم إسرائيلي بحري على قافلة "أسطول الحرية" لكسر الحصار عن قطاع غزة مما أودى بحياة ناشطين أتراك.

وأوروبيًا، توترت العلاقة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي على خلفية ملفات أبرزها المهاجرين غير الشرعيين والوضع شرق البحر المتوسط والصراع مع اليونان في بحر إيجة. كما يترقب النظام السوري نتائج الانتخابات التركية لتحديد موقفه من الانخراط في تطبيع العلاقات مع أنقرة.

وعود المعارضة

في ظل تلك الملفات الخارجية، تترقب عواصم عديدة كلمة الحسم الانتخابية، لاسيما وأن المعارضة التركية تعد، بحسب برنامجها الانتخابي المعلن في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، بنهج جديد يخالف سياسة حكومة العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان.

وينص البرنامج الحكومي المشترك لـ"تحالف الشعب" المعارض على أن "التعاملات الدولية ستكون وفق مبدأ المثل والابتعاد عن ازدواجية المعايير دون تفرقة بين الدول، والعلاقات مع المنظمات الدولية ستكون وفق مفهوم التعدد في الدبلوماسية فيما يتعلق بالعضوية فيها وآلياتها المختلفة، وإكساب المواطنين الأتراك الخبرات المطلوبة للعمل معها وتولي مسؤوليات والارتقاء بها".

وبالنسبة للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، تقول "الطاولة السداسية" (تحالف الشعب): "هدفنا هو العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، وستعمل الطاولة عبر الحوار والعدالة والمساواة في مسار إتمام مسألة العضوية، وأولوية العمل ستكون للتوصل إلى توافقات لرفع تأشيرات الدخول لدول الاتحاد وتطوير اتفاقية التعاون الجمركي وإزالة الخلافات".

ويرى التحالف أن "تركيا والاتحاد الأوروبي لديهما مسؤوليات مشتركة بأزمة اللاجئين وتحمل التكاليف، ولذلك يجب مراجعة اتفاقية إعادة القبول الموقعة في 2014 واتفاقية عام 2016 (المتعلقة باللاجئين)".

ويحظى "الناتو" بمكانة ضمن برنامج المعارضة، إذ تقول إن الحلف "له أهمية كبيرة على صعيد الأمن الوطني وقوة الردع، وستواصل تركيا تعهداتها على أرضية واقعية تناسب المصالح الوطنية".

ودون أن تسميها، تتطرق المعارضة في برنامجها إلى العلاقات مع دول الجوار وبينها الدول العربية بالقول: "سيتم إصلاح العلاقات مع دول الجوار ودول الحوض القريب، ورفع مستواها في التعاون إلى أعلى مستوى، وستعمل تركيا على مبادرات مع الأطراف العديدة لإحلال السلام والاستقرار في الجغرافية المجاورة".

وتتابع: "سيتم احترام سيادة دول المنطقة واستقلالها ووحدة أراضيها ولن يتم التدخل بشؤونها الداخلية، كما أنها (تركيا) ستلعب دور الميسر بينها لحل المشاكل دون أن تكون طرفا فيها"، في إشارة على ما يبدو إلى سوريا وليبيا.

ولم تغب القضية الفلسطينية عن برنامج المعارضة، إذ تشدد على أنه "سيتم التواصل مع الأطراف المعنية لحل دائم للمسألة الفلسطينية الإسرائيلية وفق قرارات الأمم المتحدة وعلى أساس حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، وستعلب تركيا دور الميسر على طاولة الحوار".

وفيما يتعلق بالعلاقة مع أذربيجان وأرمينيا، تقول إنه "سيتم تقوية العلاقة مع أذربيجان والقائمة على الأخوة والثقة المتبادلة، وستتم مواصلة الإقدام على خطوات حازمة لحل المشاكل بين تركيا وأرمينيا، والعمل على تعزيز استمرار وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا ودعم التحول إلى سلام دائم".

وبخصوص اليونان، تؤكد المعارضة أنه "سيتم إعطاء الأولوية لمسألة استبعاد تركيا من شرق المتوسط، والتفاوض بشكل مكثف على مسألة رسم الحدود البحرية وتقاسم مصادر الثروات بشكل قانوني".

وتضيف أنه "يجب أن يكون بحر إيجة عنوانا للسلام والتعاون وحسن الجوار، وسيتم العمل على ذلك، ولن يتم السماح لأي تطور بأن يُضر بمساحات السيادة الوطنية، مع العمل على حل المشاكل العالقة مع اليونان عبر الدبلوماسية والحوار ومفاوضات تؤدي إلى نتيجة تقوم على أساس القوانين الدولية والحق، دون أي تنازل عن الحقوق التركية".

وتزيد بأن "مسألة قبرص قضية وطنية، وسيتم الحفاظ على حقوق شمال قبرص التركية والعمل على حل دائم وعادل يحمي حقوقها وسيادة المجتمعين والتساوي في السيادة السياسية".

أما فيما يخص العلاقة مع واشنطن، فتقول المعارضة إنها "ستعمل على تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة وفق مبدأ العلاقات المتساوية ووضعها ضمن إطار العلاقات المؤسساتية والاستناد إلى الثقة المتبادلة، والعمل على العودة لبرنامج إنتاج مقاتلات أف- 35".

وتتطرق المعارضة إلى موسكو، المنافس الاستراتيجي لواشنطن، بالقول إنه "ستتم تقوية العلاقة مع روسيا واستمرارها بمفهوم قائم على العلاقات الندية وعلى مستوى مؤسساتي وحوار متوازن وبناء".

وقبيل انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، اتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر من مرة أردوغان بـ"الاستبداد"، مشددا على أنه سيدعم المعارضة التركية للإطاحة به، وهي تصريحات كان لها صدى كبيرا بين الأتراك لاسيما في أعقاب فشل محاولة الانقلاب العسكري في تركيا عام 2016.

برنامج العدالة والتنمية

على الجانب الآخر من المشهد الانتخابي التركي الغائم، أعلن العدالة والتنمية، ممثلا في أردوغان، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي برنامجه عن مئوية تركيا (الجمهورية تأسست عام 1923) ويتضمن مبادئ تلخص برنامجه الانتخابي.

ويؤكد الحزب الحاكم استمرار سياسته داخليا وخارجيا عبر "مئوية الاستدامة" و"مئوية الاستقرار" و"مئوية التنمية"، بالإضافة إلى عناوين أخرى تؤكد في المجمل اعتزامه الاستمرار في سياسته الخارجية الراهنة.

و"مئوية القوة" تشمل تقديم الدعم والقوة في القطاعات السيادية كالصحة والصناعة والتعليم والتقنية وتقويتها، وتضم "مئوية النجاح" مراعاة المصالح الوطنية والمبادئ الدولية والتوازنات والتركيز على الاستقرار في منطقة صعبة في العالم.

فيما تعمل تركيا، بحسب "مئوية السلام"، على إحلال السلام عبر الميدان وطاولة المفاوضات، وتنص "مئوية الاستقرار" على استقرار القوة والمضي نحو النصر، أما "مئوية الاتصال" فتؤكد تعزيز الأمن والتواصل الدولي والمعلومة الصحيحة والإبداع.

وما بين ملفات خارجية ملتهبة ووعود براقة من المعارضة بجانب تحديات داخلية وخارجية، تكتسب الانتخابات المقبلة أهمية كبيرة، ما دفع أردوغان إلى وصفها أكثر من مرة بأنها "مفترق طرق"، فيما تعتبرها المعارضة "مصيرية".

وتلك الخصوصية دفعت المعارضة إلى تشكيل "تحالف الشعب" أو "الطاولة السداسية" من ستة أحزاب هي الشعب الجمهوري والجيد والمستقبل ودواء والديمقراطي والسعادة، وبدعم من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وطرح التحالف زعيم حزب الشعب كمال كليتشدار أوغلو (75 عاما) مرشحا للرئاسة لمنافسة أردوغان (69 عاما) الذي يحكم مع حزبه منذ 21 عاما.

تغييرات محتملة

ووفقا للكاتب السياسي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "الخليج الجديد"، فإن "هذه الانتخابات الأصعب للرئيس أردوغان فهي الأخيرة له (دستورا وعمرا) ومنافسه قوي جدا ومدعوم بشكل متعدد الأقطاب والمذاهب والمشارب السياسية والأيديولوجية، فالمعركة لن تكون سهلة".

رضوان أوغلو تحدث عن تأثيرات محتملة للانتخابات على السياسة الخارجية بقوله: "بالنسبة للمنطقة العربية سيكون الوضع معقدا، فأردوغان زعيم حزب إسلامي وله موقف وعلاقات جيدة مع الدول العربية، لكن حصلت خلافات حادة معها بسبب الاصطفافات جراء الأزمة الخليجية (2017-2021)، ولكن تم ترتيب العلاقات والمصالحات وعادت العلاقات إلى طبيعتها".

وتابع أن "الائتلاف المعارض ليست لديه تلك العلاقات الجيدة مع الدول العربية، وفي أحد تصريحاته شدد كليتشدار أوغلو على عدم التقارب مع الدول العربية ووصفها بالوحل السياسي.. ربما يعتمد على نواب منهم رئيس الوزراء الأسابق أحمد داود أوغلو الذي لديه علاقات جيدة مع بعض الدول العربية، لكن أعتقد أن الائتلاف المعارض في حال تولى الحكم لن تكون له علاقات مع الدول العربية كما حزب العدالة والتنمية الحاكم".

وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، قال رضوان أغلو: "إقليميا ستستمر الأمور على ما هي عليه خاصة فيما يتعلق بحفظ أمن تركيا بشأن شمال العراق وسوريا وقبرص واليونان، لن تتغير هذه السياسة جاء من جاء وذهب من ذهب".

أما "العلاقات الدولية فقد تشهد تراجعا مع روسيا وتتطور أكثر مع الولايات المتحدة (في حال فوز المعارضة)، عكس أردوغان الذي يميل إلى روسيا أكثر.. المحصلة ستكون استقرارا في بعض العلاقات وتراجعا في أخرى.. وستتعزز العلاقات مع أوروبا. وربما نشهد تراجعا في العلاقات مع قطر والسعودية"، كما أضاف.

كليتشدار أوغلو وأردوغان

وردا على سؤال حول واقعية وعود كل طرف في سياساته الخارجية، أجاب رضوان أوغلو بأنه "من المؤكد أن كل طرف عازم على تنفيذ خططه، والمعارضة ستنفذ خططها في مسألة ترتيب العلاقات مع المنطقة العربية واللاجئين (السوريين في تركيا)، وإن كانت هناك عقبات ستحاول إزالتها، رغم أنها ستضع في الاعتبار مسألة الأمن القومي، وكليتشدار أوغلو يقدم وعودا كبيرة يريد تحقيقها شعبيا لاستقرار حكمه مستقبلا".

وزاد بأن "وعود وخطط الرئيس أردوغان واضحة ولا يبدو فيها تغييرات كبيرة، ورغم الحوار مع النظام (السوري) يوجد تأكيد على نقطة الحل السياسي وفقا للقرار الأممي 2254 وعدم الإضرار بالسوريين أو الإقدام على خطوات رغما عنهم، وأردوغان قادر على تنفيذ تعهداته وهو يعرف كيف يتعامل مع قادة العالم ولديه خبرة أكبر في هذا الصدد".

سياسات الأغلبية

أما أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر علي باكير فقال لـ"الخليج الجديد" إنه "من حيث المبدأ ستكون هناك انعكاسات للانتخابات على السياسة الخارجية التركية تبعا للجهة التي ستحظى بالأغلبية في السلطة التنفيذية والتشريعية".

وأردف: "سيكون هناك تغير في ملفات أساسية في حال نجحت المعارضة استنادا إلى تصريحاتها وأجندتها المعلنة. العلاقة مع أوروبا والغرب متوقع أن تكون أكثر تقاربا وأقل ندية، بينما ستكون العلاقة أكثر حدة مع دول مثل الصين وروسيا".

واستطرد: "وسيكون هناك تأثير على موقف تركيا وعلاقتها مع الدول في المنطقة والإقليم، بحيث تقل أهمية الشرق الأوسط وتزيد أهمية أوروبا في الحسابات الخارجية التركية بناء على طرح المعارضة".

وفيما يخص الدول العربية، توقع باكير أن "تكون علاقة تركيا مع بعض الأنظمة العربية أكثر قربا مثل المصالحة مع نظام الأسد دون شروط، وربما أيضا تكون العلاقة مع السعودية ومصر أكثر تقاربا بحسب أجندة المعارضة. قد تكون تصريحاتها للاستهلاك العام والواقع سيكون مختلفا، لكن نحن نحكم بناء على التصريحات".

وختم بأنه "في الغالب سيتم تقليص التواجد العسكري التركي في الخارج أو إنهاؤه في بعض الساحات، وستقل أهمية بعض المناطق الجغرافية القريبة من تركيا ولا سيما الشرق الأوسط، مقابل زيادة أهمية بعض المناطق وأوروبا بالتحديد.. ويجب انتظار الانتخابات للحكم على خيارات السلطة التنفيذية المقبلة".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الانتخابات أردوغان كليتشدار أوغلو السياسة الخارجية

الانتخابات التركية.. وعود الحكومة والمعارضة في ميزان المصداقية (خاص)

أيهما أفضل للخليج.. تركيا برئاسة أردوغان أم كليتشدار أوغلو؟

انتخابات تركيا.. انتهاء تصويت بعثات الخارج ونسبة المشاركة تتجاوز 50%