أزمة السودان بالنسبة مصر.. تهديدات ومخاطر متعددة وفرصة محتملة

الثلاثاء 2 مايو 2023 05:15 م

سلّط موقع "أوراسيا ريفيو" الضوء على تداعيات الأزمة السودانية على مصر، معتبرا أنها تنذر بتحديات فريدة ومعقدة بالنسبة لها، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن فرصة ذهبية قد تتمكن من خلالها القاهرة من إعادة تنظيم مصالحها وسياستها الخارجية مع القوى العالمية لاسيما الولايات المتحدة وروسيا.

وذكر التحليل الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن تحديات الأزمة السودانية بالنسبة لمصر تنبع من الوضع الداخلي المرتبط بالاقتصاد في مصر، بالتوازي مع العوامل الخارجية المتعلقة بسياستها الخارجية ومصالحها الاستراتيجية التي يمكن في بعض الأحيان أن تتعارض مع مصالح الحلفاء الإقليميين العرب والغربيين.

وعقّب بأن النقطة الأخيرة كانت تحديدا واضحة بشكل كبير خلال العقد الماضي فيما يتعلق بكيفية تعامل مصر مع ملفات ليبيا وسوريا واليمن وغزة.

ومع ذلك، فإن الوضع في السودان لا مثيل له، حيث يدور الصراع بين طرفين مدججين بالسلاح، وهما قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، حيث يتماثل كلاهما تقريبًا من حيث القوة البشرية المقاتلة.

وفي حين أن الوضع في السودان بدأ بالفعل في التأثير على البلدان المجاورة مثل تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا بسبب التدفق الهائل للمهاجرين، فإن التهديد الذي يواجه مصر أسوأ بكثير.

تهديدات ومخاطر متعددة

قبل القتال الذي اندلع بين الجيش وقوات الدعم السريع، كانت مصر بالفعل موطنًا لأكثر من خمسة ملايين سوداني يمثلون أكثر من 10% من سكان السودان، إضافة للاجئين والمهاجرين الفلسطينيين والليبيين والسوريين الذين وجدوا طريقهم إلى مصر منذ عام 2012.

لكن في ظل الأزمة المستمرة والمتطورة في السودان، تستعد مصر لمزيد من تدفق اللاجئين -عبور الحدود والتهريب- وسط مخاوفها من نقص القدرة على استيعاب هؤلاء اللاجئين.

ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن جماعات التهريب تستغل الوضع وتنشط بشكل متزايد على طول الحدود السودانية المصرية؛ مما يزيد من المخاطر المرتبطة بالإرهاب وتسلل الجماعات المتطرفة.

وقد تم تضخيم هذه المخاطر بشكل أكبر من خلال محاولة قوات الدعم السريع فتح سجون السودان؛ مما سمح لجميع السجناء والمجرمين بالفرار لتحويل انتباه القوات المسلحة السودانية وزيادة زعزعة استقرار البلاد.

وكانت مصر عانت خلال العقد الماضي من أحداث واضطرابات على طول حدودها الغربية مع ليبيا وحدودها الشرقية مع غزة؛ مما أدى إلى تسلل مجموعات إرهابية إلى الحدود وتنفيذ عمليات إرهابية في مصر، ويوضح ذلك سبب عدم سماحها بحدوث نفس الشيء مرة أخرى من حدودها الجنوبية.

وإلى جانب ذلك، هناك تهديد أمني آخر للقاهرة ينبع من العمق الاستراتيجي للسودان، والذي يقابل أي عمل عسكري من جانب مصر تجاه إثيوبيا إذا استمرت الأخيرة في تشكيل تهديد للأمن القومي لحصة مصر المائية من نهر النيل عبر سد النهضة.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن قوات الدعم السريع في السودان تحافظ على علاقات وثيقة مع القيادة الإثيوبية، وهو ما لا يخدم مصلحة مصر.

من الناحية الاقتصادية، يعتبر السودان أيضًا شريكًا تجاريًا إقليميًا لمصر، حيث يبلغ التبادل التجاري السنوي بين البلدين ما يقرب من مليار دولار، إلى جانب كون السودان مصدرًا استراتيجيًا للثروة الحيوانية لمصر.

علاوة على ذلك، تمتلك مصر خططًا استراتيجية للاستثمار في الإنتاج الزراعي والحيواني في السودان.

في هذا الصدد، يُعتقد أن أكثر من 90% من أراضي السودان صالحة للزراعة، وهو الأمر الذي سعت مصر منذ فترة طويلة للاستفادة منه من حيث تحقيق الأمن الغذائي استراتيجيًا على المدى الطويل مع التصدير أيضًا على مستوى العالم.

ومع ذلك، مع تطور الصراع في السودان، لن تمضي مثل هذه الخطط إلى الأمام في أي وقت قريب.

تدخل عسكري محتمل

تمهد المعطيات السابقة إلى احتمال تدخل مصر عسكريا في الصراع السوداني، لكن كيفية ووقت حدوث ذلك لا تزال غير واضحة.

ومع ذلك، تشير الدلائل إلى أن التدخل العسكري المصري في السودان ليس بعيد المنال إذا استمر الوضع في التدهور، خاصة وأن المواجهة الحقيقية بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية من المتوقع أن تتكشف بعد أن تقترب معظم عمليات الإجلاء الحالية للأجانب من الاكتمال.

كما أن للجيش المصري وجهاز المخابرات وجود قوي بالفعل في السودان، وقد دعموا القوات المسلحة السودانية على مدى السنوات القليلة الماضية.

في غياب قوة "صديقة" أو داعمة في السودان، قد لا تواجه مصر أي خيار آخر سوى مواجهة تهديدات الأمن القومي من خلال قوتها العسكرية.

تتواجد وحدات من القوات الخاصة المصرية وجهاز المخابرات العامة في العاصمة السودانية حتى الآن، فقط لتنسيق الحماية والإجلاء الآمن للمصريين الموجودين في السودان، والذين يُعتقد أن عددهم يقارب 10،000.

لكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ إلى أي مدى ستظل عمليات القوات المصرية مقصورة على ضمان الإخلاء الآمن للمواطنين المصريين.

ثانيًا، أفادت الأنباء أن قائد قوات شرق ليبيا الجنرال خليفة حفتر، الذي دعمته مصر بقوة في محاولته لتوطيد سيطرته على شرق ليبيا، تلقى تحذيرًا صارمًا من القاهرة بعدم دعم قوات الدعم السريع، مما يُظهر بوضوح موقف مصر الحاسم تجاه حليف ليبي فيما يتعلق بتهديد كبير يتمثل بقوات الدعم السريع في السودان.

يمكن أن يكون المثلث بين مصر وليبيا والسودان معقدًا؛ نظرًا لأن كل من حفتر الليبي وزعيم قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) يستخدمان نفس النهج لمناشدة الغرب من خلال تصوير نفسيهما كمقاتلين ضد التطرف الداخلي.

جانب آخر مشترك بين حفتر الليبي وحميدتي السوداني هو أن كلاهما له علاقات قوية مع مجموعة "فاجنر" الروسية، حيث تشارك الأخيرة في حماية مناجم الذهب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في السودان، وكذلك القتال لصالح حفتر في ليبيا على مدى السنوات القليلة الماضية.

ومع ذلك، صرح وزير الخارجية الروسي في مؤتمر صحفي للأمم المتحدة بأن السودان له الحق في استخدام خدمات "فاجنر"، على الرغم من عدم الإشارة بوضوح إلى أي جانب من الصراع سيتم استخدام هذه الخدمات من أجله.

وبالتالي، فإن مصر تجد نفسها مضطرة إلى التعامل محليًا مع مجموعة أجنبية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإدارة الروسية، والتي تحافظ القاهرة على علاقات وثيقة معها، لكنها لا تزال تشكل تهديدًا خطيرًا لأمن مصر.

هذا صحيح بشكل خاص في ضوء التقارير حول عرض "فاجنر" صواريخ وأسلحة متطورة لقوات الدعم السريع، وهو أمر ربما لن تتسامح مصر معه.

ثالثًا، يلقي مقتل أحد موظفي السفارة المصرية على يد قوات الدعم السريع مزيدًا من الضغط من قبل الجمهور المحلي على الإدارة في القاهرة فيما يتعلق بضرورة الرد.

يمكن القول إن هناك دافعين لمقتل دبلوماسي مصري: الأول أنه يمكن أن يمثل رسالة واضحة من قوات الدعم السريع إلى مصر بالابتعاد عن التدخل، والثاني أن هناك طرف يريد بالفعل إجبار القاهرة على التورط في الصراع على نطاق عسكري كامل.

بغض النظر عن الدافع الفعلي، يمكن استنتاج أنه من المحتمل أن يكون للحادث تأثير على سياسة مصر الخارجية تجاه الحلفاء الإقليميين من حيث كيفية رد مصر في السودان.

على الرغم من أن الإعلان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية المصرية لم يُذكر من يقف وراء الحادث، فمن المرجح أن تكون قوات الدعم السريع قد ارتكبت مثل هذا العمل.

ويمكن الاستنتاج من خلال مواقف مصر من النزاعات الإقليمية على مدى العقدين الماضيين بما في ذلك تلك الموجودة في ليبيا وسوريا واليمن والعراق واليمن وفلسطين، أنها كانت دائمًا تقف إلى جانب الجيوش المنظمة وطنياً، وليس المليشيات.

يشير هذا أيضًا إلى أنه من المستبعد جدًا أن تدعم مصر قوات الدعم السريع كقوة مسيطرة على حدودها الجنوبية.

رابعًا، ذكر مسؤولو منظمة الصحة العالمية أن أحد مختبرات الصحة الوطنية في السودان التي تحتوي على مواد بيولوجية، بما في ذلك مسببات الكوليرا، قد تم الاستيلاء عليها من قبل أحد أطراف النزاع المستمر.

وهذا لا يشكل خطراً بيولوجياً كبيراً على السودان فحسب، بل يجب على الدول المجاورة وعلى المجتمع الدولي ضمان استعادة مسببات الأمراض وعدم وقوعها في أيدي الجماعات الإرهابية.

على الرغم من اندلاع الصراع في السودان قبل أسبوعين فقط، إلا أن وتيرة التطورات سريعة؛ مما وضع ضغوطًا غير مسبوقة على دول الجوار.

يمكن للمرء أن يجادل بأن قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع يعرفون الآن النوايا الحقيقية لبعضهم البعض، وقد لا تكون هناك طريقة لكليهما لتسوية حتى يحقق أحد الطرفين سيطرة حاسمة على السودان.

من الصعب التنبؤ بالإجابة على سؤال ما إذا كان الصراع سريع التطور في السودان يمكن إنهاءه عن طريق المفاوضات السلمية أم لا.

ومع ذلك، فإن الوضع المتدهور يجلب مجموعة من التهديدات والمخاطر الخطيرة لمصر والتي قد تجبر القاهرة على التدخل عسكريًا أو على الأقل تقديم الدعم الكامل والدعم للقوات المسلحة السودانية.

فرصة ذهبية

في مقابل ذلك، فإن الوضع الحالي في السودان، بالرغم من صعوباته وتحدياته، يمثل فرصة ذهبية لمصر لإعادة تنظيم مصالحها وسياستها الخارجية مع القوى العالمية.

فعلى سبيل المثال، من الواضح أن مصر تؤيد دعم القوات المسلحة السودانية.

من ناحية أخرى، تقدر الولايات المتحدة تقليديًا الحكم المدني والديمقراطي، والذي كان قائد القوات المسلحة السودانية، الجنرال البرهان، ينوي على ما يبدو متابعته من خلال تسليم حكم السودان للمدنيين في إطار زمني متفق عليه، وهو ما كان أحد الأسباب للخلاف مع قوات الدعم السريع في المقام الأول.

لذلك، فإن لدى الولايات المتحدة ومصر فرصة سانحة لتعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون الاستراتيجي حول السودان بعد سنوات من الانحراف بين الجانبين حول القضايا الإقليمية.

ولن يفيد هذا فقط الأمن والاستقرار العام في السودان بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة ومصر، ولكنه يساعد أيضًا في تحقيق التوازن بين القوى العالمية في الشرق الأوسط بالأوقات التي تتطلع فيها بعض دول مجلس التعاون الخليجي إلى الصين، ودعم روسيا بشكل غير مباشر.

خلافًا لذلك، في سياق الاشتباكات السياسية الإقليمية والتطورات الأخيرة، قد تنظر الإدارة المصرية إلى مواءمة مصالحها الاستراتيجية مع روسيا بشأن الأزمة السودانية.

المصدر | أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزمة السودانية التدخل العسكري المصري فى السودان تداعيات الأزمة السودانية على مصر

شكري وبلينكن يبحثان تطورات الأزمة السودانية وسبل وقف التصعيد

مصر وأمريكا تبحثان تمديد وتوسيع الهدنة في السودان

إيكونوميست: معارك السودان قد تتحول إلى حرب إقليمية.. وهذه خريطة أطرافها

الجيش المصري يستدعي قوات كبيرة إلى الحدود مع السودان

السيسي يبحث مع قادة الجيش انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي

مفوضية اللاجئين: أكثر من 64 ألف سوداني دخلوا مصر منذ بدء الاشتباكات

لا تنقصها أزمات.. مصر تتأهب لضربة اقتصادية من السودان